
شهدنا البارحة البيان التأسيسي لتحالف المواطنة السورية المتساوية (تماسك)، من العديد من التيارات تظلل نفسها بعباءة الوطنية. وإطارها فصل الدين عن الحياة وعن الدولة.
ابتداء لا يمكننا أن نقول عن المبدأ بأنه مبدأ، أو عن الفكر بأنه فكر، إلا في حال امتلاكه الإجابة على أسئلة الإنسان والكون والحياة، ولو كانت الإجابة قد جانبت الصواب. والعلمانية صاحبة أيديولوجية، ومواجهتها تكون بالحوار الموضوعي البنَّاء، وبمقارعة الحجَّة بالحجَّة، في إطار ما قرَّره القرآن الكريم، في قول الباري سبحانه: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
علينا أن نؤمن بالصراع الفكري، والفكرة الصائبة في ظل الحريات وغياب مقصِّ الرقيب، هي التي ستطفو على السطح ويُكتَب لها الانتشار. حتى ولو أخذت بعض الأحزاب شكل المعارضة واختارت الاصطفاف لجانبها، فلا تحفُّظ عليها البتَّة، لأن المعارضة السياسية النظيفة ذات الطابع الوطني، هي شكل من أشكال الدولة الحديثة.
أكتب هذا لأنني رأيت ردرد فعل وتقييمات لهذا التحالف على وسائل التواصل، لا تليق بالسوريين الأحرار، وبعضها مشحون بالشتائم والسباب.
إذن لا حرج في وجود أحزاب علمانية في مجتمعنا السوري، لكن بشروط موضوعية أجملها في التالي:
* أن يكون عملها وفكرها وأداؤها، بعيداً عن السريَّة وعن العنف.
* انتفاء ارتباطها بالأجنبي خارج الحدود.
* أن تمارس الشفافية والديموقراطية شكلاً ومضموناً.
* أن يكون تمويلها ذاتياً من أبنائها. بمعنى استبعاد المال السياسي.
* أن لا يكون لهذه التجمعات أو الحركات أو التيارات أو المؤسسات أو الهيئات أو المنظمات، ولاء سابق للنظام البائد.
من الملاحظ أن الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، التي تأسست في 9 مارس 2011م، في دمشق، مشاركة في تحالف “تماسك”، علماً بأنها ائتلاف يضمّ الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الإرادة الشعبية. وأستفيض بالإشارة هنا إلى الحزب القومي الاجتماعي السوري، الذي تمَّ حلُّه على يد قيادتنا الرشيدة بتاريخ 29 يناير 2025م. فهو وعلى مدى سنوات الثمانينات، تحول إلى أكثر الحركات السياسية في لبنان وسوريا ولاء وتبعية للنظام السوري وأجهزته المخابراتية. وفي أحيان كثيرة برهن عن فعالية تضاهي فعالية البعثيين، حتى داخل سوريا. وقد كوفئ على ولائه بالسماح له بالنشاط العلني وإن لم يكن قانونياً. وكان حافظ الأسد يتبنى أكثر مفردات قاموس إيديولوجية الحزب، وكانت الخلفية الفكرية للحزب من شأنها أن تعزِّز إيديولوجية النظام و”شرعيته” السياسية. والتي تقوم إيديولوجيته، أعني الحزب القومي الاجتماعي السوري، على العداء لليسار وللعروبة وللإسلام، ومن هنا فقد وجد بيئة حاضنة في أوساط المسيحيين الأرثوذكس والدروز والعلويين والإسماعليين، وهؤلاء كانوا أكثر التصاقاً بالنظام البائد من الأكثرية السنّية التي يسلط عليها الأسد قمعاً مستمراً لإبقائها خاضعة ومستكينة. وبالطبع أنا لا أقول هنا بالتعميم، فقد وُجِدَ في هذه الأوساط، معارضون وطنيون أحرار ضد الحكم الشمولي المغلَّف برداء البعث، لكنهم قلَّة! ومنذ البدايات الأولى للثورة السورية الثانية سنة 2011م، تبين ضعف حزب البعث وتشرذمه فيما كان الحزب القومي، رغم أقلويته العددية ومحدودية انتشاره، جاهزاً ومستنفراً ومخلصاً للدفاع عن النظام. وهذا التناغم بين الحزب المؤدلج والنظام القمعي، ظهر بحماسة القوميين في حمل السلاح ومحاربة الثورة. وطوال سنوات، اضمحل الحزب السوري القومي الاجتماعي وذاب داخل شبكة أجهزة بشار الأسد، كميليشيات أو عصابات شبيحة يمولها ابن العائلة القومية، رامي مخلوف. والغريب الآن تحالف بعض التيارات مع هذا الحزب النشاز! ومن هنا فلا ينبغي لأعضاء من هذا الحزب القومي، أن يشاركوا في العمل السياسي من وراء ستار، وهذا تضليل سافرٌ ومشينٌ!
