ثقوب الصفقة ومصيدة نتنياهو: تشكيك إسرائيلي بإنجاز المرحلة “أ من اتفاق غزة

ليس التشكيك الإسرائيلي بإنجاز صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار جديداً؛ مع ذلك، فصّل مسؤول أمني إسرائيلي مطّلع على الصفقة، وعلى ما يدور في المحادثات الرسمية لاستكمال تطبيق المرحلة الثانية، المعوّقات التي تعترض حتّى إنجاز المرحلة الأولى.

المسؤول الأمني، الذي نقلت أقواله صحيفة “يديعوت أحرونوت” عبر محلل الشؤون الاستخبارية فيها، رونين بيرغمان، ربط عرقلة إتمام الصفقة بـ”إخفاء كافة تفاصيل الأخيرة عن الجمهور”، وهو ما يجعل بحسبه “إنجاز المرحلة الأولى من الصفقة مشكوكاً فيه”. وكما قال “عندما تفهم حماس أنه لا يوجد مرحلة ثانية، فلن يتبقى دافع لاستكمال المرحلة الأولى أساساً، وبالتأكيد ليس للتوصل لليوم الـ42”.

بيرغمان المعروف بعلاقته الوثيقة بمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، نقل عن المسؤول ذاته قوله إن “نتنياهو تنصل من قضايا عدّة كان مستحيلاً أن يوافق عليها وفي مقدمتها الانسحاب من محوري نتساريم وفيلادلفي”. ومع ذلك، فإن “القرارات في المرحلة الثانية ستكون مصيرية أكثر ومخالفة تماماً لما تعهدت الحكومة به”. واستدل على ذلك بما شهده الأسبوع الماضي الذي بحسبه “كشف لنا إلى أي مدى الصفقة هشة وبإمكان كل طرف فيها اتهام الآخر بانتهاكها”.

المحادثات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق مفترض أن تبدأ في يوم الاثنين المقبل، بعد إتمام 16 يوماً من المرحلة الأولى. وما تقدم يأتي متداخلاً مع “صورة وضع مقلقه” استعرضها المسؤول؛ حيث تستوجب المرحلة الثانية الاتفاق على قضايا سياسية بالأخص “لن يكون نتنياهو مستعداً للتوقيع عليها حتّى لو كان معنياً بذلك”.

في المقابل، ثمة مسؤولون في إسرائيل وخصوصاً في الدائرة المحيطة بوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يعتقدون أن “الأمور تسير على ما يرام”. وبحسب هؤلاء، فإن المرحلة الثانية ستكون في الحقيقة “جزءاً من مسار تاريخي شامل سيتضمن التطبيع مع السعودية، وإدخال قوات دوليّة إلى قطاع غزة، وهي قوات مفترض ألا تسمح لحماس بالعودة للحكم؛ إذ من المفترض أن تتيح إشراك لاعبين إضافيين سيموّلون إعادة إعمار القطاع وغيره من المسائل”.

هذه الصفقة الكُبرى، بحسب الصحيفة، والتي تشمل “اتفاقيات أبراهام”، تُناقش في المنتديات السياسية الدوليّة المختلفة، وستكون كذلك محط نقاش نتنياهو والرئيس الأميركي العائد حديثاً للبيت الأبيض، دونالد ترامب، لدى لقائهما في 4 فبراير/شباط المقبل.

مع ذلك، فإن المسؤول الأمني، يعتبر أن ما تقدم “محض كلام”، مشيراً إلى أنه “في الواقع، النقاشات حول هذه المسائل ليست جزءاً من مُركبات المرحلة الثانية، كما حددتها الأطراف مسبقاً”. وتقاطع ما سبق مع كلام مسؤول عسكري إسرائيلي نقلت عنه الصحيفة قوله إن “حماس تعود للسيطرة على القطاع.. وربما ثمة أطراف في حماس الخارج، تعتقد أنه ينبغي قبول ترتيب دولي كهذا، ولكن من الصعب جداً تخيّل قبول من يقود حماس في غزة إدخال مسؤولين غربيين إلى القطاع فهذا يهدد هيمنتهم”.

وطبقاً للصحيفة، فإنّ الحكومة الإسرائيلية “تخفي عن الجمهور حقيقة ما الذي سيحصل في المرحلة الثانية”. وعلى الرغم من أنّ هذا الجمهور “يدرك تماماً ماهية سياسات الأطراف الراعية للاتفاق، وكذلك حماس، فإن قرار الحكومة المعلن يتضمن بنوداً عدّة، غير أن هذه الأخيرة هي المعروفة فحسب وتتعلق بالعناوين المريحة للحكومة على المستوى السياسي”.

