الدائرة تضيق على نتنياهو

محمود الريماوي

بعدما انتهت اللعبة وخرج لاعبو الفريقين ومعهم الحَكَم، عاد أفراد أحد الفريقين، بأمرٍ من مديرهم، إلى الملعب، وسدّدوا نحو المرمى الفارغ للفريق الثاني، وزعموا أنهم سجلوا أهدافاً. … هذا هو حال حكومة الاحتلال بعدما أبدى كل من المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين موافقتهم، مساء الأربعاء 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، على المسودة النهائية للاتفاق، وبعدما أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، التوصل الى صيغة اتفاق، فإذا برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يرجئ، في اليوم التالي، الخميس، اجتماعا مقرّراً لحكومته للمصادقة على الاتفاق، فيما خرج المتحدث باسم هذه الحكومة ديفيد مينسر للقول إنه لا وجود حاليا لأي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة، وزعم أن حركة حماس أدخلت تغييرات في الدقيقة الأخيرة سعياً إلى صفقة أفضل، وأضاف إلى ذلك قوله إن “إسرائيل ستحافظ على وجودها في محور فيلادلفي (صلاح الدين)”.

 نتنياهو يسعى إلى الانقلاب على الاتفاق، بعد التنصّل منه، وإشاعة ادّعاءات أن حركة حماس أدخلت تغييرات على الاتفاق في الدقيقة الأخيرة

ومن الواضح هنا أن نتنياهو يسعى إلى الانقلاب على الاتفاق، بعد التنصّل منه، وإشاعة ادّعاءات أن حركة حماس أدخلت تغييرات على الاتفاق في الدقيقة الأخيرة، وهو ادّعاء يثير العجب، فهل في وسع أحد الفريقين إدخال تعديلات من جانبه من دون علم الفريق الآخر وموافقته، ومن دون علم الوسطاء وموافقتهم؟ وهل كانت “حماس” تفاوض نفسها مثلاً؟ يكشف واقع الأمر أن نتنياهو هو الذي يفاوض نفسه عبر التفاوض مع وزيريه إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ولم تكن الغارات الإسرائيلية الوحشية التي تعرّض لها قطاع غزّة، وأودت بعشرات الضحايا، عقب الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق، سوى تأكيد جديد على أن خيار نتنياهو ووزرائه المتطرفين لا يعدو كونه الخوض إلى ما لا نهاية في دماء الأبرياء، وتعريض الأسرى الإسرائيليين للخطر، وقد جرى بالفعل استهداف مكان احتجاز أسيرة، ولم تُعلم على التو نتيجة هذا الاستهداف، وذلك لضمان إدامة تماسك حكومته ونيل رضى الوزراء الأشد تطرّفاً وإغرائهم بالبقاء في الحكومة. فيما بدأت تتسرّب الأنباء عن ألاعيب نتنياهو، فقد كشف موقع “العربي الجديد” عن محاولة نتنياهو، في الدقائق الأخيرة، فرض تسعة أسماء من الأسرى الإسرائيليين المصابين إلى القائمة المتفق عليها، في محاولة لعرقلة الصفقة. ونُقل لـ”العربي الجديد”، عن مصدر مطلع، قوله إن سبب الأزمة هو رغبة لدى نتنياهو في الدقائق الأخيرة بفرض بعض الأسماء إلى القائمة. وقد وافقت حركة حماس، حسب المصدر، على طلب نتنياهو، بشرط أن يقابله إدراج أسماء رموز من الأسرى الفلسطينيين في المرحلة الأولى. ومن بين من طالبت “حماس” بإدراجهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، إضافة إلى ألف أسير مدني من غزّة”. وفي المحصلة، ترك نتنياهو متعمّداً، عبر تعليماته إلى فريقه التفاوضي، ثغرة في الاتفاق، بغرض عرقلة إتمامه، أو لانتزاع مكاسب في اللحظات الأخيرة، غير أن الجديد، هذه المرّة، أن الإدارتين في واشنطن عازمتان بقوة على إنجاح الاتفاق. ويعتزم الرئيس جو بايدن إنهاء ولايته بتحقيق إنجاز، لعله يخفّف من أثر ضلوع إدارته في حرب الإبادة. وها هو وزيره أنتوني بلينكن ينتقد، الخميس، في مؤتمر صحافي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب أفعاله التي قال “إنها قوّضت جهود السلام وعرقلتها لأكثر من سنة”، وهو الذي كان يردّد طوال العام الماضي إن “حماس” هي التي تقوم بالعرقلة.

كما دان الوزير “فشل الحكومة الإسرائيلية في تلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة في غزّة”، مشددا على “حجم المعاناة الشديدة للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك النزوح الواسع النطاق والجوع والخسائر في الأرواح”. ومضى إلى أبعد من ذلك بالتنديد وبحدّة بالسياسات الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية، مشيراً إلى تسارع غير مسبوق في التوسّع الاستيطاني وعمليات ضم الأراضي في عهد نتنياهو، كما انتقد تسامح الحكومة الإسرائيلية مع تصاعد هجمات المستوطنين المتطرّفين على الفلسطينيين.

يُفترض بالوسطاء، وبالذات الوسيط الأميركي، منع نتنياهو من التنصل والاستدارة إلى الوراء

أما الرئيس المنتخب دونالد ترامب فقد أعلن صراحة أن إدارة بايدن لم تفعل شيئاً للتوصل إلى الاتفاق “حتى تدخلنا وغيّرنا مسار المفاوضات بسرعة”. وكان مبعوث ترامب ستيفن ويتكوف قد هدّد نتنياهو وجهاً لوجه بأنه يجب التوصل إلى اتفاق “وإلا ستكون للأمر تداعيات”. وفي هذه الأثناء، تتزايد نسبة التأييد للاتفاق ساعة بعد ساعة في صفوف الجمهور الإسرائيلي، وكان لافتا أن حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو قد شنّ هجوما على الوزير بن غفير، على خلفية تهديداته المستمرّة بالخروج من الحكومة في حال التوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، نتنياهو عازمٌ، كما يبدو، على ممارسة مزيد من الألاعيب والابتزاز، وربما ارتكاب مزيدٍ من المجازر، حتى ظهيرة الأحد، الموعد المحدّد لسريان وقف إطلاق النار، ويُفترض بالوسطاء، وبالذات الوسيط الاميركي، منعه من التنصل والاستدارة إلى الوراء، بعدما حقق لنفسه هدفاً وهمياً في مرمى “حماس” بالادّعاء أنه لا اتفاق حالياً.

وعدا ما تقدّم، ومع تكاثف الفرص لإنجاز اتفاق ملزم يجري تنفيذه على مرحلتين أو ثلاث، وكل مرحلة تستغرق 42 يوماً، ومع ما يرد في الفقرات الأخيرة من الاتفاق عن إعادة إعمار قطاع غزّة، فإن من أوجب واجبات الأطراف الفلسطينية مطالبة من شنّوا هذه الحرب الوحشية، من غذّوها بالسلاح والمال والجهد الاستخباري (واشنطن ولندن وبرلين)، أن يتحمّلوا معاً كُلفة إعادة بناء ما هدمته هذه الحرب الغاشمة، وأن لا يتنصّلوا من هذه المسؤولية بإلقائها على كاهل أطراف عربية وإقليمية ودولية، فقد أجمعت هيئات قضائية وحقوقية دولية على إدانة حكومة الاحتلال وجيشها، فيما اقترفته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بلا عدد. وتحميل المسؤولية للأطراف الضالعة بهذه الحرب لا يتعاكس، بل يلتقي، مع الجهد الواجب بذله لضمان محاكمة كبار مجرمي الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفي مقدّمهم نتنياهو، والوزير يوآف غالانت.

 

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى