
هل كُتب على السوريين أن لا يعيشوا بسلام في بلدهم؟؟ سؤال يراود جميع المواطنين السوريين ومن كافة الأعمار والشرائح الاجتماعية .
انتظر الشعب السوري خمسة عقود ، وأكثر من عقد من الزمان على انطلاق الثورة ، والنظام القمعي الأسدي المتوحش وأجهزته تعمل ليل نهار قتلا وتدميراً وتهجيراً ونزوحاً .. دماء السوريين ملأت الشوارع والأزقة ، ودخلت كل بيت وأسرة ، ومسالخ بشرية في سجون النظام ومكابس وتذويب في الأسيد .. فاحت رائحة الدم فيها لتصل إلى كل العالم أخبارها عبر ” قيصر ” و ” حفار القبور ” .. ، مضافاً إليها العاهات الانسانية المنتشرة في كل مكان على الأرض السورية ..
وفي يوم لم يخطر على بال السوريين سقط النظام الاستبدادي اللعين وهرب رأسه تاركاً البلاد في حالة مأساوية لا يمكن وصفها بكل لغة البلاغة والوصف ، واستبشر السوريون بالايام الٱتية ، وبأن حلمهم بالاستقرار والأمان والعيش الكريم على بعد خطوات ، وصبروا وصابروا …
ولكن هيهات .. فشلال الدم لا يريد أن يتوقف .. كان الشعب السوري في مواجهة نظام ظالم قاتل ، واليوم في مواجهة دموية داخلية بين أطرف من الشعب والشعب ذاته ، بين مكونات الشعب وأطيافه .. كل طرف يعلن مظلوميته لإزالة وجود الطرف الٱخر .. والطرف الٱخر يتمسك بحق الدفاع عن نفسه ويرفع راية الثأر والانتقام والدفاع عن الكرامة .. وعلى خلفية الثأر تنتشر الفوضى ، وتتعالى صيحات ” حي على السلاح ” وتتحرك بالخفاء وبالعلن أجندات كثيرة ، تدفع لمزيد من الاقتتال والدم ، متكئة على عملاء لها كورقة من أوراق اللعب في التوازنات الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها ونفوذها ..
إلى متى سيستمر شلال الدم والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد ، وإلى متى يستمر تحكم العقلية القبلية و الموروث المتخلف ، والنوازع القطيعية ودفع البلد إلى حافة الهاوية .. ومتى سيتوقف هذا الاقتتال الذي يصيب التعايش المجتمعي والسلم الأهلي في مقتل .. هل سيتوقف عندما ينهي الطرف الأقوى الطرف الأقل قوة من الوجود ، وهل إعدام طائفة أو أخرى وإنهاء وجودها يوقف غليان الثأر والانتقام أم سيمتد الدم والاقتتال الى طيف سوري ٱخر وإنهاء وجوده ..
هل الحل بأن يعدم السوريون بعضهم ، وهل الحل بأن يتحول كل الشعب السوري إلى طوائف تتقاتل في حرب داحس والغبراء إلى ماشاء الله .. إلى متى سيبقى الشعب السوري في دوامة الدم المغلقة .. ومن المستفيد من هذه المقتلة أو المحرقة الرهيبة .. هل إفناء السوريون بعضهم بعضاً هو الحل . أليس في شعبنا عاقل أو عقلاء يوقفون الدم السوري المهدور كل يوم ..
وإلى متى يبقى الشعب السوري لا يشعر بوجود الدولة ، وإلى متى ستبقى حالة الانفلات مستشرية ، وحالة الفصائلية والمجموعات المسلحة بدون رابط أو ضابط ،وكل طرف يلقي بالمسؤولية على الطرف الٱخر ، ويتبرأ من الأفعال الإجرامية التي تحدث كل يوم .. وإلى متى سيبقى الشعب السوري يستقي ويتلقف أخبار ما يجري من هنا وهناك في ظل تجييش إعلامي لم يعد أحد يعرف الحقيقي من المزيف عبر وسائل ” التقاذف ” الاجتماعي ، والفيديوهات والسيشل ميديا التي تعبث بعقول البشر وانفعالاتهم وتقوم بالتهويل وبث الأكاذيب والتحريض وبث روح الانتقام في نفوس الناس ، في غياب للإعلام الرسمي الصادق والشفاف الذي يضع الحقائق أمام الرأي العام ، ويوضح خطوات الدولة وخياراتها ، ويكشف للشعب السوري كل الخفايا ويصارحه ولو وصلت المصارحة مثلاً : إلى أن عدم محاسبة فلان أو فلان من فلول النظام الذين ارتكبوا الجرائم ضد الشعب لأنهم عند عملية التحرير قد ساهموا فعلاً بإسقاط النظام وانهياره .. وإذا كان ذلك فيجب الإعلان عنهم بدون لبس أو غموض لإزالة المخاوف والهواجس ، ووضع الناس أمام الحقائق .. وهذا غيض من فيض عن الدور الإعلامي في الإجابة على الكثير من الأسئلة التي تدور في عقول المواطنين وتثير الحيرة والشكوك ..
ومع كل ما يجري ، فلا زالت أغلبية المواطنين يأملون من رئيس الدولة وحكومته المؤقتة إعادة المراجعة والتقييم ، والسير بإجراءات جديدة تعمل على تمتين الوحدة الوطنية بإشراك جميع السوريين بأطيافهم وقواهم الحية في صنع القرار ، والمضي في تشكيل الجيش الوطني الواحد الموحد على أساس مهني وعابر للمجموعات والفصائل والتشكيلات الطائفية ، واتخاذ القرار الحاسم في تشكيل الهيئة العليا للعدالة الانتقالية فوراً والقيام بأعمالها وتحقيقاتها لأنها الطريق الوحيد لوقف عمليات أخذ الحق باليد ، والاندفاع نحو الثأر الشخصي بكل الوسائل ..
وإعادة النظر في بعض بنود الإعلان الدستوري المؤقت ليكون أكثر شمولاً وتوزيعا ً للمسؤولية ..
وفوق كل ذلك على رئيس الجمهورية و الحكومة المؤقته أن يعلن بوضوح خارطة الطريق وفق جدول زمني تقريبي للخطوات والمراحل التي ستسير عليها الدولة ، والموقف الواضح من الحريات العامة والحياة السياسية المبنية على أساس نظام ديمقراطي يقوم على حكم مؤسساتي يتجاوز موقف “الغموض البناء ” ، وفي إصدار قانون عصري للأحزاب والمنظمات والهيئات والجمعيات المدنية ، وتحديد الخطوات العملية من أجل التأسيس لدستور دائم للبلاد عبر هيئة دستورية منتخبة ، وانتخاب مجلس الشعب وفق قانون انتخاب يقوم على الشفافية والنزاهة ، ويقود إلى انتخابات رئاسية تنافسية تضمن مساهمة الشعب السوري وتحترم خياراته ..
بدون خطوات عملية وفعالية ، وخيارات واضحة ومصداقية ستبقى الجبهة الداخلية في حالة اهتزاز ولا استقرار ، وستبقى التدخلات الخارجية تفعل فعلها وتملي شروطها التي لا تنتهي والتي لن يوقفها إلا تماسك الشعب السوري والتفافه حول قيادة تعتبر نفسها ممثلة لكل السوريين بكل مكوناتهم وأطيافهم وطوائفهم دون استثناء ، وتكرس حق المواطنة المتساوية في نظام ديمقراطي تشاركي يحفظ كرامة كل السوريين وفي إطار من الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع .