ماذا بعد انتهاء الحرب الايرانية – الاسرائيلية؟

معقل زهور عدي

ليست الحرب التي شنتها اسرائيل ضد إيران بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية حدثا عاديا في منطقتنا المضطربة، هي حدث من نوع الأحداث التي تحطم التوازنات السائدة في القوى وتنشىء توازنات جديدة مختلفة كليا , وربما تمد تأثيرها خارج المنطقة إلى هذا الحد أو ذاك .

خسرت ايران الحرب , فقدت مفاعلاتها النووية , وجزءا لايستهان به من ترسانتها الحربية بما في ذلك مصانع الصواريخ والمنشآت الحربية الاستراتيجية ولا ننسى أنها فقدت معظم الصف الأول وربما الثاني من قياداتها العسكرية العليا , ومجموعة من أفضل علمائها النوويين .

وليس ذلك فقط , لكن الحرب كشفت عن اختراقات عميقة في بنيتها الأمنية , اختراقات تعكس هشاشة لم تكن منظورة كان يخفيها دورها الاقليمي والصناعة الحربية المتطورة .

انكشف النظام الايراني على نحو يشبه انكشاف النظام السوفييتي عشية انهياره المفاجىء العنيف في التسعينات ليسفر عن دولة لاتتمتع بالانسجام البنيوي ولا بالحيوية ولا بقدرة على معالجة عوامل الضعف التي تزداد مع الزمن داخل النظام .

خسارة هذه الحرب أجهزت على ثاني مرتكز من مرتكزات النظام الثلاثة التي سمحت له بالاستمرار منذ العام 1979 وهو مشروع ايران النووية . أما المرتكز الأول الذي سبق أن انهار فهو ذراعا ايران في لبنان وسورية ونفوذها في هذين البلدين الذي وصل حدا يشبه الاحتلال أو لنقل الإمساك بالقرار السياسي والعسكري خاصة في سورية .

وبينما كانت ايران تخطط لاستعادة ذلك النفوذ جاءت الحرب مع اسرائيل والولايات المتحدة لاحقا لتقضي على مشروعها النووي وأي أمل في استعادة نفوذها الضائع بل ولتضعها أمام حقيقة قاسية تفرض عليها الانسحاب من بقية أماكن النفوذ كما في اليمن .

يمكن القول أن خللا بنيويا أصاب النظام السياسي الايراني وأفقده توازنه اليوم فالعنصر الثالث كمرتكز لبقائه لم يعد كافيا لحفظ توازنه وأعني به المؤسسة الدينية المتداخلة مع الحرس الثوري.

تأتي خسارة الحرب كفضيحة مدوية للنظام الايراني , والطريقة التي سلكها كمخرج لحفظ ماء وجهه في مسرحية استهداف قاعدة العديد في قطر تظهر حجم الافلاس الذي يعانيه الآن.

فوق هذا كله فهو سيواجه في طاولة المفاوضات الشروط التي يمليها في العادة الطرف المنتصر بينما سيجلس وزير خارجيته في مكان الطرف الخاسر في الحرب . ولن يكون لديه سوى أوراق قليلة للغاية ليمتنع عن قبول شروط اسرائيل والولايات المتحدة من أجل عدم توجيه ضربة أخرى أو تشديد العقوبات المفروضة عليه ولتحويل الهدنة الحالية لاتفاق سلام دائم يمنحه الفرصة لالتقاط أنفاسه .

بعد اليوم سيكون هم النظام الايراني هو المحافظة على وجوده أولا وقبل كل شيء , وتلك هي بوصلته السياسية حتى إشعار آخر .

ماذا سيحل بالاقليم بعد الحرب ؟

من الواضح أن غياب الدور الاقليمي لايران سيترك فراغا في القوى ضمن الاقليم , هذا الفراغ الذي ستسعى الولايات المتحدة لملئه عبر حلفائها الاقليميين بطريقة متوازنة بحيث تخفف التناقضات البينية قدر الامكان , لكن ذلك لن يمنع تمدد بعضهم على حساب الآخر لكنها ستحاول هندسة مثل ذلك التمدد كيلا يتحول لمنافسة قد تخرج عن السيطرة .

الفرصة ستكون لتركيا ثم لدول الخليج بالدرجة الأولى , أما اسرائيل فستستخدم الولايات المتحدة الخدمة الجليلة التي قدمتها لاسرائيل في حسم الحرب بقصف المفاعلات النووية للضغط على حكومة نتنياهو المتطرفة لتهدئة الأمور في المنطقة ودفعها نحو حلول سياسية .

وعلى الغالب فإن ما سيجده نتنياهو ليس شرقا أوسط جديدا كما يحلم يضع المنطقة تحت هيمنة اسرائيل ولكن شرقا أوسط جديدا يلبي المصالح الأمريكية في استقرار المنطقة ويمنح الولايات المتحدة فرصة للتركيز على خصمها الصيني المستقبلي واحتواء روسيا بطريقة أو بأخرى بعد إنهاء حربها مع اوكرانيا .

الرابح الحقيقي من الحرب هو الرئيس ترامب الذي حسم الحرب بين اسرائيل وايران وأنقذ اسرائيل من فشل مؤكد عندما لم تتمكن وحدها من تدمير المفاعلات النووية وبعد أن أتمت الطائرات الأمريكية المحملة بقنابل الأعماق مهمتها تحول إلى وسيط للسلام بين الطرفين .

وبدون شك فسوف يستثمر ترامب رصيده الذي كسبه من الحرب والسلام كما يفعل رجل الأعمال في الداخل الأمريكي وفي تعزيز قبضة الولايات المتحدة تجاه رئيس وزراء متطرف مثل نتنياهو من أجل شرق أوسط جديد يوافق المصالح الأمريكية أولا ويراعي العلاقة الخاصة مع اسرائيل في المقام الثاني.

فإذا سارت الأمور كالسابق فربما تكون هناك فرصة لتتنفس سورية والمنطقة الصعداء، وينفتح طريق سورية نحو النهوض الاقتصادي والذي سوف يلعب الدور الأكبر في احتواء التناقضات الداخلية والدفع بها نحو الوراء.ِ

 

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى