الوطنية السورية بين موالين وخونة!

سميرة المسالمة

يصر جمهور المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي على تصنيف الكتابات بين معارضة وموالاة للسلطات الحاكمة، في استثمار متعمد للخلط الحاصل في تعريف الوطنية السورية تحديداً، وتجريدها من معاني الانتماء الصادق والمسؤول إلى الوطن، بما يعنيه من أرض وشعب وتاريخ ومستقبل، بغض النظر عن الولاءات للسلطات الحاكمة، كتسليم كامل بأنها بعيدة عن أي نقد أو منزهة عن الخطأ، أو على الجانب الآخر باعتبارها عدواً مسبق الصنع للمواطنين، أياً كانت انتماءاتهم أو توجهاتهم.

في الاتجاهات السورية المختلفة، من الموالين الجدد، أو المعارضين التقليديين، والمستجدين من منشقين سابقين عن النظام، ومدّعي براءتهم منه، ربما لا يوجد توصيف إضافي؛ نحن أمام تعنت مسبق للرأي، فبينما يقبل كل هؤلاء تباين آرائهم حول قضايا مختلفة مع مرور الزمن، يرفضون خطابات السلطة الحالية المنقلبة على نفسها، كأن التغيير الفكري والوعي المجتمعي والسياسي مرهون بالعامة دون السلطة.

من هذا المنطق الغريب، تعد أي سردية عن الواقع الجديد قابلة للدحض، ومغلفة بخلفية طائفية، أو موقف سياسي، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فلكل منها جمهوره وسلاحه المضاد للآخر، على الرغم من أن الاصطفاف السياسي ضد أو مع السلطة لا يزال سابقاً لأوانه، في المحاكمة المنطقية لبداية جديدة انطلاقاً من يوم التحرير في الثامن من كانون أول/ ديسمبر 2024، إذا كان الأمر لا يتعلق برفض الحركات الجهادية الإسلامية ومن يواليها بالمطلق.

وحيث لا تزال رواسب النظام السابق على كل منا حاضرة في تقييماتنا الموالية أو المختلفة، ما يجعل كل منا اليوم أحد وسائل التأجيج الطائفي سواء عمد إلى ذلك أو لم يفعل، وفق مبدأ معي أو ضدي، هذا المبدأ الذي صار يمارسه صناع الرأي “المؤثرين الجدد” ويوافق عليه جمهورهم العريض المتحالف ضد الآخر.

في ظل هذا المشهد، ومع الإقرار بوجود “جيوش الكترونية” هدفها تعميق أزمة الهويات المحلية وتغذية الانقسامات القومية، واختزال مفهوم الوطنية في الولاء المطلق للحاكم سواء أصاب أم أخطأ، واعتبار أي نقد أو تعبير حر عن الرأي “خيانة وطنية” في دمج بين السلطة والوطن، فإن مواجهة التحريض الطائفي لا تكون بكم الأفواه وخلق مجتمع “متجانس”، بل عبر فتح باب الحوار وتصويب المفاهيم، وتنظيم المجتمع المحلي بما يسمح بتوسيع معرفته بالمختلف عنه والقبول به.

فشيطنة الآخر لا تبني وطناً قابلاً للحياة، كما أن حراسة الهوية الوطنية لا تكون بتخوين المخالفين في الرأي، إذ أن الوطنية لا تقاس بدرجة القرب أو البعد الفيزيائي أو الأيديولوجي عن السلطة، ولا بحجم الهتافات لها، والولاء الأعمى، كما لا يصح فهم الاعتراض أو التقليل من حجم أي انجاز، أو انكاره، على أنه ثبات على الموقف بالاصطفاف أو التموقع في جهة المعارضة.

ومن البدهي أن الحكومات الناشئة تحتاج إلى دعم شعبي يسبق الاستقطاب السياسي بين مولاة ومعارضة، فتشكيل مؤسسات جامعة على أساس الشرعية السياسية والقانونية لا يأتي بقرار سلطوي منفرد ومباشر، كما أن الدعم لها لا يعني التمجيد أو اعتبار الحكومة فوق مستوى الانزلاق إلى أي خطأ، لذلك، فإن الحاجة إلى التصويب والنقد والاعتراض، وإبداء الرأي ضرورة بنيوية لأي مشروع وطني.

وعندما تتصلب السلطة في رأيها ومواقفها، تصبح المعارضة المنظمة وبرامجها البديلة، من أدوات التقويم المجتمعي الفعالة، فالغاية هي بناء الدولة لا عرقلتها وتعطيل مشاريعها، وبالمقابل ضمان حرية التعبير واحترام الخصوصيات الثقافية للمجتمع المحلي، لا ينبغي أن يتحولا إلى أدوات تمزق الوحدة الوطنية المجتمعية قبل الجغرافية، بل أن يمثل كل ذلك مرتكزاً أساسيا في بناء جسور الثقة التي تعمل اليوم “الحسابات الوهمية” على هدمها وبناء جدران فصل طائفي على أنقاضها.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى