
بين درعا والقنيطرة، يشهد الجنوب السوري تصعيدا غير مسبوق منذ بداية المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل. إذ تحوّلت سماء المنطقة إلى مسرح لعبور عشرات المسيرات والصواريخ، سقطت في المناطق السكنية وأخرى في مناطق زراعية.
هذا التقرير، المدعوم بخريطة تفاعلية توثّق أبرز المواقع التي شهدت حوادث سقوط أو مرور لمسيّرات وصواريخ خلال الأيام الماضية، يسرد التسلسل الزمني للأحداث والمناطق المتأثرة بسقوط المسيرات والصواريخ الإيرانية.
الخلفية والسياق
بدأ التصعيد العسكري الحالي في فجر الجمعة، 13 حزيران 2025، عندما نفّذت إسرائيل هجوما جويا استهدف مواقع داخل الأراضي الإيرانية. وردًا على ذلك، بدأت إيران بإطلاق دفعات من المسيّرات والصواريخ سقط الكثير منها في الأراضي السورية.
مع اتساع رقعة التصعيد، برز الجنوب السوري — وتحديدًا محافظتي درعا والقنيطرة — كممرّ واضح لعبور هذه المسيّرات والصواريخ إذ تم تسجيل عشرات الحوادث المتعلقة بسقوط أو اعتراض هذه الأهداف في مناطق مأهولة أو أراضٍ زراعية، الأمر الذي سلط الضوء على الطبيعة الجغرافية الحساسة للمنطقة، وانكشافها الأمني أمام موجات التصعيد الإقليمي.
تكشف المعطيات الميدانية أن هذه الحوادث لم تكن فردية أو معزولة، بل تكررت يوميًا خلال الفترة الممتدة بين 13 و17 حزيران، ما يجعل الجنوب السوري إحدى المساحات الجغرافية التي تحوّلت فعليًا إلى ممرّ في سياق التوتر الإيراني–الإسرائيلي.
تسلسل الأحداث اليومية
الجمعة – 13 حزيران: اليوم الأول للمواجهة
مع الساعات الأولى من صباح الجمعة، أطلقت إيران رشقات من الصواريخ، تزامنًا مع غارات جوية إسرائيلية استهدفت عمق الأراضي الإيرانية، ليسقط عدد من الصواريخ في مناطق من ريفي درعا والقنيطرة، كان أبرزها سقوط خزانات وقود في مدينة إنخل وبلدة جباب شمالي درعا.
كما شهد اليوم نفسه سقوط خمس مسيّرات في بلدات متعددة، منها الرفيد وكودنة في ريف القنيطرة الجنوبي، بالإضافة إلى جبيلية والقصير في حوض اليرموك. الحادثة الأبرز تمثّلت في سقوط مسيّرة في بلدة الرفيد، تسببت في اشتعال النيران في محاصيل زراعية وأشجار مثمرة.
السبت – 14 حزيران
سُجّل سقوط نحو سبع مسيّرات في مناطق متفرقة، أبرزها بلدة صيدا الجولان وأبو رجم في ريف القنيطرة، وبلدة نافعة بريف درعا الغربي، إضافة إلى قرى في حوض اليرموك. لم تُسجَّل إصابات بشرية، واقتصرت الأضرار على النطاق الجغرافي للمواقع المستهدفة.
الأحد – 15 حزيران
استمرت المسيّرات بالعبور والسقوط في ريفي القنيطرة ودرعا، حيث رُصد سقوط نحو عشر منها، غالبيتها تم التصدي لها من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية. توزعت الحوادث بين قرية أبو رجم الحدودية، بلدة نافعة، وبلدة الرفيد في ريف القنيطرة.
الإثنين – 16 حزيران
سُجّل سقوط 13 مسيّرة خلال يوم الإثنين، في تصعيد هو الأكبر منذ بدء المواجهة. من أبرز الحوادث سقوط مسيّرة فوق منزل في مدينة نوى، ما أدى إلى أضرار مادية دون وقوع إصابات، بعد أن أسقطها الطيران الحربي الإسرائيلي. كما سقطت مسيرتان قرب صيدا الجولان.
ليلًا، سقط صاروخ في منطقة قريبة من مدينة جاسم، تسبب في اشتعال النيران. وسُجّل أيضًا سقوط صاروخ آخر في ريف القنيطرة، تم اعتراضه في الجو دون أضرار مباشرة.
الثلاثاء – 17 حزيران
فجر الثلاثاء، سقط صاروخ في بلدة المليحة الشرقية بعد أن تم اعتراضه. وتوالى خلال النهار رصد واعتراض عشر مسيّرات، سقطت أو مرت فوق بلدات متعددة: حيط والقصير في حوض اليرموك، شرقي الحارة في ريف درعا الشمالي، صيدا الجولان، نبع الصخر، ومسحرة في القنيطرة، إضافة إلى مدينة الصنمين.
كما تم تسجيل سقوط مسيرتين إضافيتين جنوبي مدينة طفس بريف درعا الغربي، في وقت لم تُسجَّل فيه إصابات مباشرة.
الدفاع المدني يحذر من الأجسام الغريبة
وكان الدفاع المدني السوري قد حذّر، في بيان رسمي نشر يوم الإثنين 16 حزيران، من الاقتراب من الأجسام الغريبة أو بقايا الصواريخ والمسيّرات التي تسقط في المناطق الجنوبية نتيجة التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل.
وشدّد على ضرورة عدم لمس هذه المخلفات أو تفكيكها يدويًا، وترك التعامل معها لفرق الهندسة أو فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة، مع ضرورة الإبلاغ الفوري وتجنّب التجمهر أو مراقبة مواقع السقوط من الأسطح.
وجاءت هذه التحذيرات بعد أن استجابت فرق الدفاع المدني لبلاغين ميدانيين؛ الأول في مدينة الصنمين شمالي درعا، حيث سقط حطام صاروخ بين منازل سكنية، ما أدى إلى أضرار مادية.
ووفقاً للتقارير، حاول بعض السكان تفكيك بقايا الصاروخ داخل قبو، ما تسبب في اشتعال النيران نتيجة احتواء الحطام على مواد قابلة للانفجار، دون تسجيل إصابات.
أما الحادثة الثانية، فقد وقعت في الصمدانية الشرقية بريف القنيطرة الغربي، حيث تسبب سقوط حطام صاروخي في أرض زراعية باندلاع حريق اقتصرت أضراره على الخسائر المادية.
تبعات التصعيد على السكان
وأثّر التصعيد المستمر في جنوب سوريا بشكل مباشر على السكان المدنيين، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة نتائج الهجمات المتبادلة، سواء عبر تساقط المسيّرات والصواريخ أو بسبب عمليات الاعتراض الجوية التي تجري فوق مناطقهم. ومع ازدياد وتيرة الحوادث في الأيام الأخيرة، ازدادت معها المخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية وتضرر الممتلكات وسبل العيش.
في بلدة جبيلية بريف درعا الغربي، تسبب سقوط شظايا مسيّرة، تم اعتراضها في الجو، بتحطم نوافذ وأبواب أحد المنازل القريبة، ما اضطر سكانه إلى إخلائه مؤقتا.
كما عبّر سكان بلدة الرفيد في القنيطرة عن قلقهم بعد اندلاع حريق واسع في المحاصيل الزراعية نتيجة استهداف مسيّرة بصاروخ إسرائيلي، أدى إلى احتراق أشجار مثمرة ومحاصيل قمح كانت على وشك الحصاد.
وتكررت مشاهد مماثلة في مناطق مثل جاسم، كحيل، وقيطة، حيث سقطت شظايا وصواريخ نتيجة لاعتراض أهداف في الجو، دون تسجيل إصابات بشرية، لكن مع تزايد مخاوف السكان من استمرار هذه الحوادث.
يشير الأهالي في شهادات متفرقة إلى أن الوضع الإنساني يتجه نحو مزيد من الهشاشة، خاصة في ظل غياب إجراءات حماية مدنية فعالة أو خطط طوارئ محلية. ومع استمرار التصعيد، تتزايد المخاوف من أن يؤثر الوضع الأمني على الموسم الزراعي، الذي يُعد مصدر الرزق الرئيسي لغالبية سكان الجنوب السوري.
المصدر: تلفزيون سوريا