إخفاء الحقائق عن الجمهور الإسرائيلي، يأتي مدعوماً بمظلة توفّرها المنظومة القضائية للحكومة؛ غير أنه في أعقاب تحقيق كشفته الصحيفة ذاتها في اليوم السابع من الصفقة، تقدّمت جهات عدّة بينها عائلات محتجزين لدى حماس، وحركة “حراس الديمقراطية الإسرائيلية”، بطلب الكشف عن تفاصيل الصفقة. وعدّت الصحيفة أن مواصلة تغطية المحكمة العليا للحكومة بعد الاستئنافات سيكون “محط اهتمام”؛ في إشارة إلى أن هذه التغطية تأتي دليلا على “خطورة” بنود الصفقة التي تحاول الحكومة إخفاءها عن الجمهور.

مخاطر بطبقات متعددة

في غضون ذلك، أوردت “يديعوت أحرونوت” نقاطاً عديدة، خلصت إليها إثر مقابلات مع مصادر إسرائيلية ومسؤولين رفيعين في الدول الوسطية، اعتبرتها بمثابة عراقيل أمام إنجاز الصفقة. بينها أن الخطر الأول يكمن في انهيار المرحلة الأولى؛ فبحسب الاتفاق تبدأ المحادثات حول المرحلة الثانية في اليوم 16 وتنتهي في اليوم الـ35، وإتمام المرحلة الأولى عملياً مرهون بالتزام الأطراف بالعمل على إتمام المحادثات التي تهدف للتوصل لصفقة دائمة.

مسارٌ كهذا “يبدو مريحاً لنتنياهو”، كما زعمت الصحيفة، مفترضةً أنه “قد لا يكون كذلك بالنسبة لحماس”. وعلى هذه الخلفية، اعتبرت أنّه “قد تتنصل الحركة في حالة عدم التقدم في مباحثات المرحلة الثانية، ثم تجد مبررات لانتهاك الاتفاق بضمن ذلك التمنع عن إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من المحتجزين الإسرائيليين المفترض إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى”.

حماس من جهتها، “تتابع بشكل وثيق” ما يجري في الساحة السياسية الإسرائيلية؛ إذ استدلت الصحيفة بالرسالة التي وجهتها الحركة السبت الماضي، باللغة العبرية، لعائلات المحتجزين ونقلت عبرها تصريحات مفصّلة لوزراء اليمين المعارضين للصفقة، والمؤيدين لاستئناف الحرب، محذرة من “انفجار المفاوضات وما يشكله ذلك من خطر على حياة من تبقى من المحتجزين الأحياء”.

أمّا الخطر الثاني، فيكمن في أن الحكومة لا تفصل بالضبط ما الذي تتضمنه المرحلتان الثانية والثالثة. فالاتفاق الكامل موقع باعتباره إطاراً فحسب يُحدد أن “المرحلة الثانية حددت تهدئة دائمة (وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم)، والبدء في تنفيذها قبل تبادل الأسرى بين الطرفين- كل الأسرى الإسرائيليين المتبقين بضمنهم الرجال الأحياء (مدنيين أو جنوداً) في المقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال وانسحاب كامل لقوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة”.

وفي هذا الإطار، ينطوي البند الأول بحد ذاته على “صعوبة ضمنية كبيرة”، فالأطراف توافق على أن شرط بدء المرحلة الثانية هو إعلان إنهاء الحرب فعلياً، وهذا قبل تبادل من تبقى من الأسرى، وقبل أي شيء آخر.

أمّا الخطورة الثالثة فتكمن، وفق الصحيفة، في الاتفاق نفسه باعتباره غير مكتملٍ. فالأخير “معقد ومتعدد المخاطر وفرض على الأطراف بناء لاعتبارات نتنياهو السياسية”. وبعدما أوضح الأخير أنه لن يكون مستعداً للمضي قدماً إلا في حال تضمن الاتفاق مرحلة انسانية لا تشمل وقف الحرب كلياً ومراحل إضافية يمكن له أن يقول لشركائه في الحكومة إنه لا نيّة لديه لتطبيقها.

وحقيقة أنه لم تُحدد بعد مفاتيح إطلاق سراح الأسرى تُعقد الوضع أكثر في المرحلة الثانية؛ حيث ستطلق حماس سراح من تعتبرهم جنوداً، أي رجال دون سن الـ50، والجنود بنظر إسرائيل هم أولئك الذين كانوا في الخدمة العسكرية ساعة وقوع الحرب. وهؤلاء “ثمنهم كبير جداً”. أضف إلى ذلك أن حق الفيتو الذي امتلكته إسرائيل في المرحلة الأولى على أسماء الاسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم، غير وارد في الصفقة، وثمة شكوك ما إذا كانت حماس ستوافق على ذلك أساساً.

الأمر الآخر الذي يُعقد المفاوضات، بحسب الصحيفة، هو تعنت اسرائيل نفسها؛ فالمفاوضات في المرحلة الثانية لن يكون عنوانها المفاتيح فحسب وإنما الترتيبات الأمنية، وإعادة إعمار غزة، ونزع سلاح حماس، ونقطة المراقة في محور فيلادلفي… وبالنسبة لهذا الأخير، فإن انسحاب إسرائيل كلياً منه يشكل بحسب الصحيفة نقطة الخطورة الرابعة. وعلى الرغم من أن نتنياهو عد محور فيلادلفي بمثابة “مدماك الأمن القومي الإسرائيلي”، فإن ما فعله هذه المرّة كان نقيض ذلك كلياً، وينطبق ما تقدم على محور “نتساريم” وآلية التفتيش.

الواقع عملياً مغاير تماماً عما تعهد به نتنياهو. فقد وعدَ مراراً وتكراراً في اجتماعات مع “منتدى البطولة” و”منتدى الأمل” في اغسطس/آب الماضي، بأن “إسرائيل لن تخرج، بأي حال، من محور فيلادلفي وممر نتساريم على الرغم من الضغوط المتعاظمة”. وفي المقابل أصر هو وشركاؤه على فحص جميع العائدين إلى شمال قطاع غزة. وفي نهاية المطاف، انسحبت إسرائيل من “نتساريم”، وتنازلت عن فحص جميع العائدين مكتفية بفحص القلة القليلة التي عادت في سياراتها. وأساسا تُشكك أجهزة الأمن الإسرائيلية في جدوى آلية التفتيش هذه، ونجاعتها.

فقط في يوم الخميس الماضي، ادعى المتحدث باسم نتنياهو، عومر دوستري، أن “رئيس الحكومة لا يتراجع عن أي مطلب ورد في مبادئ مسودة 27 مايو، وبضمن ذلك البقاء في محور فلادلفي وإقامة منظومة لتفتيش المركبات في نتساريم”. وهو بالمناسبة ما لم يتحقق أيضاً.

الانسحاب من محور فيلادلفي، والذي من المفترض أن يُنجز في اليوم الـ50 للاتفاق، سيكون تحدياً كبيراً لنتنياهو بعد كل تصريحاته حول الاهمية الاستراتيجية لهذا المحور. وفق الصحيفة “بإمكان نتنياهو التنصل من الاتفاق باتهام حماس بانتهاكه، وقد يوافق ويسمح باستكمال المفاوضات، غير أن ذلك من شأنه أن يعرض حكومته ومستقبلها للخطر”.

إلى ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن الخطر الخامس، يتمثل في المشاهد الآتية من غزة. فكما سبق وأن حذر كثر، رفضت الحكومة الإسرائيلية إدارة مفاوضات بشأن “اليوم التالي”، كما رفضت إشراك السلطة الفلسطينية في الحكم، وهو ما سينتهي عملياً إما بحكم عسكري إسرائيلي في القطاع، أو بعودة حماس لحكم الأخير. وبينما تجري الأمور كما هو مخطط لها، “سيخلص كُثر إلى أن الصفقة عملياً هي من جرّدت إسرائيل من النصر المطلق”، وفق الصحيفة.

أمّا الضغوط من جانب الجناح اليميني المتشدد فمن شأنها أن تصعب الموقف أكثر وفق الصحيفة. وما تقدّم ينضم إلى إطلاق سراح الأسيرات ضمن المشهدية التي صدّرتها حماس، وهي “تبيّن أنه في الواقع ليس ثمة خطر داهم على حياة من تبقوا في الأسر. على الرغم من أنّهم عايشوا ظروفاً قاسية جداً خلال فترة احتجازهم”.

المصدر:العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى