من أعلى درجات القلق، ينظر الرئيس نبيه برّي إلى الواقع اللبناني. ومن حوافز الخوف المتراكم على لبنان، يسعى إلى ما يمكن تسميته حلولاً “لحماية لبنان النموذج والصيغة”. بيديه يطرق الطاولة أمامه. وتعنف الطرقة عند كل كلمة يعتقدها “مفصلية”، يقول فيها رؤيته للحلّ. هكذا ينساب حديثه: لا مرّشحّ لديّ إلا سعد الحريري لرئاسة الحكومة. هو الأوفر حظاً. ومن لديه مرشح آخر أو بديل فليأتيني به. لا حلّ أو خلاص للبنان إلا بالدولة المدنية، في مواجهة من يفكّر بلبنان كبلد للكانتونات، مع وقف التنفيذ.
الخوف والمخرج
وإذ اتصف مراراً بأنه صانع حلول وصيغ، فالمخرج لديه واضح هذه المرّة. “دولة مدنية تتجاوز كل الصراعات الطائفية”. قوامها منصوص عنه بالدستور ولا حاجة لتعديله أو البحث عن دستور جديد. بل التمسك بالطائف والبحث عن تطبيقه بكامل بنوده. عدا عن ذلك، الخوف قائم ومسيطر: “لا شيء لدي لأخاف عليه غير لبنان.. والدتي ووالدي رحمهما الله، ليس لدي ما اخاف عليه سوى هذا البلد”.
يقول كلمته، في معرض تقديمه لطرح جديد، كان قد طرحه سابقاً مرات عديدة من الثمانينيات والتسعينيات، وعلى طاولات الحوار الوطني وآخرها في العام 2016 ما قبل التسوية الرئاسية. هذا الطرح بالنسبة له “لا يصب في غير المصلحة اللبنانية، وهو تاريخي وللمستقبل، وليس للحاضرين الآن”.
الحريري.. الحريري
حالياً، الهم هو تشكيل الحكومة، “ومهمتها تنفيذ الإصلاحات ثم الإصلاحات فالإصلاحات”. وهذا مطلب دولي، غير أنه حاجة وضرورة محلية. في رؤيته لتشكيل الحكومة، يتمسك برّي بسعد الحريري، الذي لا يمكنه أن يقول إنه لا يريد ترؤس الحكومة. فهو المرشح الجدي الوحيد قائلاً: “أنا لا أزرع إلا في الأرض الخصبة”. لافتاً إلى أن يتحدث عن اتصالاته وما قاله لرئيس الجمهورية، وهو قرار كتلة التنمية والتحرير.
يشير برّي إلى أن الكلام عن مطالبة الحريري بصلاحيات استثنائية أمر غير صحيح: “ولا أحد يضع شروط، الشروط الوحيدة تهم لبنان واللبنانيين وهي الإصلاحات، التي تشكل المدخل، أو افتح يا سمسم على صندوق النقد الدولي وعلى دول العالم”. والأهم من ذلك، أن موضوع الإصلاح محطّ إجماع ووحدة بين اللبنانيين. الملفات معروفة بدءاً بملف الكهرباء، خاصة أن نصف الدين العام بسبب هذا القطاع. يتمسك برّي بطرح الحكومة الجامعة، بلا قيود في عملية تأليفها، وتكون قوية وقادرة على اتخاذ القرارات تضم سياسيين وغير سياسيين، “بلا حاجة لوضع شروط لله بالله”، فلا مجال للترف ولا لإضاعة الوقت، البلد غير قادر على الانتظار. ويلفت برّي إلى أنه أبلغ كل الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان بموقفه من ترشيح الحريري.
عملية جراحية للنظام
تشكيل الحكومة هو الخطوة الأولى على طريق السعي نحو الحلول الأكبر. لبنان بحاجة إلى عملية جراحية للنظام اللبناني. وهو حالياً في العناية الفائقة، ولا بد من تقوية مناعة الجسم اللبناني بالحكومة والإصلاحات، للذهاب إلى هذه العملية، التي يجب أن تستأصل الورم الخبيث. مؤكداً التمسك بالطائف وتطبيق دستور الطائف الذي ينص في المادة 22 منه: “مع انتخاب أول مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ، تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته بالأمور المصيرية”. يستعيد برّي محاضر إحدى جلسات الحوار في العام 2016، ويقول إنه اقترح هذا المشروع يومها و”كل الكتل وافقت عليه، وطلبت مهلة لليوم التالي لتقديم رؤيتها، في اليوم التالي كتلتان تراجعتا عن تأييد الطرح”.
ويعتبر برّي إنه يمكن إجراء انتخابات للمجلسين، أي المجلس النيابي ومجلس الشيوخ، بشكل متزامن، على أن يكون المجلس النيابي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين: “من دون فرض نسبة تمثيل لدى المسلمين أو لدى المسيحيين. بمعنى أن نصف أعضاء المجلس النيابي من المسيحيين، ولا مشكلة إذا كانت الأغلبية الممثلة لمذهب معين، أو مذهب آخر حصل على نسبة أعلى مما كان يحصل عليها فيما هو معمول به حالياً”. ويكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، أو على أساس المحافظات الخمس، بما يعكس تمثيلاً ذات بعد وطني، بحيث يكون السنة في مناطقهم بحاجة إلى المسيحيين والشيعة، والعكس صحيح. لأن التنافس سيكون داخل الطائفة الواحدة وليس بين الطوائف.
أما مجلس الشيوخ، وبما أنه لتمثيل الطوائف، فيتم انتخاب ممثلي كل طائفة من أبنائها، بما يشبه اقتراح القانون الأرثوذكسي، على أن تتخذ القرارات في هذا المجلس بالإجماع، لأنها قرارات مصيرية والمسألة دقيقة. أو بالحد الأدنى نصاب موصوف، بمعنى 75 بالمئة أو 80 بالمئة. على أن يكون له صلاحيات مستقلة عن مجلس النواب، وليس على الطريقة الأميركية، فمثلاً تكون القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية من اختصاصه، وغيرها. فيما الأمور الأخرى من صلاحية مجلس النواب.
هذه رؤية برّي للدولة المدنية، معتبراً أن العلمنة غير قابلة للتطبيق في لبنان.
اللعب بالنار وترسيم الحدود
يصف برّي لبنان ببلد الأقليات المتحدة، وفق ما تشير الوقائع الحالية. الفساد والطائفية فيه توأمان، وهذا ما يجب الخروج منه، ومن أفكار البعض التي تنظر إليه ككانتونات مع وقف التنفيذ. يستشهد بمقولة لناديا تويني: “وطني حروب أقدم من نهر الأردن”. وسبب الحروب في البلد دوماً الشعور الطائفي، منذ العام 1860 إلى اليوم. إذ تحول العيش المشترك إلى طائفية متناحرة. ويكشف بري أنه أبلغ هذا الكلام لكل الموفدين الذين التقاهم، الرئيس الفرنسي، الموفد الأميركي والموفد الإيراني.
سياسياً، يخشى برّي اللعب بالنار، معتبراً انه مسألة خطرة جداً، واللعب فيها لا يعني أنه لعبة. لافتاً إلى أن جولة ديفيد هيل كانت إيجابية، في موضوع ترسيم الحدود. ويشير إلى أن الأمور أصبحت في خواتيمها. ينفي الكلام عن مساع من قبل رئيس الجمهورية لسحب الملف ووضعه ضمن صلاحياته، ويقول: “أنا أمسك بهذا الملف منذ 11 سنة، تغير خمس مكلفين أميركيين به وأنا مكاني، وتم تكليفي من قبل رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، بإنجاز المفاوضات حول هذا الملف. والآن وصلنا إلى الخواتيم وننتظر تحديد موعد للإعلان، لرسم الإطار العام وتثبيت الآلية، واللذين بمجرد إعلانهما، لن يعود لي علاقة بالأمر لأنه سيكون حينها من مهمة السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية. وأنا قلت هذا الكلام خلال الاجتماع ب ماكرون”.
ويرى أن زيارة شينكر آخر الشهر غير مؤكدة بعد، وقد يأتي حاملاً الجواب الاسرائيلي حول ملف الترسيم. نافياً أن يكون هناك أي علاقة بين ملف الترسيم وحصول مفاوضات اميركية مع حزب الله.
في المحكمة
وعن المحكمة الدولية، يشير بري إلى أن ما صدر من كلام عن عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخاصة من دولة الرئيس سعد الحريري، كما بالنسبة إلى كلام بهاء، يؤكد الحرص على عدم زيادة الغلواء في البلد. أما عن موقفه من كارثة تفجير المرفأ، فيقول إنها “كارثة لا تبرك عليها الإبل”، ولن يتحدث في هذا الأمر قبل صدور نتائج التحقيق. ويجب التحقيق مع كل المعنيين بما فيهم وزراء ومسؤولين، ولا حصانة أو غطاء لأحد. أما لدى سؤاله عن وصول هذه البوارج إلى مرفأ بيروت، فيقول مهمتها إنسانية، ولا يمكن تصويرها بأنها احتلال: “نحن شحادين ومشارطين”.
المصدر: المدن