
لطالما عانت سوريا الوطن من جراء انعدام الكهرباء، وفقدان كل أنواع الطاقة، التي لا بد منها كضرورة حياتية معاشية، ترتبط بكل مفاصل الحياة، كما الصناعة والزراعة، وكل الخدمات الحياتية للناس. لكن نظام المقتلة الأسدية، نظام الفاشيست والبراميل، لم يكن يلقي بالًا لهذه المسألة، ولضرورات وجود الكهرباء والطاقة عمومًا، فلديه (كما يبدو) ماهو أهم منها، وما هو أكثر ضرورة لاستمراره كنظام قامع ناهب للوطن كل الوطن، وهو الاستمرار في قتل السوريين، وإلقاء البراميل عليهم، وكذلك الكيماوي المحرم دوليًا حتى في الحروب الكبرى بين الدول، كان همه تأمين المزيد من الأقبية والمعتقلات الجديدة، ليتم زج مئات الآلاف من الشرفاء السوريين في أتون ظلامها المر.
بالطبع فإن نموذج (الدولة الفاشلة) الذي أوصل من خلاله سوريا إلى ماكانت عليه قبل 8 كانون أول / ديسمبر 2024 لايمكن أن تواكب العصر، فتعيد إنتاج الحياة، ومنها مسألة الطاقة، الكهرباء وسواها، ولكن دولته الفاشلة كانت منشغلة بفسادها وإفسادها، ونهبها للموارد، حتى أصبحت سوريا مضرب المثل في تخلفها وشح مواردها وظلامها الدامس، إذ ليس من المعقول مثلًا أن تبقى دمشق المدينة التاريخية العريقة، عاصمة الوطن السوري، بلا كهرباء وكذلك بلا مواصلات، لا مترو، ولاترام، في حين يرى السوريون بأم أعينهم (وبعد التهجير القسري الذي أصابهم من قبل سلطات الأسد) أن مدينة صغيرة في تركيا بحجم ولاية (غازي عينتاب) يتوفر فيها الميترو وكذلك الترام والكهرباء 24 ساعة بلا انقطاع. إنها معاناة السوريين، التي لا بد من أن يتم تجاوزها كليًا، بعد كنس أدوات النهب والسرقة والفساد من نظام الاستبداد المشرقي، نظام العصابة الأسدي، نظام النهب والكبتاغون.
وهذا ماكان بالفعل لا بالقول.
إن توجه الحكومة السورية اليوم إلى التوقيع وعقد اتفاقات كبرى ضمن مسارات الطاقة الكهربائية والبديلة، مع كل من تركيا وأميركا وقطر التي تعادل ماقيمته 7 مليار دولار، وبطاقة إنتاجية للكهرباء تقدر بـ 5000 ميغا واط للكهرباء التي يحتاجها الناس كل الناس، وهذا التوجه بالشراكة الاقتصادية نحو الدول الصديقة لسوريا، وانجدال العمل الخدمي المهم للمواطن السوري، بالعمل الوطني برمته، يعتبر عملًا ولحظة تاريخية جبارة، وهو خيار سياسي، وفعل سياسي بامتياز، سيؤسس لما بعده بكل تأكيد، وسوف يعيد إنتاج الحالة الوطنية السوري على أسس مختلفة وأبعاد أخرى لاتقل أهمية عن الفعل بحد ذاته.
ليس الخيار الاستثماري الجديد في سوريا خيارًا غير مدروس، وليس العمل المتسارع عملًا اقتصاديًا فحسب، بل هو كل ذلك، وأكثر، وسوف يفعل فعله الممارس في تلبية احتياجات المواطن اليومية العادية، كما أنه يفتح الباب على مصراعيه مشجعًا عملية الاستثمار العربي والخارجي الدولي ضمن كل الجغرافيا السورية، ليكون حاملًا مهما على طريق بناء سوريا الجديدة وعلى أسس حداثية جديدة ومتجددة.
إن قيام مشروع للطاقة بهذا الحجم، يشير وبوضوح إلى أن من يريد أن يعمل لا يمكن إلا أن يجد الطريق الممكن والمتاح للعمل، وأن مستقبل سوريا، لم يعد نهبًا لأهل الحكم والسلطات الخاطفة للوطن، وزبانيتهم من آل الأسد، وحاشيتهم وشبيحتهم، بل إن سوريا ستكون لكل السوريين، وأي عمل تنموي تطويري حديث سوف يترك آثاره المباشرة وغير المباشرة، على كل مفاصل الحياة، ومنها بالضرورة مسألة القضاء على البطالة والعمل على إنتاج الحلول لها، الآنية والمستقبلية، من أجل إنتاج المزيد من فرص للعمل، ومحاربة البطالة وعوامل توليد البطالة، وإهالة التراب عليها بشكل نهائي، ومن ثم الحد من ظاهرة الفقر، فقد وصل خط الفقر في سوريا خلال حكم بشار الأسد إلى عتبة الـ 90 في المئة، وهذا لم يحصل في تاريخ سوريا الحديث ولا القديم، إذ تدرك الحكومة السورية اليوم أهمية أن يتم رفع مستوى الدخل والإنفاق للمواطن السوري، ضمن الاشتغال جديًا على مسألة قيام، وإنفاذ دولة المواطنة المبتغاة للسوريين.
صحيح أن القطاع الخاص يبتغي في أعماله ومشاريعه الربح دائمًا، وأن الدعم من قبل الدولة سيكون صعبًا في هذه المسارات لمشاريع القطاع الخاص، إلا أن العمل حثيثًا على رفع دخل المواطن السوري، يمكن أن يسهم في حل المعادلة تلك، والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، ومن ثم سوف يعيد البناءات الوطنية المعيشية ضمن انبثاقات مختلفة، وعلى هدي رؤيا اقتصادية جديدة للبلد، وهي قد أصبحت بالفعل قاب قوسين أو أدنى من الدفع بها.
ولعل كل الاتفاقات المعلنة والجديدة للطاقة، التي تم توقيعها مؤخرًا، تندرج حتمًا في سياقات تطوير الوضع الاقتصادي والمعيشي للسوريين الذي كان متهالكًا وصفريًا على أيدي نظام الأسد المخلوع، لكنها أيضًا وأيضًا اشتغال في السياسة بحق، وفتح جديد مختلف، في العلاقة مع الخارج، التي تقوم على سياسات الاحترام والمتبادل، وإنفاذ مصلحة الطرفين على حد سواء، ضمن أساسات بنيوية متجددة ومتمايزة، يمكن عبرها أن تكون سوريا دولة فاعلة ومؤثرة في المنطقة العربية، دولة لمواطنيها المتعددين والمتنوعين بكل إثنياتهم وطوائفهم وأيديولوجياتهم، بالطبع خارج إطار وسياق الاستبداد، وفي مواجهة كل أنواع العسف والقهر الذي كان يمارس ضد الأنساق المجتمعية السورية بكليتها، أيام حكم المجرمين حافظ الأسد وابنه بشار الأسد.
فهل تشهد الحالة السورية بعد إطلاق اتفاقات الطاقة في دمشق، حراكًا جديدًا نحو انبثاق بوادر نهضة اقتصادية ومعرفية وتقنية وأيضًا قانونية، تواكب انشغالات أفكار الاستثمار الجديد، وبالتالي تعيد إنتاج الواقع السوري الجديد على أسسس حديثة، وحداثية ، وتفعل فعلها في عملية بناء الوطن السوري الحر، الذي ضحى من أجله وعلى مذبحه كل السوريين بالغالي والنفيس، من أجل قيامة وطن سوري، خالٍ من كل أنواع الاستبداد، يسوده العدل، وتعيد بناؤه سواعد أبنائه، ولا مكان فيه لإيران/ الملالي، ولا زبانيتها، أو ميليشياتها، ولا كل أهل القتل والاستبداد والكيماوي.
المصدر: تلفزيون سوريا