
من المهم التأكيد قبل كل شيء أن الخطة التي طرحها ترمب غير واضحة المعالم، وقد تحدث ترمب نفسه عن أكثر من شيء مختلف، ففي بعض المرات تحدث عن امتلاك غزة كأرض للاستثمار السياحي وتارة تحدث عن تهجير لقسم من سكان قطاع غزة.
ومع أنه يمكن طرح جملة من الدوافع لهذه الخطة التي طرحها ترمب لكن الذي لا يمكن الجدل حوله هو الذهاب نحو اجتراح خطط وأفكار خارج الصندوق وتتجاوز الأعراف والقواعد سواء لإيجاد مداخل لتفكيك المشهد والتحكم به أو لعدم وجود شيء منطقي يمكن طرحه إذ يشير طرح مثل هذه الخطة أن ترمب والولايات المتحدة لا يملكون حلولا منطقية لإنهاء الصراع في فلسطين وبالتالي يتم اللجوء إلى خطط غير منطقية وغير واقعية.
من الأوصاف الأخرى التي يمكن وصف خطة ترمب بها إضافة إلى عدم وضوح المعالم وعدم التكامل هو التعارض مع أمور كثيرة، ومرة أخرى تتعارض خطط ترمب لتهجير سكان قطاع غزة مع القانون الدولي وتتعارض مع تاريخ السياسة الأميركية المعلن على الأقل ومع حل الدولتين، وتتعارض كذلك مع ما طرحه ترمب سابقا في صفقة القرن، كما أن خطة ترمب تتعارض مع خطط ترمب الحالية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم والتي روج لها في حملته الانتخابية.
تفاجأت الأطراف الإسرائيلية، من اليمين المتطرف والمعارضة، أن ترمب أكثر يمينية منهم حتى من نتنياهو.
إن الصفة الأهم لما يطرحه ترمب سواء أسميناه خطة أم أفكار متبعثرة هي القدرة على تفجير الواقع الأمني الحالي في المنطقة، وبغض النظر عن كون ترمب جاهلا بتفاصيل القضية الفلسطينية أم لا فإن الطرح الذي يطرحه ترمب يعمل على تجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وينهي فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الـ 1967 وهذه تعتبر سابقة من رئيس أميركي، وبالتالي تكمن أحد مخاطر هذه الصفقة في تعميق الصراع في فلسطين وزيادة التوتر في قضية مركزية تمس كل العالم الإسلامي.
بالنسبة لتوقيت التصريح جاء هذا التصريح من قبل ترمب، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ وتعرض سردية اليمين الإسرائيلي إلى ضربة كبيرة حيث لم تتحقق أي من أهداف إسرائيل خلال 15 شهرا من الحرب المدمرة على غزة في حين تحققت أهداف المقاومة الفلسطينية وهي انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، عودة النازحين إلى بيوتهم، ودخول المساعدات وإنجاز صفقة تبادل للأسرى. وعلى إثر إعلان وقف إطلاق النار في غزة أعلن وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير استقالته من حكومة نتنياهو، كما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة في حال تم الانتقال من المرحلة الأولى للتفاوض إلى المرحلة الثانية.
في هذا السياق بدا أن الائتلاف الحكومي لنتنياهو وخاصة الجناح اليميني في أسوأ أوضاعه، كما أن أنصار هذا الائتلاف اعتبروا أن اتفاق وقف إطلاق النار هو هزيمة كبيرة لاسرائيل، ولذلك كان أكثر الأطراف استفادة من تصريحات ترمب بخصوص خطة تهجير الفلسطينيين من غزة هو اليمين الإسرائيلي. مع أن معظم الأطراف في إسرائيل حتى الأسماء المعارضة مثل يائير لابيد وغانتس وافيجدور ليبرمان رحبوا بتصريحات ترمب. وهو ما يدل أن السياسة الإسرائيلية اتجهت نحو اليمين بشكل كبير. لقد تفاجؤوا أن ترمب أكثر يمينية منهم حتى من نتنياهو. لم يتحدث نتنياهو علنا عن تهجير كل سكان قطاع غزة، كما أن اليمين الإسرائيلي كان يتحدث عن خطط لتهجير سكان شمالي قطاع غزة فقط. إن تشجيع ترمب لليمين الصهيوني يشجع هذه الفئات على التفكير في تطبيق كل مخططاتها في كل المنطقة وهو ما يهدد الأمن الإقليمي كله.
يستمر ترمب في سياسات منحازة لدولة الاحتلال ولكنها أكثر ذاتية وشخصية وشعبوية وفوضوية وعنصرية واعتمادية على التهديدات بدلا من الواقعية والمنطقية والعقلانية.
إن خطة ترمب لا تتوقف على غزة فهي تشمل تهجير سكان الضفة الغربية أيضا، وقد أعلن ترمب أن مصر والأردن ودولا أخرى ستستقبل الفلسطينيين. لا يدرك ترمب خطورة هذا التغيير الديمغرافي الإجباري على السياسة في المنطقة وبالتالي من المهم الإشارة أن مصر والأردن لن تقبل الصيغة التي يتحدث بها ترمب عن التهجير لأنها تعتبر ذلك تهديدا لها وربما تعتبر نفسها الهدف التالي لإسرائيل.
إن الخطورة في خطة ترمب هي أنها تجمع مجموعة من العوامل السيئة مثل انتهاك القانون وتشجيع العربدة، وتهديد الأمن الإقليمي وابتزاز دول المنطقة، والبعد عن المنطقية والواقعية والأخلاق وكل هذا يشكل تهديدا للاستقرار العالمي والإقليمي وليس فقط لغزة أو القضية الفلسطينية.
يستمر ترمب في سياسات منحازة لدولة الاحتلال ولكنها أكثر ذاتية وشخصية وشعبوية وفوضوية وعنصرية واعتمادية على التهديدات بدلا من الواقعية والمنطقية والعقلانية. إن سياسات ترمب قابلة للتغيير مع أول اصطدام واقعي بالحقائق والجيد فيها أنها يمكن أن تجعل المنطقة تكتشف إمكاناتها وقوتها وفي نفس الوقت هشاشتها لتتمكن من تشخيص صحيح وإعادة تموضع بين الأمم.
المصدر: تلفزيون سوريا