ومن المشاركين أيضاً في تحالف “تماسك”، مجلس سوريا الديمقراطية، وهذا المجلس اعتبارًا من 31 يناير 2018م، تم تسجيل مركزه في الولايات المتحدة الأميركية، باعتباره حزبًا سياسيًا أجنبيًا، بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، وعيِّن محمود المسلط رئيساً للمجلس في الولايات المتحدة!
ومن الأحزاب المشاركة في “تماسك” أيضاً، حزب الإرادة الشعبية، الذي وقَّع مذكرة تفاهم مع مجلس سوريا الديمقراطية في موسكو، يسعى من خلال هذه المذكرة إلى بناء توافق بين الأطراف المحلية، مدعوماً بدور سياسي يعكس تفاهمات دولية بين القوى الكبرى مثل أميركا وروسيا. وعلى هذا الحزب الآن، أن يفصِح عن طبيعة علاقته بروسيا، ويثبت ولائه للوطن الأم سوريا.
ومن حيث العموم، فمن الملاحظ أن أغلب التيارات المشاركة، من ذات الخلفية اليسارية، حتى أن القيادي السابق في حزب العمل الشيوعي فاتح جاموس، يمثل تيارين في هذا التحالف، وهما تجمع سوريا الديموقراطي، وتيار طريق التغيير السلمي!
كما تجدر الإشارة إلى أن البيان الأول التأسيسي للتحالف، قد أشار إلى العمل بروح القرار الأممي 2254، مع أنه أصبح من الماضي، وقد انتهى منذ الثامن من ديسمبر 2024م. وهذا يدعو للغرابة، ويضع حول التعويل عليه إشارة استفهام؟!
وختاماً السؤال المشروع الآن، هل لهذا التحالف مستقبل على الأرض السورية، وأزعم في الجواب عليه، أنه في حال تمَّ العمل بالشروط أعلاه، فيمكن أن يكون له نشاط على الأرض، ولكن يبقى محدوداً بسبب طبيعة غالبية الشعب السوري، الذي يميل إلى المحافظة أو إلى التدين الجليِّ، والله أعلم. وفي جميع الأحوال نأمل لسوريا أن تحيا حرَّة كريمة أبيَّة، وندعو الله أن يهيأ لها أيادٍ نظيفةٍ تعتني ببنائها لبِنَةً لبِنَةً، وأن يكون دأب واهتمام الجميع هو العمل والإخلاص لوطننا الرحب ذي الفسيفساء الجميل، بعيداً عن المشاريع المشبوهة والأغراض الشخصية والفئوية، وكذا عن المصالح الآنيَّة الضيِّقة.
المصدر: صفحة الدكتور مخلص الصيادي
الثالث والعشرين من شهري رمضان وآذار لعامي 1446/2025
قراءة موضوعية لإعلان #تحالف_المواطنة_السورية_المتساوية “تماسك” تحالف جمع العديد من القوى المحلية والأحزاب من النظام السابق ذات أجندات خاصة، وكان الدور الأكبر للإدارة الذاتية لتكريس أجندتها بـ “الفيدرالية” وحقوق الأقليات ، إنه تحالف بأجندة لاوطنية.