
ماوصلنا إليه في أزمة السويداء هو محصلة أخطاء متعددة المصادر , فإذا كنا نريد التفكير ليس بالحدث الذي يواجهنا فقط ولكن بالخلفيات والأسباب التي لاتظهر بذاتها بل تحتاج للتفكير وشيء من التأمل للتوصل لادراكها وبالتالي معالجتها نجد الآتي :
هناك أولا رد الفعل تجاه المرحلة السابقة الذي لم تتمكن القيادة السياسية حتى الآن من احتوائه لابتشكيل هيئة العدالة الانتقالية ولا بإعلام مسؤول ولا بكبح جماح الفصائل والتشدد تجاه تجاوزاتها , ولا بحملة توعية واسعة تستعين فيها بالمجتمع المدني والشخصيات والقوى الوطنية .
هذا التقصير ترك فراغا تجاه فائض من المشاعر تتجمع فيه عوامل الثأر والانتقام وتصفية الحسابات مع الماضي .
وهناك ذلك التفرد في اتخاذ القرار , والذي ترك فجوات في تناول السياسة الداخلية ضمن قناعة تشكلت في أن الحلقة الأهم تكمن في السياسة الخارجية وهذا ليس صحيحا ولاينطبق على سورية بصورة خاصة .
فبين السياسة الخارجية والداخلية جدل مستمر , وفي هذا الجدل تقفز السياسة الداخلية أحيانا لتصبح هي مايعيد تشكيل السياسة الخارجية.
والأمر الثالث الذي يستحق التفكير فيه أن المجتمع المدني السوري لم يتمكن حتى الآن من تشكيل أطر اجتماعية – سياسية تكون الجناح الآخر الذي يخلق نوعا من التوازن بين السلطة والمجتمع ويقوم بدور احتواء عوامل الانقسام وعقلنة الشارع وتصويب نهج السلطة أيضا وتلك مسؤوليتنا جميعا التي نحب التهرب منها كما تعودنا على ذلك طويلا .
هل سمع أحد صوت النقابات فيما يجري من أحداث خطيرة في الجنوب السوري ام أحس بحركتها الاجتماعية – السياسية مثلا ؟
لماذا لم نجد من يقف بوجه ذلك التحرك الشعبوي غير المسؤول في مهاجمة طلاب في المساكن الجامعية بحمص لمجرد أنهم ينتمون للدروز كرد على تسجيل لشخص نكرة وجه فيه إهانة للرسول الكريم باعتبار أن الدروز كلهم أصبحوا متهمين !!
لماذا تأخرت مواجهة تلك الموجة التي تدحرجت حتى وصلت للجنوب فأيقظت ردود فعل عنيفة تسببت في النهاية بصدام مسلح واسع النطاق .
بالطبع كانت تلك الموجة خبرا سعيدا للتيار الانعزالي في السويداء , فقد جاءت بعد أن بدأ يشعر بالحصار ضمن البيئة الاجتماعية وفقد الكثير من رصيده السياسي , فأفضل هدية ممكنة له هي استفزاز مشاعر الخوف من أن تصبح السويداء مستهدفة من موجة تعصب لاتستطيع الادارة احتواءها .
وحتى يكون المرء منصفا لابد من القول إن تلك الموجة ماكان لها أن تنتشر وتشتد لولا البعد السياسي في خط الشيخ الهجري والذي شكل حالة مستفزة وغير مفهومة لعموم السوريين , فالسياسة هنا تداخلت مع المشاعر الدينية ولابد من إدراك ذلك أيضا .
والخلاصة أن تراكم الأخطاء دون الشعور بالحاجة لمراجعة النهج السياسي وتقويمه سوف يبقي البلاد معرضة للهزات والأزمات ويجعلها مكشوفة للمخاطر بدون شك .
كما أن على النخب السورية الكف عن النوسان بين تأييد أعمى ونزعة عداء للعهد الجديد يصب في طاحونة إعادة سورية للوراء ولايقدم أي بديل .
وليست المسألة فقط مسألة موقف ساكن ولكنها مسألة تحرك فعال في الميدان للاسراع في بناء مؤسسات المجتمع المدني وأهمها النقابات الحرة المستقلة .