يسألوني لماذا تكتب؟ ولمن تكتب.. وهل مازال في هذا الزمان.. وهذا الواقع، مـن يكتب؟ وماذا تفعل الكتابة أمام هذا الواقع البائس والدامي؟ وهل تفيد الكلمة أمام آلة القمع والبطش والعسف؟ أسئلة كثيرة -في الواقع- تنهال عليّ، وعلى كل من يعاقر الكتابة أو يتعاطاها، أو من ابتلي بدائهـا، الذي لا برء منـه، وليس لصاحبـــه من يشفيه منه.. والحقيقة فإنه وإن كنت أحترم من يطرح هذه الأسئلة وأتعاطف معه، وأبرر له ما يقوله في مواجهة ما يجري، وأمام هذا الواقع الفاقع في كل نواتجه ومآلاته.. إلا أن ما يصعد إلى مخيالي في هذه اللحظات، وفي محضر الإجابة على مجمل هذه التساؤلات، قول للكاتب الأميركي ” بول أوسير” يتحدث فيه قائلاً: (لم تعد الكتابة بالنسبة لي فعل حرية، بل فعل بقاء).. نعم يا سيدي –وأنا سيدي شعبي وشعبي سيدي – هو فعل بقاء صرف، وفعل وجود، وفعل شك ديكارتي، إنه ثبات في الأرض دفاعاً عنها، عن الوطن، عن التاريخ، عن الناس الغلابة، الناس الناس، الذين خرج منهم محمد الماغوط، ونزار قباني، وأبو القاسم الشابي، وكل من التصق بالناس كل الناس، وعندما يعيش المرء حالات من العسف والقمع، وانتهاك إنسانية الإنسان وهدره، فإنما يتمسك بالحرف العربي و( الكلمة / الحرية ) و ( الكلمة / الوطن ) والكلمة التي هي مقدمة أولى لكل شيء، من أفعال الإنسان الخارج من القمقم، والرافض للانتهاك، والمتمرد على الهدر الإنساني .. والواعي لمنعكسات واقعه المعاش، والذي يعيش حالة تضاد مضموني، مع كل أشكال القمع، من أي جهة جاءت وكيف تجسدت.. وإلى ماذا ترمي.. وهنا لعلي أستطيع أن أجول قليلاً في كتاب الصديق الدكتور يوسف سلامة (من السلب إلى اليوتوبيا) في محضر حديثه عن “مبدأ الواقع” لدى ” ماركيوز” مؤكداً أن هذا المبدأ ” يكشف عن أن ندرة الخيرات وما يجري من صراع بين بني البشر للاستحواذ عليها، وما يترتب على ذلك من عوز لأكثرية البشر ومن وفرة لأقليتهم، هي العلة التي تنتج مبدأ الواقع القمعي. ”
هنا وحسب الدكتور سلامة فإن ” ماركيوز” يقدم حلماً بالتحرر أكثر من كونه يقدم استراتيجية تحريرية قابلة للتحقيق الفعلي، وبخاصة قابلة للاستخدام في إنجاز التحرر “.
وأعود للقول : إن الواقع المرّ والمرير الذي نعيشه هذه الأيام، ونحن في هذا الواقع الممارس، أشد ما نكون فيه حاجة إلى إنجاز الحرية والتحرر، إنجاز وتحقيق فعلي قابل للاستخدام، وليس مجرد كلام غير قابل للتحقق .. إن الكلمة في هذه الأيام – وهذا اعتقادي على الأقل – تفعل فعل سواها من الماديات الممارسة في هذا السياق، وهي وبالتساوق مع الفعل البشري الآخر، تجيِّر الحال، حال الأمة والوطن، إلى ما هو قابل للملموسية والتحقق.. وستبقى الكلمة وعلى مر الزمان فعل مضارع، وكذلك فعل مستقبل.. وهي ليست مبنية للمجهول، ولا نائب فاعل، بل هي الملاذ، ملاذ الشعوب نحو تحقيق أهدافها، ومراميها.. وهي –بالتأكيد- لا يمكن أن ترتقي إلى قطرة دم واحدة تسيل من فرد أو إنسان، تنبت منها، وعبرها، شقائق النعمان، والخزامى، وزهر الياسمين الدمشقي الأصيل …. لكن الكلمة فعل مقاوم، وفعل بقاء.. واستمرار للوجود الإنساني، وحفر في الصخر الصلد، على مدى الأيام، في مواجهة كل أنواع المنع والقهر وكم الأفواه. وإلغاء الكلمة الحرة، وزج الناس في المعتقلات وغياهب السجون والأقبية الأسدية. فقط لأنهم قالوا لا للطاغية، لا لتغوله على المجتمع، لا لبراميله، وكيماويه وكل أدوات قمعه، وخطفه للوطن السوري الأصيل، المتعدد والمتنوع.
الكتابة تشعرك بوجودك في الحياة، وتعطيك قيمة مضافة لذاتك لأنك من خلالها تتلمس هموم الناس والم الواقع المعاش .في البداية كانت الكلمة.من يستطيع توظيفها في خدمة مشروع أمته ووطنه. يكون قد حاز على ناصية القول والفعل المجازي خدمة لقناعاته التي يترجمها في نص نثري عنوان الكلمة.
شكرا لك استاذ احمد ، كلماتك وعباراتك التي تنبض عروبة وأصالة لها وقعها وصداها عند الذين يتعطشون للحرية والخلاص من نظم الاستبداد والفساد في مشروعهم الذي يفضي إلى دولة وطنية ديمقراطية تسمو فيها قيم المواطنة وحقوق الإنسان.