
كما كل إعلام في العالم، يتابع الإعلام الروسي الموالي للكرملين الأحداث التي تدور في الساحل السوري، ويكاد يجمع بأنها بداية لأحداث كبرى في سوريا، بما فيها عودة الحرب الأهلية.
موقع Lenta الإلكتروني الروسي واسع الانتشار، عنون نصه عن الأحداث في 8 الجاري بالقول “المسيحيون والمسلمون الشيعة يثورون ضد السلطات السورية الجديدة. لقد جاؤوا إلى القاعدة العسكرية الروسية طلباً لحمايتهم من الإبادة الجماعية”. وأرفقه بعنوان ثانوي “السلطات السورية ترتكب مجازر بحق العلويين والمسيحيين في شرق وجنوب سوريا”.
وكالة نوفوستي الرسمية عنونت نصها في 7 الجاري بالقول “خبير يصف أحداث اللاذقية بأنها بداية صراع أكثر خطورة في سوريا”.
كبرى صحف الأعمال الروسية vedomosti تساءلت في عنوان نص نشرته في 10 الجاري “هل تؤدي الانتفاضة السورية إلى مزيد من إراقة الدماء؟” التهديد الذي تتعرض له الأقليات العرقية والدينية يجعل تجدد الحرب الأهلية أمراً ممكناً.
طرحت “المدن” عدة أسئلة على عدد من الخبراء الروس والأوكران بشؤون الشرق الأوسط ، وكانت ردودهم المختصرة كالتالي.
خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC والمستشرق Kirill Semenov قال إنه من الصعب تحديد من ساعد المجموعات المحلية في ما أقدمت عليه في الساحل السوري. لكنه أشار إلى مجموعات من العراق شاركت المجموعات المحلية في تنفيذ مخططها. وينفي الخبير أي علاقة لروسيا بالأحداث، بل يرى أن المجموعات المحلية تلك استهدفت روسيا أيضاَ، وكانت تسعى لتخريب الحوار بين موسكو ودمشق. ويرى أن مستقبل سوريا محزن، وما أقدمت عليه السلطة من مجازر في ردها على مجازر المجموعات المحلية سيلقى ردود فعل شاجبة في العالم، ولن تستطيع دمشق بعد هذا أن تأمل برفع العقوبات عنها.
في رده على السؤال بشأن من يقف وراء أحداث الساحل السوري، قال Igor Subbotin، المتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة NG الاتحادية الروسية إن من الصعب تحديد المستفيد الفعلي من الصدامات في الساحل السوري. ويعتقد أن عدداً من العوامل تضافرت هنا: نشاط المجموعات المحلية المعارضة للحكومة الانتقالية في دمشق، عدم السيطرة على المجموعات القريبة من هذه الحكومة، يضاف إليها حملة تحريض واضحة من قبل تلك القوى التي فقدت نفوذها في سوريا مع انهيارنظام الأسد. ويأتي هذا العنف نتيجة تضافر مجموعة من الظروف التي نشأت عن الصدامات المستمرة بين الحكومة الانتقالية ومعارضيها.
وإلى أين يمكن أن تقود سوريا هذه الأحداث، وهل تتجدد الحرب الأهلية؟ لا يعتقد Subbotin أن الحرب الأهلية يمكن أن تتجدد، “فالتقاتل قد أرهق السوريين، وهذا واضح للعيان”. لكنه يرى أن من المتوقع جداً أن يتعزز ميل بعض المناطق للتمسك بحقها في الحكم الذاتي وسواه من الحقوق الخاصة، وهذا ينطبق على شمال شرق سوريا وجنوبها.
وعن إمكانية أن تمد إسرائيل يد المساعدة من الجو للعلويين كما يفترض خبراء روس آخرون، قال الخبير إنه لا يعتقد أن لإسرائيل مصلحة في دعم العلويين بالذات. لكن حكومة نتنياهو قد ترى في الأحداث الجارية فرصة جيدة لتكثيف نشاطها في المنطقة العازلة وما وراءها. وتشكل المذبحة على الساحل السوري دعماً لدعوة إسرائيل لحماية الأقليات السورية، التي أعلنت عنها القيادة الإسرائيلية هذا العام.
وعن شبهة دور روسي في الأحداث، طالما أن مفتعلي الشغب في الساحل السوري يصفون أنفسهم “أنصار الأسد”، والأسد لاجئ في موسكو، قال الخبير إنه ليس من المؤكد بأن معارضي الحكومة الانتقالية الذين ارتكبوا المجزرة في الساحل مرتبطون بالأسد. وقد تكون هذه القوى معارضة للأسد والشرع معاً. ويبدو أنهم رأوا الفرصة سانحة الآن بعد أن بدأت دمشق في بناء جيشها الخاص، وحاولوا القيام “بشيء ما” للسيطرة على المنطقة الساحلية وفصلها عن الجسم السوري. وعندما رفضت بعض المناطق قبول خطة هذه المجموعات تعرضت للهجوم. وفي مطلق الأحوال، ليس للأحداث الجارية تأثير يذكر على الجانب الروسي.
في ردها على السؤال الأول حول من يقف وراء ما حدث في الساحل السوري، رأت الصحافية الروسية المستقلة Yulia Yuzik أن تركيا تقف وراء الأحداث. وإذا فتحنا “الصندوق الجيوسياسي الأسود” قد نعثر فيه على دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وغيرها. ومن الواضح أننا سنعثر على اللاعب الاخر في الصراع السوري: إسرائيل. وهي تحاول فرض سيطرتها على الدروز والأكراد والأراضي الواقعة جنوب دمشق. وتدور أحاديث في إسرائيل عن إنشاء كونفدرالية إسرائيلية مع الدروز والأكراد الذين يعيشون في سوريا.
وإلى أين يمكن أن تودي بسوريا هذه الأحداث، رأت الصحافية أنها ستؤدي إلى تقسيم سوريا وخلق بؤرة توتر إقليمي هناك، يحمل تهديداً لإيران وتطهير الساحة السورية من روسيا كلاعب جدي سابق.
وعن احتمال مساعدة إسرائيل للعلويين من الجو، قالت Yuzik بأنها لا تأخذ على محمل الجد الحديث عن مساعدة إسرائيل للعلويين. لكنها تستدرك وتقول إن ذلك يمكن أن يتم فقط كجزء من اتفاق مع روسيا، “لمرة واحدة وبشكل استعراضي”. وترى أن المذبحة السورية اليوم تلعب لصالح إسرائيل، التي تستغل الأعمال الدموية السابقة لهيئة تحرير الشام لتطرح وضع الدروز والأكراد تحت حمايتها العسكرية.
وعن شبهة دور روسي في الأحداث، ترى الصحافية أن روسيا تبدو خاسرة في سوريا، وهو ما يأخذه الكرملين على محمل الجد. لكن يبرز سؤال هنا: ماذا لو كان الكرملين قد ضحى بسوريا مقابل شيئ ما في إطار اتفاقيات سرية، وكان هذا “الشيء ما” أوكرانيا بالذات، التي تعني بالنسبة لبوتين أكثر من أي شيء آخر.
المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط في كييف Igor Semivolos، وفي رده على السؤال من يقف وراء الأحداث، قال إن من يقف وراء الأحداث في اللاذقية إيران وحزب الله وبقايا الموالين للأسد، الذين احتفظوا بقسم من الوحدات العسكرية وقياداتها. ويبقى الدور الروسي برأيه غير واضح، لكنه يفترض وجوده على مستوى تنسيق الجهود بين طهران وموسكو، حيث هذه الصلة واضحة للعيان.
يرى الخبير الأوكراني ستة أهداف لهذا “التمرد: 1) محاولة سلخ اللاذقية عن سوريا؛ 2) إثارة ردود فعل عنيفة من جانب السنة، وتدمير جهود الشرع في تحقيق الاستقرار في البلاد؛ 3)؛ خلق انقسامات في صفوف قوات الأمن السورية ومنع تشكيل قوات مسلحة موحدة؛ 4) تعزيز النزعات الانفصالية بين الأكراد والدروز والعلويين؛ 5) خلق الظروف الملائمة للحفاظ على القواعد العسكرية الروسية؛ 6) تأمين ممر لإمدادات الأسلحة الإيرانية لحزب الله في لبنان.
ونجاح هذا السيناريو كان يفترض أن يفضي إلى تدخل خارجي في سوريا يلعب الدور الرئيسي فيه الإيرانيون والروس. وقد يبدو الأمر غير قابل للتصديق تقريبًا في ضوء الوضع الحالي اليوم، ولكن مثل هذا الخيار يمكن اعتباره بمثابة مكافأة. كما أن لإسرائيل مصلحتها في زعزعة الاستقرار السوري.
وإلى أين يمكن أن تودي بسوريا أحداث الساحل، قال الخبير إن خطر تجدد الحرب الأهلية يتزايد بالفعل، لكنه ليس حتمياً. فالكثير يعتمد على تصرفات الحكومة، وهي “على ما نرى”، تصرفات موزونة بشكل عام وفي وقتها المناسب. وتشهد على ذلك التصريحات الأخيرة لأحمد الشرع، وتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي جرت، مكونة من محامين مستقلين عن السلطات.
وبشأن احتمال مساعدة إسرائيل للعلويين، لا يراه وارداً الآن. أما في ما يتعلق بالخطاب الإسرائيلي، فيشير الخبير إلى تأجيج الكراهية الدينية في الإعلام الإسرائيلي. وأقصى ما يمكن أن تقوم به إسرائيل على الأرض، يقتصر على جنوب سوريا في منطقتي القنيطرة وحرمون.
المصدر: المدن