عمل المسؤولون الأميركيون على ضمان عدم استخدام المساعدات لمصلحة النظام السوري مع ضمان استمرار تدفق المساعدات لضمان عدم استخدام قانون قيصر ضد المدنيين السوريين.
بدأت تداعيات تطبيق قانون “حماية المدنيين في سوريا”، والمعروف بـ “قانون قيصر”، تظهر جلية، في موجة الذعر التي أصابت رجال أعمال وتجار سوريين وعرب يتعاملون مع نظام الأسد خوفا من العقوبات الدولية التي بدأت تطال بعضهم، كما ويعزو النظام السوري الأزمة الاقتصادية والإنسانية الخانقة داخل سوريا إلى البدء بالعمل بهذا القانون، هذا وتزامنا مع بدء تنفيذ القانون، أطلق السوريون على نطاق واسع نقاشا تحت وسم #قانون _قيصر للإعراب عن دعمهم لهذا القانون الذي أعاد إحياء الأمل بتحقيق حمايتهم من وحشية نظام الأسد الحالية وحماية مستقبل سوريا من المستفيدين من هذا الصراع بعد زوال الأسد.
ويذكر أن قانون قيصر ـ الذي جاء بعد أكثر من ثماني سنوات من مطالبة الشعب السوري بالدعم الدولي لحماية المتظاهرين والمدنيين، يهدف إلى حرمان الرئيس السوري بشار الأسد من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى مكسب سياسي يكرس من خلاله فرص بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى.
وتستهدف العقوبات التي ينص عليها القانون، الكيانات التي تعمل لصالح الأسد في أربعة قطاعات هي: النفط والغاز الطبيعي، وصناعة الطائرات، والبناء، والهندسة ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سوريا.
من غير المتوقع أن يستجيب نظام الأسد لأي حلول سياسية، خاصة بعد الحملات العسكرية التي قام بشنها مؤخرا على مواقع المعارضة في الجنوب السوري
وتشمل العقوبات جميع الجهات الدولية والإقليمية التي تتعاون مع الأسد مما يحرمه من فرصة تجاوز هذه العقوبات عبر الالتفاف عليها. كما ستطال أي نشاط اقتصادي بشكل تلقائي، وكذلك أي تعامل مع إيران وأي من الأطراف والجهات الإقليمية والدولية في حال فكرت في الاستثمار أو العمل في سوريا.
وفي ظل تلك الظروف، يواجه الأسد أزمة غير معهودة تتعلق بـ”لقمة العيش” التي أصبحت عصية وبعيدة عن متناول يد الغالبية العظمى من السوريين في مناطق سيطرته، وأفواه جائعة فقدت الأمل في تحسن ظروف معيشتها تحت سياساته.
كما شهدت قيمة الليرة السورية تدهورا بشكل غير مسبوق، إذ تراجعت حتى 3000 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي مما استدعى تدخلا من مؤسسات أمنية أجبرت رجال أعمال وكبار تجار سوريين على رفد الخزينة العامة دعما لليرة السورية التي فقدت حوالي 70 في المئة من قيمتها منذ شهر أبريل الفائت، فاستقرت على ما يقارب 1600 ليرة مقابل دولار أميركي وقد أدى هذا إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت فيما الطوابير أمام المخابز طويلة مع غياب الكثير من السلع من السوق ومنها الدواء.
ومع هذا التدهور المعيشي فقد غالبية السكان الأمل في أي تحسن في أوضاعهم في ظل النظام الذي يتسبب بحصار جديد وصلت تداعياته إلى مؤيديه، والذين أصبحوا بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. وفي هذا الصدد، انطلقت احتجاجات عارمة في الجنوب السوري حيث لحقت مدينة درعا بمدينة السويداء التي تعتبر حاضنة الدروز ثاني أكبر الأقليات السورية التي قامت بتظاهرات متعددة تطالب بإسقاط الأسد كحلا لمعاناة البلاد.
وفي غضون المجريات الأخيرة يقوم بشار الأسد بإقالة ضباط كبار، ونقل وتبديل أماكن خدمة أخرين، وأيضا قام بتعين عشرين ضابطا علويا جديدا في ميلشياته. حيث يبدو واضحا أنه يحاول ترتيب أوراقه من جديد أو تحسبا من قيام فعل عسكري ضده وخاصة بعد تزايد استياء ضباط على رأس أعمالهم في مناطق مختلفة من سوريا وبمواقع هامة ورتب رفيعة يُحمِّلونَ بشار الأسد بشكل مباشر مسؤولية التدهور الحاصل في أنحاء البلاد بل وينحو بعضهم إلى التلويح بالرغبة بالانشقاق كما فعل ضابط في أحد المطارات العسكرية. كما ويجدر بالذكر أن الموت المتزامن وغير المبرر والواضح لعدد من ضباط الصف الأول قد أثار كثير من الغضب والتساؤلات.
وعلى الرغم من أن هناك شريحة كبيرة من السوريين ترى أن ما قبل قيصر ليس كما بعده، ويرجون أن يحمل هذا القانون بذور حل جذري في سوريا من خلال آليات عمله التي تهدف إلى حصار المستفيدين من الصراع في سوريا، وفتح أبواب الحل السياسي الذي ينهي وجود الأسد ويؤسس للمصالحة الوطنية.
ومع ذلك، فإن لقانون قيصر بعض السلبيات التي انعكست أثارها على السوريين في مناطق سيطرة النظام. وفي هذا الإطار، يرى بعض المحللين “أن عقوبات قانون قيصر لا تعاقب النظام السوري بقدر ما تعاقب السوريين المقيمين في مناطقه لأنها تدفع بحياتهم إلى مزيد من الفقر والمعاناة، خاصة في ظل سياسات النظام السابقة التي مكنت لهذا الفقر وتلك المعاناة اليومية”.
ومع ذلك، تم التوصل إلى حل وسط، حيث يتم توجيه المساعدات الآن فقط عبر معبر باب الهوى الدولي ـ الواقع بين تركيا وشمال سوريا وخارج سيطرة النظام المباشرة ـ بعد إغلاق معبر باب السلامة الإضافي. ومن ثم، فإن بقاء باب الهوى مفتوحا على الرغم من الجهود الروسية لإعادة توجيه المساعدات حصريا عبر النظام السوري، سيضمن وصولها إلى جميع السوريين دون الخضوع لأهواء وشروط الصراع. وقد يؤدى ذلك إلى استقرار المنطقة لأطول فترة ممكنة، مما يسمح بالضغط أكثر على نظام الأسد وحلفاؤه من خلال قانون قيصر لحماية المدنيين.
ويكمن السبب الرئيسي في ذلك إلى أن تلك العقوبات التي يفرضها القانون تطال المؤسسات الحيوية التي تقوم بتأمين مستلزمات الحياة الأساسية من مأكل ولباس وأدوية لملايين السوريين. ومن أمثلة تلك المؤسسات مصرف سوريا المركزي وعدد آخر من المصارف وقطاعات النفط والغاز والبريد والخطوط الجوية السورية وشركات تصدير واستيراد السلع والخدمات. كما أثار تطبيق القانون الوشيك مخاوف بين عدد من الشركات التي لها مقرات في لبنان وتقوم بعد أنشطة اقتصادية في سوريا، الأمر الذي قد يدفع باقتصاد البلاد المتعثّر إلى الاقتراب من حافة الهاوية.
وعلى الرغم من الآثار الخطيرة للعقوبات، فمن غير المتوقع أن يكون هناك أي رد فعل إيجابي من قبل النظام. وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تعد تصرّ على ضرورة تنحى الأسد عن الحكم، لكنها عوضا عن ذلك تشدّد على تغيير سلوك نظامه، فمن غير المتوقع أن يستجيب نظام الأسد لأي حلول سياسية، خاصة بعد الحملات العسكرية التي قام بشنها مؤخرا على مواقع المعارضة في الجنوب السوري.
يواجه الأسد أزمة غير معهودة تتعلق بـ”لقمة العيش” التي أصبحت عصية وبعيدة عن متناول يد الغالبية العظمى من السوريين في مناطق سيطرته
علاوة على ذلك، يخشى السوريون بشكل أساسي من استمرار النظام وحلفائه في التلاعب بالمساعدات الدولية المخصصة للشعب السوري. فخلال سنوات الصراع، استغل النظام بشكل منهجي ملف المساعدات كورقة سياسية لتعزيز سيطرته. وفي هذا الإطار عمل المسؤولون الأميركيون على ضمان عدم استخدام المساعدات لمصلحة النظام السوري مع ضمان استمرار تدفق المساعدات لضمان عدم استخدام قانون قيصر ضد المدنيين السوريين.
وعلى هذا النحو، يجب أن تعمل الولايات المتحدة مع المعارضة السورية والجهات الدولية المعنية لبلورة كيان سياسي موحد قوي وجامع من كافة الأطراف السورية من الخارج والداخل.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي المهتم بدعم السلام في سوريا أن يعمل مع السوريين الذين يؤمنون بسوريا الجديدة والمستقرة والذين يلتزمون بحمايتها خلال المرحلة الانتقالية عن طريق العمل السياسي على كافة الأصعدة. ولتحقيق ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بالضغط على روسيا وتركيا كونهما اللاعبان الرئيسيان للوصول إلى حل سياسي لا يكون الأسد جزء منه وذلك تلبية لرغبة الغالبية من السوريين.
والأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن العقوبات التي يحملها القانون ستطال بشكل غير مباشر شريحة كبيرة من الشعب السوري، ويجب العمل على تخفيف تداعياتها عليه باستمرار تقديم المساعدات واستهداف الشرائح المتضررة من هذا القانون من خلال دعم منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المستقلة التي لا يستهدفها القانون. مما سيساهم في غلق الباب أمام أي دعاية قد يطلقها النظام محملا الولايات المتحدة مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا.
عشتار الشامي، هي كاتبة وناشطة سورية.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى