“اذهب أنت و شعبك فقاتلا”

بسام شلبي

هي قصة كتبتها في ايار ١٩٩٣ و فكرتها جاءتني يوم عيد الشهداء بالضبط حيث كنت أؤدي الخدمة الإلزامية في كلية الشؤون الادارية في حلب و تم عمل احتفال بالمناسبة و وقفنا في حالة استعداد تحت الشمس المباشرة في ساحة إسفلتية كبيرة لنستمع إلى الخطابات التي انصبت كلها على تمجيد رأس النظام و مهاجمة ياسر عرفات و منظمة التحرير و سمير جعجع و ميشبل عون الذي كانت عملية اخراجه من بعبدا بعملية عسكرية متفشكلة قريبة سقط نتيجتها عدد كبير من قوات النظام و تركز للاحتفال على تكريمهم..

و لم بذكر شيء عن شهداء سورية عبر نضالها الطويل من شهداء ايار الى يوسف العظمة و شهداء ميسلون و حسن الخراط مع شهداء الثورة الكبرى و شهداء الدفاع عن المجلس النيابي عندما قررت القوات الفرنسية اقتحامه الى شهداء حرب ٤٨ و المعارك التالية له مع اسرائيل..

احسست أن جزءا من تاريخ سورية يتم شطبه و تضحيات عظمية يتم طمسها لصالح تعظيم النظام و أزلامه..

ظلت هذه الحادثة متفاعلة في نفسي كحمم البركان التي تتلاطم داخل الارض حتى اول اجازة تلتها

عندما عدت لمنزلي و جلست الى مكتبي كتبت هذه القصة و فكرتها خيالية:

أن مجموعة من الجنود يتجهون الى قبر في ميسلون ينبشونه و يخرجون يوسف العظمة للمثول أمام القاضي بتهمة الاستيلاء على هذا القبر بغير حق و أن هناك من هو احق منه.. و يدور بينه و بين القاضي حوار طويل.. ذروته يقول فيها يوسف العظمة للقاضي: أنا ناضلت و قاتلت في سبيل حرية البلد اما هذا المدعي لم يخض أية معركة.. فيجيبه القاضي أنه قاتل بقلبه و لسانه و أنه ألقم الأعداء خطابات نارية لن ينسوها..

يقول يوسف: أنا استشهدت برصاص الأعداء في معركة أما هذا المدعي مات عندما استطدمت سيارته بعامود إنارة..

يجيب القاضي: بأنه كان ذاهبا في مهمة وطنية جليلة، لذلك فهو شهيد

يردف يوسف: يقولون أنه كان سكرانا

يجيب القاضي: كان يسكر كي يتحمل هموم الوطن..

و تنتهي المحاكمة باصدار القاضي حكمه و يأمر الجنود بإخراجه و إلقائه في العراء

فيحتج يوسف: الشعب من منحني هذا القبر و هو من سيعيدني إليه حتما..

فيصرخ القاضي و الجنود: إذهب أنت و شعبك فقاتلا إنى ههنا قاعدون.

بعد اقل من ستة أشهر على كتابة هذه القصة قضى باسل الأسد بحادث سيارة في كانون ثاني ١٩٩٤

و بطريقة تعامل النظام مع هذه الحادثة جعل النص منطبقا عليها تماما كأنه كتب لوصفها رغم انه سابقا عليها

و كان لابد لي وقتها من اخفائه تماما لأنه كان ممكنا أن يقودني إلى حبل المشنقة او الدرك الاسفل من جحيم المعتقلات

و لا اعرف اذا كنت سأعثر يوما على هذا النص؟ أو هل مازال مجد نشره كاملا بعد هذا الزمن؟

لكني في كل سنة في عيد الشهداء استذكره كأنه محفور في صخر ذاكرتي الموجوعة.

المصدر: صفحة بسام شلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى