من وحدة الدولة إلى وحدة السلطة

محمد علي صايغ

بعد أن فتت النظام القمعي المخلوع نسيج المجتمع السوري تحت المقولة المعروفة ” فرق تسد ” ، وأدخل البلاد في حالة تنازع في السلطة بين سلطته وسلطات الأمر الواقع ، ورضخ إلى إملاءات خارجية واحتلالات ، ولنفوذ دول إقليمية ودولية ، لتزيد في تخريب المجتمع السوري وتهدد وحدة أرضه وشعبه ، وإنفلات لقوات ومجموعات وزعماء عشائر فصائلية تشتغل خارج سلطة الدولة ومعها ، وتفرض الإتاوات وتحاصر وتعتقل وتفرض الرعب بين الشعب ، هذا عدا عن رموز مافيات المال المرتبطة والمشاركة لكبار المسؤولين بالدولة عاثت فساداً واستولت على الأموال العامة والخاصة بالقوة أو بطرق احتيالية ، مما أدى كل ذلك إلى غياب سلطة الدولة إلا في حالتين : التغول الأمني الذي يطال مجموع الشعب ويقيس حركاته وسكناته و ملاحقته واعتقاله وتصفية كل من يخرج عن الطاعة أو يعلن معارضته سراً أو علناً لنظام الحكم ، والحالة الثانية المتمثلة في فرض الضرائب وجبايتها ، وأكثر من ذلك تحويل بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية لفرض أتاوات مذهلة على المواطنين إن كان ما تأكد عن ما يسمى ” بفرع الخطيب أو حواجز الفرقة الرابعة … الخ

الٱن بعد سقوط النظام البائد ومرور أكثر من مئة يوم على التحرير وهروب رأس النظام ، وتداعي أركان السلطة وانهيارها .. وبعد الإعلان عن نجاح الثورة ، وبأنه قد انتهت الثورة بعد انتصارها ، وبأن المهمة اليوم تتجلى في بناء الدولة والنهوض بها .

وعلى الرغم من أن الثورة لا تسقط بمجرد سقوط النظام الاستبدادي ، وإنما تنتهي الثورة حين تنجز الثورة أهدافها في الحرية والكرامة عبر نظام يضمن حقوق ومشاركة جميع أطياف الشعب السوري وقواه السياسية في نظام ديمقراطي ينهي حالة الاستبداد ويقطع نهائيا مع بنية النظام السابق إلى نظام جديد يرسي دعائم المواطنة والعدالة وسيادة القانون ..

وبعد أكثر من مئة يوم على ما أطلق عليه الاستقلال الثاني لسورية فلا زالت الدولة السورية تعاني من معضلتي وحدة الدولة ، ووحدة السلطة .. إذ لا زالت إجراءات السلطة في تعاملها مع المجتمع السوري تؤسس لسلطة اللون الواحد ، سواء في قراراتها أو في تعيينات المناصب في الدولة .. وتفتقد أيضاً لمشاركة فعلية لأطياف الشعب السوري ، وتبدى ذلك في تمركز السلطة الأحادية سواء في أختيار أغلبية المشاركين في الحوار الوطني أو في نصوص الإعلان الدستوري أو في القرارات الأخرى على مستوى المحافظين في المدن أو في الهيئة السياسية ، ثم القرار الغريب العجيب الذي أعطى وزارة الخارجية مهام الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية عبر الأمانة العامة للشؤون السياسية ، والمشاركة في رسم الخطط للسياسات العامة ، وتشكيل هيئة لإدارة الشؤون السياسية أيضاً من لون واحد في خطوة تؤسس إلى إسقاط مبدأ الفصل بين السلطات الذي أكد عليه الإعلان الدستوري  .. هذه الخطوات وغيرها أثارت العديد من التساؤلات , وأحدثت ارتباكاً شديداً في الشارع السوري ، كما أحدثت شكوكاً كبرى في إمكانية دمج سلطات الأمر الواقع ( قسد ، مسد ) في كيان الدولة السورية ، كما ارتفعت الأصوات الأخرى في السويداء ، ومن ثم في الساحل السوري وهواجس الجميع بأن الدولة السورية وتوجهاتها تلك ستصب في خدمة المشاريع الانفصالية عن الدولة السورية ..

وعلى الطرف الٱخر فإن وحدة السلطة أساس لوحدة الدولة ، فلا زالت السلطة تتنازعها أكثر من مركز قرار ، ولا زالت العديد من الجهات العسكرية والأمنية لا تخضع لسلطة مركزية واحدة ، بل هناك انفلات بالالتزام بالقرارات والإجراءات ، وهناك في كل المحافظات تصدر قرارات يأتي من يرفض تنفيذها وينفذ بمزاجية خاصة قراراته ضارباً عرض الحائط بكل ما يصدر من المركز حتى ولو كان القرار صادر عن رئيس الجمهورية .. هذا عدا عمليات النهب والسرقة واللصوصية التي لا أحد يعرف من الجهة التي تقوم بها ، في حين لم تستطع السلطة محاصرتها ووضع حد للتعدي على المواطنين وأموالهم ، بما يؤشر بشكل واضح على غياب الأمن والأمان في أرجاء البلاد ..

من الصحيح أن السلطة الجديدة ورثت تركة ثقيلة جداً بعد سقوط النظام البائد الذي حول سورية إلى دولة خراب ودولة فاشلة بكل المقاييس ، وأن هناك أخطاراً خارجية وصغوطاً إقليمية ودولية تتصارع على النفوذ  لتؤسس لها مكاناً في الدولة السورية ذي الأهمية الجيوسياسية الكبرى في المنطقة ، وصحيح أيضاً أن المعضلات والإشكاليات الداخلية عميقة في الداخل السوري .. ولكن نجاح أي سلطة مرتبط بالنجاح في القدرة على الحفاظ على وحدة الدولة ، وعلى وحدة السلطة ، وبدون ذلك فإن أي سلطة بالتأكيد ستفتقد الثقة الشعبية والشرعية والمشروعية .. وبدون ذلك فإن السلطة التي تفتقد وحدتها ستقود تدريجياً الى الفوضى التي في حال تفاقمها تنهي وجود السلطة ذاتها ، وستضطر إلى استخدام العنف لاستدامة إمساكها بالسلطة بأطول وقت وتدخل السلطة الجديدة في صراع وجودي تمهد لهذا الصراع ما يعرف بالثورة المضادة ، والدخول من جديد في حالة العنف والعنف المضاد مع استثمار خارجي لذلك الصراع للعودة بسورية إلى المربع الأول ما قبل إنجاز التحرير ، في حروب داخلية جديدة ، كانت الحروب السابقة قد أنهكت الشعب السوري وذاق الأمرين من نتائجها ..

إن نجاح الثورة ونجاح السلطة الجديدة لا يمكن أن يتم إلا بتمتين الجبهة الداخلية ، وفتح المشاركة الواسعة عبر إشراك الخبرات والكفاءات السورية الكثيرة ، والعمل على ضبط الأوضاع الداخلية بما يحقق الأمن والأمان الذي هو المفتاح لجلب رؤوس الأموال السورية البشرية والمادية ، وجلب الاستثمارات الكبرى الى سورية وهو ما يتطلب إعادة النظر في نصوص الإعلان الدستوري من أجل المشاركة الحقيقة للسوريين وإدماجهم في إعادة إعمار بلدهم وبنائها وفق خطط اقتصادية مدروسة بعناية على طرق نهوضها ، وإعادة سورية كدولة لها حضورها وتأثيرها بين الدول .

ينتظر السوريون في هذه الأيام  الإعلان عن الحكومة المؤقتة الانتقالية وفق أحكام الإعلان الدستوري ، خاصة بعد أن أكد الرئيس الشرع على أنها ستكون شاملة ومتنوعة وبأنها ستكون حكومة تكنوقراط تضم الكفاءات السورية .. وهم يتساءلون : هل بإمكان هذه الحكومة العتيدة بكفاءاتها – كما تم الحديث عنها – ستكون قادرة على إنجاز ما هو مطلوب منها ؟؟ وهل التعينات السابقة على إعلان الوزارة المزمع إطلاق أسمائها ستتأثر بتعيينات أغلب الإدارات والمؤسسات وفي جميع المحافظات وتؤدي إلى كبح عمل أي دور فاعل لتلك الوزارات

خاصة في ظل ضعف وحدة السلطة ؟؟ وهل قراراتها أيضاً ستكون غير قابلة للنفاذ في ظل أطراف داخل السلطة وعبر المؤسسات المختلفة التي ستضع العصي في العجلات بامتناعهاعن تنفيذ القرارات التي تراها لا تتجاوب مع رؤيتها ومواقفها .. سؤال برسم الايام القادمة .. مع تمنيات كل الشعب السوري بأن تكون هذه الحكومة فاتحة خير على سورية سواء في بناء الدولة في الداخل أو في إعطاء مؤشرات إيجابية للخارج يفتح الباب برفع العقوبات التي أرهقت الشعب السوري لعقد من الزمان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى