يشهد الاقتصاد العالمي تغيرات تفوق في سرعتها وحجمها أية تغيرات سابقة حصلت في تاريخ البشرية. ونحن نعيش مع وضمن اقتصاد العولمة (شركة الارض). السياسات الوطنية والاستراتيجيات الاقليمية والنظريات الاقتصادية المقبولة منذ امد طويل تعتبر الان مفصولة عن الواقع الجديد للاقتصاد المرتبط بشكل مفرط والمتكامل بشكل وثيق والمتفاعل بدرجة عالية والذي شهد ثورة تقنية.
ان تحول الاقتصاد العالمي وظهور شركة الارض “العولمة” سيتطلب نهجا جديدا بالكامل للسياسة من اجل استعادة دور الانسانية في تشكيل مستقبل الجنس البشري.
لعل اهم ما يميز شركة الارض العناوين التالية:
فجوة الثروة العالمية وهو التركيز المتسارع للثروة في اعلى سلم الدخل في الدول الصناعية تقريبا وفي دول الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند وبعض دول امريكا اللاتينية وقد يظهر في دول العالم الثالث ولكن بنسب اقل.
الحاجة الى السرعة وهي من متطلبات اسواق المال والاسهم حيث ان السرعة في تبادل المعلومات لعبت دوما دورا هاما في سوق الاسهم اذ ان نقل اخبار هزيمة نابوليون في واترلو بالحمام الزاجل الى ال روتشيلد مكنهم من جني ثروة هائلة من بيع السندات الفرنسية قبل انتشار الخبر.
تحدي التعقيد نتيجة لتعقيد التغيرات التي تحكم فقد ظهرت ازاحة تدريجية لدور الانسان في صنع القرار في هذه العملية لتحل البرمجيات محله. كما ان تعقيد النظام أنتج احيانا عيوبا ومشاكل تكون عصية على الفهم بالنسبة لأي انسان.
التكامل العالمي ظهر ذلك بشكل جلي بعد انهيار المعسكر الشيوعي وانفتاح الصين على الاقتصاد العالمي ولكن الاهم من ذلك كان اتفاقية “الغات” اي الاتفاقية الدولية للتعرفة الجمركية التي سهلت عملية انتقال البضائع بين الاسواق العالمية وفد رفضت الناصرية في الميثاق (حتمية الحل الاشتراكي) ان يقوم المواطن بدفع ثمن التطور من خلال اسوار الحماية الجمركية. هذا وقد عزا البعض تقدم الصين وازاحتها الوشيكة للولايات المتحدة عن كونها أكبر اقتصادات العالم الى الرأسمالية الموجهة من قبل الدولة وهو ما كان عبد الناصر يطمح بالانتقال اليه تحت عنوان الاقتصاد الموجه (حتمية الحل الاشتراكي). كما ان ظهور شركة الارض والتكامل العالمي كان يخلق مراكز خبرة لمجموعة من الاشخاص تتعاون فيما بينها وتتبادل خبراتها من خلال شبكات الاتصالات.
تغيرات صغيرة واثار كبيرة حيث كان لظهور بعض التغيرات مثل ظهور المكننة الزراعية الحديثة في الخمسينات الاثر الكبير في احداث قطاع اقتصادي جديد وهو قطاع الصناعات الغذائية كما ان للطباعة ثلاثية الابعاد التي ظهرت في بدايات القرن الواحد والعشرين اثرا يوازي أثر ابتكار خط الانتاج من قبل فورد في اواخر التاسع عشر.
الاستعانة بالروبوتات ادى استخدام الروبوتات الى الكثير من الفاقد في الدخل بالنسبة للطبقة العاملة فان لم يتم التعويض عن هذا الدخل المفقود فان الطلب على منتجات المصانع المؤتمتة سيتراجع نظرا لعدم قدرة المستهلك على الشراء.
اعادة النظر في الموارد ان ظهور بعض التقنيات التي يمكن وصفها بالثورية على مستوى الصناعة سوف يقود الى انتاج مواد جديدة لخدمة هذه التقنيات فأنابيب الكربون والياف الكربون والالكترونيات العضوية وغيرها سيدفع الى البحث عن موارد جديدة كما ان تقنية العرافان التي تعد بتجهيزات فائقة الرقة ذات بعدين فقط (طول وعرض فقط اما السماكة فهي سماكة ذرة واحدة فقط) فهي تعد بثورة قد تكون أكبر من الثورة الصناعية عدا عن ان مواردها متاحة لأفقر الدول.
ازمة الرأسمالية ادى ظهور شركة الارض الى تعطيل عوامل الانتاج الثلاثة وهي العمل ورأس المال المنتج والموارد الطبيعية الى ظهور ما اشار اليه الكثيرون بأزمة الرأسمالية، كما ان الاقتصادات الناشئة في البلدان النامية شهدت زيادة في الانتاج لكن مع ذلك فان الكثير في هذه البلدان يعيش تحت خط الفقر حيث ان 900 مليون لا يتجاوز دخله دولار وربع يوميا.
الطبيعة المتغيرة للعمل تغير نمط النشاط الانتاجي في العالم تغييرا جذريا خلال القرن الماضي فقد اعتمد الانتاج على الزراعة لفترة اكثر من ثمانية الاف سنة. كانت الزراعة النشاط الانتاجي لأكثر من 90% من العاملين لمن اليوم لا تتجاوز في الدول المتقدمة 2% وفي دول العالم النامي اقل من20%.
وفي النهاية لا مفر من خلق فرص عمل جديدة وهذا امر ممكن للدول النامية ولاسيما ان التقنيات الجديدة التي توفرت انما تحتاج الى موارد جديدة متوفرة والمعرفة متاحة لجميع الدول الغنية والفقيرة على حد سواء ان هذا يتطلب من النخب السياسية الحاكمة ان تضع نصب اعينها هذه الافكار الحديثة لتطوير مجتمعاتها، ان سهولة نقل المعرفة وتطور العلوم جعل ذلك ممكنا في ظل نظم ديموقراطية سليمة يصل من خلالها قيادات ذات كفاءة الى سدة الحكم تستطيع من خلاله قيادة اقتصاد قادر على تطوير مجتمعاتها الى مستوى أفضل.