
الفكرة المستمدة من المجتمع وليس من الكتب أن المتدين هو شخص محافظ على واجباته الدينية محب للخير والفضيلة وبعيد عن الشر والرذيلة .
ذلك هو أصل التدين من وجهة نظر المجتمع , أما الإضافات فهي تأتي غالبا من المذاهب والتفسيرات ورجال الدين .
لنأت للتعصب , فالتعصب حالة مستقلة بذاتها , فالمتعصب قد يكون متعصبا لدين , وقد تكون عصبيته قبلية أو عنصرية أو حزبية والمتعصب لايحب تحكيم العقل ولا يحب الحوار مع الآخر , وليس لديه ألوان سوى الأبيض والأسود , والعصبية هي بوابة العنف والحروب وسفك الدماء . وهي تترافق عادة مع الكراهية والحقد وازدراء القيم الإنسانية العليا .
لكن مشكلة التعصب أنه وإن كان في جوهره حالة مستقلة لكنه لايستطيع الحياة بدون راية , راية دينية أو وطنية أو حزبية أو غيرها .
بخلاف التدين القادر على الحياة مكتفيا بنفسه .
يمكن النظر للطائفية كتعصب في الأصل , وهو تعصب تختلط فيه المشاعر القبلية بالمشاعر الدينية .
تعرف الطائفية نفسها بدلالة الآخر فهي تتشكل من خلال تاريخية العلاقة بين الطائفة وطائفة أخرى وبخلاف الفكرة الشائعة فليس المهم هو الخلاف حول المعتقد في فهم الطائفية لذاتها بل المهم كيف تكونت العلاقة التاريخية مع الآخر , وهي علاقة متغيرة يعاد انتاجها باستمرار .
وفي هذا السياق يصبح مقدار التسامح الذي تبديه الطائفة الأخرى أو الرفض لوجودها هو محرك العلاقة المتغيرة وبالتالي هو طائفية الطائفة الذي يحدد مدى التعصب الذي تحمله معها .
فقانون الطائفة الأول هو المحافظة على الوجود, وتهديد ذلك الوجود هو الذي يعين درجة تعصبها وشعورها نحو الآخر .
والطائفية منذ أن تولد تصبح المعطى الأول للفرد , ولايشعر الفرد بالذنب مهما فعل كمثل شعوره بالذنب حين يصبح خارج الطائفة .
وهو شعور لايستطيع مقاومته بالفطرة , فتراه بعد أن يبتعد عنه يعود اليه كما يعود الطير إلى وطنه مهاجرا المسافات البعيدة .
في العلاقة الجدلية مع الآخر , تصبح الطائفية خزان الذكريات التاريخية , فهي التي تتولى استعادة صور آلام الماضي ومعاركه وتحول تلك الذكريات لحالة نفسية لاشعورية لاتحتاج للتفكير الواعي , ولا ينفع معها مثل ذلك التفكير في الغالب .
يعيد التعصب الديني شبح الماضي , فيخرج المشاعر الدفينة , والمخاوف الكامنة , فالتعصب المقابل لايحي الطائفية فقط ولكنه يعيد انتاجها وربما يزيد من تعصبها وانغلاقها .
لايمكن أن تتحلل الطائفية بين ليلة وضحاها , فهي ستبقى لمرحلة تاريخية , لكن ماهو ممكن وضروري نزع الجانب الأخطر فيها وهو التعصب ضد الآخر .
لكن نزع التعصب لايمكن أن يكون متاحا في ظل تعصب مقابل , فالمسألة هنا تعود لتطرح نفسها على صعيد المجتمع متعدد الطوائف كيف يتم نزع التعصب من المجتمع .
صحيح أن الوطنية تقدم نفسها كجسر للعبور نحو نزع التعصب بل إن تدينا معتدلا متسامحا يمكن أن يخفض التعصب لكن مالم يتم إبعاد العنف تماما في حقل السياسة , فيمكن أن يدمر ذلك العنف كل الجسور بين الطوائف ويعيد تسيد الطائفية لتصبح ” الطائفة فوق الجميع “
فالمدخل لايمكن أن يكون سوى بنزع العنف كسلاح تستخدمه الطوائف ضد بعضها , ومواجهة موجات التعصب , وتحكيم العقل ومصلحة بقاء المجتمع الذي لايمكن أن يبقى على قيد الحياة دون أن تصمت البنادق .