الهجوم الاسرائيلي على إيران…. موقف ورؤية

د. مخلص الصيادي

بدأت “اسرائيل” هجوما عنيفا على ايران فجر اليوم الجمعة ١٣ / ٦ / ٢٠٢٥، مستهدفة منشآت نووية ايرانية، وعلماء نوويون ايرانيون، وقادة رئيسيون من الحرس الثوري الايراني والجيش الايراني.

 الهجوم أصاب حتى الآن وبنجاح عددا من الأهدف التي توخاها، وقد اعترف المرشد الإيراني “علي خامنئي” بذلك متوعدا بالرد.

ورغم ما يختزن في قلوبنا وعقولنا وحيواتنا نحن السوريين، والعرب من ألم وغضب من السياسة الايرانية المدمرة التي انتهجها نظام ولاية الفقيه الايراني، في سوريا عبر أربعة عشر عاما على الأقل، والتي انتهجها وما زال في العراق واليمن ولبنان ومواقع وبلدان عربية أخرى، فإننا مدعوون إلى موقف واضح وواع من هذا الهجوم الاسرائيلي، بل ومن مجمل الموقف الغربي ( الاسرائيلي الأمريكي، الأوربي ) إزاء إيران، وعلى وجه التحديد إزاء المشروع النووي الايراني، بما قد يتضمنه ذلك المشروع من سلاح نووي. وإزاء اتخاذ القوة والعدوان سبيلا للوقوف في وجه هذا المشروع.

في المبدأ نحن العرب، والمسلمين ضد وجود السلاح النووي، لأنه من أسلحة الدمار الشامل، والدمار الشامل محرم في ديننا وعقيدتنا.

لكن هذا الموقف موقف مبدئي، لا يصح إلا حينما يجري تطبيقه على الجميع، على كل الدول، وفي كل الأقاليم.

وإذا كان الشرق الأوسط إقليم فإن الموقف يكون بإخلاء “الشرق الأوسط” من السلاح النووي.

الجدل قائم فيما إذا كان لدى ايران برنامج تسلح نووي، لكن لا وجود لهذا الجدل بالنسبة للكيان الصهيوني، فهو يمتلك مئات الرؤس النووي، لذلك فليس من العدل، وليس من المنطق أن يسمح لدولة في إقليم “الشرق الأوسط” أن تمتلك سلاحا نوويا، ثم لا يسمح لدولة أخرى في الإقليم ذاته أن تمتلكه، هذا موقف مختل، يفتقر إلى الإتزان وإلى العدالة.

ما دامت ” اسرائيل”، تمتلك هذا السلاح، فإن من حق أي دولة أخرى، وأي دولة في هذا الإقليم أن تمتلكه، ونحن رغم كل ما فعله الإيرانيون فينا، لا يجوز أن نكون مع منع ايران من امتلاك هذا السلاح. وحينما تكون الجهة التي تحاول المنع هي “اسرائيل” وحينما تكون أداة المنع هو الهجوم العسكري، فإن رفضنا لذلك يجب أن يكون أشد وأوضح، يدفعنا الى ذلك قول الله تعالى “…ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى…” المائدة /٨، كما يدفعنا إلى ذلك حجم المخاطر المتولدة من مثل هذا العدوان وتداعياته على المنطقة كلها.

وفي هذا المقام فليس صحيحا أن وقف انتشار السلاح النووي هو أدعى للسلام، والأمن.

التجربة التاريخية تشير إلى أن انتشار السلاح النووي هو ما أدى إلى تعطيل استخدامه في الحروب، وأنه ما استخدم إلا حين كانت الولايات المتحدة هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التي تمتلكه، حينها قصفت به. وبدون داع حقيقي هيروشيما وناغازاكي، وقد اقترح بعض القادة العسكريين الأمريكيين(الجنرال ماك آرثر) استخدامه مجددا في الحرب الكورية (١٩٥٠ – ١٩٥٣)، لكن لأن هذا السلاح كان قد أصبح بيد السوفييت فقد صار استخدامه خطرا على الولايات المتحدة ذاتها، لذا لم يستخدم مرة أخرى.

وتدريجيا أصبح السلاح النووي سلاح يقي مالكه من مخاطر “العدوان الخارجي”، وبالتالي صار مدعاه للأمن القومي.

ومن هنا فإن المنطق الأمني، ومن دواعي السلام أن نمتلك نحن العرب، برنامجا نوويا حقيقيا، بما يتضمن السلاح النووي، فهذا وحده يقي بلادنا ويقي أمتنا من مختطر العدوان الخارجي.

أما ما يتصل بمخاطر السلاح النووي، والملف النووي كله، فلا شك هناك اساليب وطرقا ومنظمات تستطيع حين يتم التعامل من خلالها وبشكل صحيح وعادل أن تضمن سلامة التعامل مع هذا الملف كله.

إن هذه الحقيقة العسكرية الاستراتيجية هي ماضبطت التوتر المتكرر بين باكستان والهند، ولو كانت إحداهما فقط من يملك هذا السلاح لما ضبط هذا الصراع أبدا، ولشهدنا ما يشيب له الولدان. ولو كان العراق قد ملك السلاح النووي ما كان بالإمكان غزوه.

أما ما يتصل بمخاطر السلاح النووي، والملف النووي كله، فلا شك هناك اساليب وطرقا ومنظمات تستطيع حين يتم التعامل من خلالها وبشكل صحيح وعادل أن تضمن سلامة التعامل مع هذا الملف كله.

مفيدا الاشارة هنا إلى أن هذا الهجوم / العدوان الاسرائيلي المستهدف للمشروع النووي الايراني، ما كان له أن يتم، على هذا النحو، لولا السياسات الايراني الخاطئة في المنطقة كلها والتي جعلتها في عزلة عن محيطها الطبيعي، ومعادية لهذا المحيط. وقد بدأت هذه السياسات بالمنهج الطائفي الامبريالي المعبر عنه بنظرية “ولاية الفقيه”، والذي عاينا آثاره المدمرة في سوريا ولبنان والعراق واليمن..الخ، والذي أعطى آخر ثماره المسمومة حينما تخلت إيران عن نظرية”وحدة الساحات” بعد أن نفذت المقاومة الفلسطينية الباسلة هجوم السابع من اكتوبر، وهي تعتقد أن خلفها جبهة واحدة تضم كل هذه الساحات، وتمنع العدو من الانفراد بغزة. وتحولت ايران  واتباعها إلى نظرية “جبهة المساندة” السقيمة، وتركت غزة تواجه لوحدها عتو الهجوم الصهيوني لنحو سبعة أشهر، وظنت طهران أن تراجعها عن “وحدة الساحات” من شأنه أن يحميها، لكن الاسرائيليين ما لبثوا أن تحولوا إلى لبنان ليصفوا حزب الله، ثم انتقلوا الآن إلى طهران نفسها.

نحن ندرك أن إيران دولة إقليمية وازنة، وأن قيمتها ستكون أصعاف مضاعفة حين تضع في مسار تعاوني سلمي وحضاري مع مثيلاتها من دول الإقليم، لكنها مع نظرية ولاية الفقيه وضعت نفسها في موضع التضاد مع هذه الدول.

قد أوقعت طهران نفسها حينما جعلت قوتها ومشروعها طائفي فارسي، وتخلت تدريجيا عن حلفائها وهي تظن أنها تحمي نفسها وتحمي برنامجها النووي.

 لا يستطيع المراقب أن يجزم بآفاق هذه المرحلة من الصراع، لكن الوقائع تؤكد في كل مرة أن التنازع الايراني الاسرائيلي هو من قبيل التنافس في السيطرة على المنطقة. بدوافع عقدية وسياسية مختلف، والاسرائيليون وكذا الأمريكيون لا يريدون من طهران غير “تعديل سلوكها”، ولو أن معنى هذا التعديل وآفاقه غير متطابق بين واشنطن وتل أبيب.

وستكشف الأيام القادمة حدود هذه المنافسه الاسرائيلية الايرانية على منطقتنا، ومن أكبر مظاهر الخلل أن هذا الصراع الذي يمور في المنطقة مورا، نحن المتأثرين به بشدة، غائبون عن التأثير فيه، رغم أننا نملك الكثير من أوراق التأثير. لكنها كلها تضيع من غير جدوى.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الكيان الصه.يوني وملالي طهران يتنافسان على المنطقة العربية، وصراعهما صراع حدود النفوذ، وبالتالي القوة المسموح لكل منهما للسيطرة، قصفت طائرات ومسيرات قوات الإحتلال الصهي.وني لمواقع وشخصيات قيادية ، وردت ملالي طهران بالصواريخ الباليستية والمسيرات، والخاسر هو شعبنا، إنهما يتنافسان على ثروة شعبنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى