
في عام 1990ذهبت الشاعرة الكويتية سعاد الصباح إلى مبني نقابة الصحفيين المصريين بوسط القاهرة ( المبنى القديم بحديقته العتيقة). واستقبلها جموع الصحفيين المصريين – ومن كان من الصحفيين العرب – بحفاوة شديدة في القاعة الرئيسية لتلقي ما لديها من كلمات، وأشعار، ورسائل لمصر وللعرب والعالم وللإنسانية.
- ••
الآن هي تمر من بين كراسي وأشجار الحديقة الخارجية إلى القاعة الكبري، وتمسك ببعض الأوراق فى يدها، فيما كان الزملاء من أسرة العمل الإداري في النقابة يمهدون لها الطريق والمكان لتأخذ مكانها لتقول ما لديها.
جاء عامل بكوب ماء باردٍ، وثاني بفنجان قهوة مظبوط وثالث وقف – يظبط – صوت الميكروفون ورابع يتأكد من تشغيل أجهزة التبريد ورابع يطالب الزملاء بالهدوء ثم حمل صوت المذياع الداخلى التبيه التالى:
” السادة الزملاء..والآن مع الشاعرة الكويتية سعاد الصباح..فلتتفضل إلى المنصة”. وبالفعل تحركت بين الصفوف حتى صعدت وبدأت الكلام وسط عاصفة من (التصفيق الحاد).
- ••
قالت سعاد الصباح:” الدخول إلى نقابة الصحفيين في القاهرة، يُشابهُ الدخول إلى جامعةٍ تُعلَّمُ تلاميذها مادةَ واحدةً فقط..هي الحريّة.( تصفيق حاد).
- ••
قالت:” أيَّها الأصدقاءُ: كم أنا سعيدةٌ وملأى بالعنفوان، لأني في بيت الصحافة. بيت الصحافة هو بيتي. وقضيتها هي قضيتي”( تصفيق حاد)!
- ••
ثم قالت:” وأنا مدينةُ للصحافة المصرية بشكل خاص لأنها علمتّنىْ كثيراً، وكرّمتْني كثيراً ، وكانت دائماً رفيقة كلماتي، ورفيقة حرّيتي”. (تصفق حاد).
- ••
ثم قالت:” أيها الأصدقاء، إنني أقصد القاهرة، لأقول فيها كلاماً لا استطيع أن أقُولهُ في غير القاهرة”.( تصفيق حاد)
- ••
ثم قالت:” في هذه الأيام التي أصبحت فيها أعصابنا رماداً..وكلماتنا رماداً وأمانينا رماداً..نلتجئُ إلى ذراعَيْ مصر التي كلما أرَدْنا أن نكتب، كتبنا على سمائها المفتوحة الزرقاء، وكلما أردنا أن نستحم بماء الحرية قصدنا نيلها العظيم، وكلما أردنا أن نبكي، بكينا على صدرها الرحيم”.( تصفيق حاد).
- ••
ثم قالت:” إنني أحملُ أحزاني إلى مصر، لأنها أكثر البلاد في العالم لطبيعة الحزن، وأحمل إليها مدامعى، لأنها تعرف جيداً من أين تأتي الدموع، وأرفع فوق اهراماتها بيارق حريتي، لأنها معلمة الحرية”. ( تصفيق حاد)
- ••
ثم قالت:” إننى أقصد مصر الأم، لأشكو إليها عقوق بعض الإخوة الذين أشعلوا النار في منزل الأبوه، وقطعوا شجرة العائلة، وحولوا الدم العربي إلى نهرٍ من الأوساخ”. ( تصفيق حاد)
- ••
ثم قالت سعاد الصباح:
“قد سرقتنى الحرب من طفولتى..
واغتالت ابتسامتى..
ومزقت براءتى..
واقتلعت أشجارى الخضراء
فلا أنا بقيت من فصيلة الزهور..
ولا أنا بقيت من فصيلة النساء”.( تصفيق حاد)
- ••
ثم قالت سعاد الصباح..ثم قالت سعاد الصباح…ثم قالت سعاد الصباح…….
…….
……
لا… هى – الآن – لا تقول، لكن الذى يقول هو التاريخ؛ فبعد 35 سنة من قولها…
مازال التاريخ يقول:
“إن نقابة الصحفيين المصرية هى جامعة تعلم الحرية”.
ومازال التاريخ يقول:
“إن مصر هى التى يحمل إليها البعض دموعهم لأنها تعرف من أين تأتى الدموع؟
ومازال التاريخ يقول:
“إن بعض الأخوة العرب حولوا الدم العربي إلى نهر من (الأوساخ)..
ومازال التاريخ يقول:
….. ومازال النهر يجري…
- ••
……
……
(تصفيق حاد).
- • الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب.
الشاعرة الكويتية سعاد الصباح في حوارها مع مفيد فوزى ( الحوار نشر في مجلة كل الناس) قبل نشره في الكتاب.
- • المصدر:
كتاب:” مفاتيح قلب شاعرة – مفيد فوزى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2000.