سورية الجديدة بين البوابة العربية والإسلامية

أحمد مظهر سعدو

ضمن انشغالات الإدارة الجديدة في سوريا، برئاسة السيد أحمد الشرع الرئيس السوري، كان الولوج الجدي عبر بوابتين إقليميتين مهمتين نحو الخارج، ولعل البوابة العربية من مدخل الرياض، كانت الأولى من منطلق أن إعادة الاعتبار لدور سوريا العربي مسألة غاية في الأهمية، وتدفع بالضرورة نحو إعادة تأسيس الموقع الاستراتيجي الأهم لسوريا المستقبل.

وهو ما حلم به الشعب السوري، بعد أن سبق وعمل نظام الفاشيست الأسدي ومنذ بداية خطفه للوطن السوري في  16 تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1970، على الخروج من المحور العربي تكويعاً آخر كان تتويجه أواخر سبعينيات القرن الفائت نحو إيران ومحورها، بعد سيطرة آية الله الخميني على جغرافية إيران السياسية، إيران الأكثر خطورة على العرب والمحيط الإقليمي.

لكن اليوم وبعد أن تم كنس الاحتلال الإيراني والأسدي، من الجغرافيا السورية، كان لا بد من إعادة القطار السوري إلى سكته الحقيقية والتاريخية، أي انتماء السوريين إلى مشروع عربي جامع يُفترض أن يبني نفسه، في مواجهة الخطرين الكبيرين على الأمة، وهما المشروع الفارسي الإيراني الطائفي المتمدد، وكذلك المشروع الصهيوني الاحتلالي الذي يماثل الأول في خطورته، على وجود العرب والمسلمين بكليتهم في المنطقة.

هذا الترحيب الذي حظيت به سوريا الجديدة، من بعض دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية، وأيضاً دولة قطر، كان لا بد من أن يتم فتح الباب العربي أمام الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع من بوابة الرياض..

ولعل توجه الشرع اليوم نحو المملكة العربية السعودية كبوابة أساسية ومدخلاً مهماً نحو العرب والجامعة العربية، سوف يؤسس لعلاقات قوية تساعد في انتشال سوريا من مستنقع الدولة الفاشلة، التي وضعها به نظام بشار الأسد المخلوع، ويسهم من ثم في قيامة جديدة لسوريا وعلى أسس مختلفة.

كل ذلك يأتي متسارعاً بعد إزاحة نظام الاستبداد الأسدي عن كاهل دمشق، ومن ثم كنس الوجود الاحتلالي الإيراني من الجغرافيا السورية، ثم كل هذا الترحيب الذي حظيت به سوريا الجديدة من بعض دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية، وأيضاً دولة قطر، كان لا بد من أن يتم فتح الباب العربي أمام الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع من بوابة الرياض، أولاً استناداً إلى عدة محددات وأبعاد يمكن أن يتم الولوج منها وعبرها إلى الساحات العربية. نذكر منها:

  • المملكة العربية السعودية تعتبر أن ماجرى في دمشق في 8 ديسمبر 2024 كان هزيمة نكراء للمحور الإيراني وإعادة تموضع جديدة للدولة السورية انتقالاً من محور إيران نحو المحور العربي المناهض للأطماع الإيرانية في المنطقة العربية.
  • الدور الإقليمي والعالمي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية يمكن أن يفيد سوريا الجديدة واقعياً، في العمل على رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ أيام بشار الأسد، وبالتالي فإن العمل على التقليل منها أو إنهائها، لا بد أن يكون من خلال دولة إقليمية عربية بحجم المملكة العربية السعودية.
  • الملاذ الحقيقي لدمشق كان ومازال تاريخياً هو العرب والعروبة وليس أي محور آخر، ومن ثم فإن العودة السورية إلى العرب وجامعة الدول العربية باتت ضرورة عاجلة لإعادة الدور الحقيقي لسوريا، كما كان قبل استلام آل الأسد الحكم في سوريا عام 1970.
  • من الأبعاد الأخرى التي حملتها زيارة الشرع للسعودية هو الحاجة الكبرى إلى مساعدات للسوريين على كل المستويات حيث لن يكون بإمكان أحد تلبيتها كما يمكن أن تفعل إمكانات السعودية بعد أن ترك نظام بشار الأسد سوريا بلا اقتصاد ولا خزينة ولا تنمية، حتى قيل إن سوريا قد وصلت إلى حالة الدولة الفاشلة واقعًا ملموساً وليس تنظيراً.
  • لابد من القول أيضاً أن العودة السورية إلى العالم العربي برحابته ومشاريعه المندمجة عربياً لايمكن أن تكون بعيداً عن المدخل السعودي لما للمملكة العربية السعودية من أدوار غاية في الأهمية تسهم في أن تضع سوريا في سكة القطار العربي وليس خارج مسار القطار والتنمية العربية.
  • لا ننسى الدور السعودي عبر العلاقة القوية مع الأميركان التي يمكنها أن تضغط باتجاه خروج إسرائيل من الأراضي السورية التي أعادت احتلالها دولة الكيان الصهيوني في الجولان السوري والمنطقة العازلة وفقاً لاتفاق فض الاشتباك الموقع بين سوريا وإسرائيل عام 1974.

أما الولوج الثاني والمهم أيضاً فكان عبر البوابة الإقليمية والإسلامية المهمة نحو العالم الإسلامي، وعبر الاتكاء على دولة تركيا، والانجدال ضمن مصالح غاية في الأهمية تسهم كذلك في نقل سوريا من حالة الفوضى إلى حالة الدولة المدنية المتطورة، ويمكن إدراح العلاقة /الضرورة مع تركيا بالنسبة للسوريين وفق الآتي:

  • أهمية بناء الاقتصاد السوري والتبادل التجاري بين الدولتين حيث يطمح الجانبان إلى الوصول إلى حافة الـ 10 مليارات دولار خلال عام 2025.
  • إعادة البناء للدولة السورية ضمن خاصية التقانة والتكنولوجيا التي تحتاجها سوريا اليوم وعبر الاعتماد على التقنيات الحديثة المتطورة التي وصلت إليها الدولة التركية اليوم.
  • الأمن والعسكرتاريا التي باتت ضرورة لبناء الجيش السوري الجديد، بعد انهيار مؤسسة الجيش السوري، إبان حالة فرار نظام بشار الأسد، ولعل الدولة التركية ستكون الأقدر جغرافياً على تلبية الاحتياجات العسكرية السورية الضرورية.
  • كذلك المساعدة في كنس بقايا الإرهاب في البادية السورية، وأيضاً ضمن وبين ظهراني تنظيم “قسد” وأعني بذلك تنظيم الـ(PKK/ ب ك ك) الإرهابي، والضغط على “قسد” نحو إعادة تموضعها وطنياً ضمن المؤسسة العسكرية السورية.
  • أهمية التوافق على آليات جديدة لإعادة الإعمار والمساهمة التركية في ذلك في مستقبل الأيام، إلى جانب المساعدة في حماية سوريا من الخطر الصهيوني والتمدد الإسرائيلي في الجولان السوري والمنطقة العازلة، باعتبار أن تركيا تعتبر من الأعضاء المهمين في حلف الناتو.

يمكن القول: إنّ السياسات الخارجية للرئاسة الجديدة في سوريا، وعبر تشبيك العلاقة التي تقوم على الاحترام المتبادل مع الإقليم، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة قطر وكذلك تركيا، من الممكن أن يسهم جداً في أن تقف الدولة السورية على أرجلها، وتنتج حالة جديدة من حالات بناء الدولة الوطنية السورية.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى