الشرع والهجري.. ما بعد أحداث جرمانا

إياد الجعفري

بعد 10 أيام على جلاء غبار أحداث جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، بريف دمشق، تبدو الحصيلة النهائية، المتبدية حتى الآن، هي سيطرة الأمن العام التابع للسلطة المركزية على تلك الضواحي. فيما يعتمل تحريض نخبوي جلّي، موالٍ للسلطة ضد حكمت الهجري، شيخ العقل الدرزي في السويداء، وذلك على خلفية مطالبته بالحماية والتدخل الدولي. فيما لم نعرف بعد، من هم المسؤولون عن الهجوم الأول الذي طال جرمانا، عشية انفجار الاقتتال.

وهكذا نستطيع أن نقول، إن الرابح الأبرز من تلك الأحداث الدامية، هي سلطة الرئيس أحمد الشرع، التي امتدت إلى ضواحٍ دمشقية كانت خارج السيطرة الفعلية. ويمكن الرهان على أن الشيخ الهجري وسّع من نطاق مؤيديه في أوساط الطائفة الدرزية، بعد الأحداث الدامية التي استهدفت مجتمعاتهم في ريف دمشق، وعلى تخوم محافظة السويداء. وبما أنه بات يحظى بحاضنة درزية أكبر، في الوقت ذاته الذي يتعرّض فيه للتحريض من جانب موالي السلطة، نستطيع أن نقول إن الخاسر الأبرز هنا، هو السلم الأهلي والعيش المشترك المبني على التراضي، وليس الرضوخ، بين السوريين.

كان لمعالجة أخرى لمقدمات الانفجار الأمني الذي حدث، أن تؤدي لنتائج أكثر استدامة في صالح عموم السوريين، باختلاف اصطفافاتهم. لكنه ما كان يمكن لها أن تخدم مصالح سلطة الشرع، وغاية توسيع حاضنة الهجري الدرزية. فاستخدام الاحتقان الطائفي هو الأداة المثلى لتحقيق ذلك.

فالأول، الشرع، يريد توسيع سيطرته الفعلية لتشمل عموم سوريا تدريجياً، مستخدماً المبدأ ذاته الذي استخدمه عشية تأسيس سلطته السابقة في إدلب. حينها، شن حرب تصفية متدرجة ضد مختلف الفصائل، وفق مبدأ توحيد البندقية، وبكلفة مرتفعة، شكّلت نقطة ضعف كبرى لجبهة الفصائل المعارضة التي كانت منحصرة يومها في شمال غربي سوريا، بمواجهة العدو المشترك –المفترض- وهو نظام الأسد وحليفيه الروسي والإيراني. وقد تطلب تحقيق هذا الهدف نحو خمس سنوات، (تقريباً من 2014 وحتى 2019)، حتى استطاع أحمد الشرع إحكام السيطرة على محافظة إدلب وتخومها، بصورة شبه كاملة. قبل أن يبدأ محاولاته لاختراق ريف حلب الشمالي، والتمدد فيه أيضاً، على حساب فصائل الجيش الوطني المعارض، سابقاً. ويمكن أن نذكر عشرات الجولات بين فصيله “تحرير الشام” وبين فصائل عدة اختفى الكثير منها، وانطوى بعضها تحت جناح سطوته. تلك التجربة، ووفق المبدأ ذاته، بتكتيكات أقل مباشرة، يبدو أن الشرع يعمل على تنفيذها اليوم في عموم سوريا.

أما الثاني، الهجري، فيعمل بلا كلل على محاولة احتكار تمثيل الطائفة الدرزية، عبر شد عصبها نحو المزيد من التشنج، بدلاً من محاولة إطفاء نيران التأجيج المتبادلة، مخاطراً برعونة بدماء المزيد من أبناء جلدته، في جولة جديدة محتملة، ومراهناً بسذاجة على تدخل دولي، لا يوجد أي مؤشر على احتمال حدوثه، أو على تدخل إسرائيلي لم يستطع على أرض الواقع أن ينقذ الدروز في ريف دمشق، من سيناريو الخضوع لسلطة دمشق الأمنية المباشرة.

هل نتجنى على الرجلين، الشرع، والهجري؟ لنبدأ بالأول. فلو كان الفاعلون في صنع القرار داخل إدارته، جادين في حفظ السلم الأهلي، لكانت أبسط معالجة متوجبة، بعد هدوء جذوة الاقتتال، هو التحقيق فيمن تسبب بهدر الدماء بين الطرفين. من حرّض الناس بصورة طائفية، بعد تداول التسجيل الصوتي المنسوب زوراً لرجل دين درزي؟ صور التسجيلات لعمليات التحريض وفيديوهات الهتافات الطائفية موجودة. ألم يكن من الواجب، كحد أدنى، إلقاء القبض على المحرّضين العلنيين ومحاسبتهم! وماذا عن الفصائل التي شنت الهجوم الأول على جرمانا، والتي قالت السلطة إنهم مجموعات منفلتة؟ ألم يكن من المفترض تحديد المسؤولين فيهم، ومحاسبتهم بصورة علنية، كي لا يتكرر ما حدث عشية الهجوم على جرمانا!

ما حدث يومها، أن المشهد تحول بقدرة قادر من هجوم مجموعات منفلتة ضد تجمع سكاني يغلب عليه الدروز، على خلفية تسجيل أقرّت السلطة رسمياً بأنه مكذوب، ليصبح المشهد وفق سردية موالي السلطة: سلاح “درزي” خارج “الدولة”، يجب وضع حد له. وهذا ما حدث بالفعل. لكن المسببات الأولى لسفك الدماء بصورة منفلتة، لم تعالج. وكأنه من المطلوب لها الاستدامة، لتكون مسببات مستقبلية لجولة أخرى، وصولاً إلى حصر السلاح المأمول في قبضة السلطة بدمشق.

على الضفة المقابلة، كان يتوجب على الشيخ الهجري أن يتعلّم من الحصيلة النهائية لما حدث في ريف دمشق، ويدرك أن التدخل الإسرائيلي لم يحل دون خضوع تلك المناطق لسيطرة السلطة. وبدلاً من الرهان على تقديم دمٍ مجاني جديد في جولة جديدة، عبر مطالباته بالمزيد من التدخل الخارجي، كان من الأسلم له أن ينخرط مع باقي مشايخ العقل ووجهاء الجبل، في إيجاد مخارج أكثر تحصيناً للدم المحرّم، مع السلطة في دمشق.

هل الوصول إلى سيطرة مطلقة للشرع على عموم سوريا يخدم مصلحة هذا البلد، في الاستقرار، ومن ثم بدء إعادة الإعمار؟ هذا ما يتذرع به، بصوت خافت، كُثر من النخب الموالية للسلطة، في تبرير أدائها في الأشهر الخمسة الفائتة. وقد يكون الجواب، نعم. لكن يبقى السؤال، كم يتطلب ذلك من الزمن، وبأية تكلفة؟ فقط للتذكير مجدداً، فإخضاع كامل محافظة إدلب، لسيطرة الشرع، سابقاً، تطلب منه خمس سنوات من الاقتتال مع “أخوة” مشتركين في العدو والمذهب الديني.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى