قرّرت الإدارة الجديدة في سورية بعد مرور شهر على استلامها مقاليد الأمور في البلاد، تأجيل عقد مؤتمر الحوار السوري الوطني الذي كانت أعلنت عزمها الدعوة إليه، للتباحث حول أفضل الآليات السياسية لإدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، والتوصل إلى تفاهمات تخص مستقبل البلاد. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال أسعد الشيباني، أول من أمس، إنه سيتم التريث في تنظيم مؤتمر الحوار السوري الوطني، حتى يتسنى تشكيل لجنة تحضيرية موسعة تستوعب التمثيل الشامل لسورية من كل الشرائح والمحافظات. وأضاف الشيباني خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمّان: “قررنا التريث بعقد المؤتمر الوطني حتى يتسنى تشكيل لجنة تحضيرية موسعة للمؤتمر تستوعب التمثيل الشامل لسورية من كافة الشرائح والمحافظات”، مضيفاً أن هذه اللجنة التحضيرية “ستكون حجر أساس في إنشاء الهوية السياسية لسورية المستقبل”. ولفت إلى أن الإدارة الجديدة ببلاده “تنظر للتنوع في سورية على أنه مصدر قوة لبناء دولة موحدة وليس على أنه مشكلة”.
وكانت الإدارة الجديدة في سورية، قد تحدثت بعد أيام من استلامها السلطة في البلاد (8 ديسمبر/كانون الأول الماضي) عن نيّتها الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني تُدعى إليه أكثر من ألف شخصية للتباحث حول أفضل الآليات لإدارة البلاد وخصوصاً في المرحلة الانتقالية والتي من المفترض أن تدخلها سورية مطلع مارس/آذار المقبل. وكانت المعلومات قد تحدثت عن إمكانية لعقد المؤتمر بحلول منتصف شهر يناير/كانون الثاني الحالي.
أحمد العسراوي: اقتصار الدعوات للأفراد غير إيجابي في حال حدوثه
معضلات تواجه مؤتمر الحوار السوري
ويبدو أن المعضلات الكثيرة التي تعاني منها سورية بعد 54 عاماً من حكم عائلة الأسد، وخصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والخدمي، تدفع الإدارة الجديدة إلى تأجيل عقد مؤتمر الحوار السوري الذي تدفع باتجاهه مختلف القوى السياسية في البلاد من أجل التشارك في وضع آليات إدارة سورية، وخصوصاً خلال المرحلة الانتقالية. وأوضح مؤيد غزلان، وهو المنسق للمؤتمر المزمع عقده، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الهدف وراء التريّث في عقد مؤتمر الحوار السوري “توسيع طيف المشاركة بعد تقييم الملاحظات من المكونات السورية في الداخل والخارج”. كما أوضح أنه “خلال أيام سيُعلن عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر”، مضيفاً أن اللجنة “ستضم كفاءات تنظيمية متنوعة تستطيع التواصل مع كل المحافظات والمناطق والشخصيات”.
كما أوضح أن اللجنة “تحدد أسماء المشاركين في المؤتمر”، مستدركاً بقوله “إن المعايير ستوضع من مجموعة متكاملة أكبر”. وحول طبيعة المشاركين في المؤتمر، قال غزلان إنهم “أفراد ومنظمات مجتمع مدني، وممثلون عن بعض الأحزاب بصفة فردية”. وقد أعلن الائتلاف الوطني السوري الذي كان يعتبر نفسه العنوان السياسي لقوى الثورة والمعارضة السورية قبل سقوط الأسد، أنه يرفض مبدأ المشاركة الفردية في المؤتمر، وأنه يريد حضور المؤتمر بوصفه مؤسسة. ولكن المعطيات المتوافرة تؤكد أن الإدارة الجديدة بصدد توجيه الدعوات لأفراد من تيارات سياسية مختلفة ولمستقلين ولممثلين من المحافظات السورية كافة.
دعوات “الأفراد” تثير القلق
وأصبحت مسألة عقد مؤتمر الحوار السوري في أقرب الآجال، الشغل الشاغل لمختلف القوى السياسية في البلاد، التي تريد أن تكون جزءاً من المشهد السياسي المستقبلي في سورية والمشاركة في كتابة دستور جامع وتوافقي يحدّد شكل ومضمون النظام السياسي المقبل للبلاد. وتشهد دمشق منذ سقوط نظام الأسد، حراكاً سياسياً محموماً وجلسات حوار تضم مختلف القوى السياسية للتدارس حول النظام السياسي المقبل للبلاد. ولا تخفي هذه القوى مخاوفها من تهميشها من قبل الإدارة الجديدة. وبحسب هذه القوى، لم تفتح الإدارة الجديدة قنوات اتصال معها للتباحث في مختلف القضايا الملحّة، وهو ما يفتح الباب أمام مخاوف جدّية من محاولات تمييع مسألة مؤتمر الحوار السوري الوطني الجامع الذي تأمل هذه القوى في عقده والخروج برؤية توافقية حول الحكومة الانتقالية في البلاد.
يحيى العريضي: المسألة ليست تجميعاً أو تجمعاً مهرجانياً أو فولكلورياً، بل عملية تأسيسية
وفي هذا الصدد، أشار أحمد العسراوي، وهو قيادي في “هيئة التنسيق الوطنية” التي تضم أحزاباً عدة وكان يُنظر إليها على أنها تمثل معارضة الداخل قبل سقوط الأسد، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الإدارة الجديدة “لم تخط الخطوة الأولى تجاه عقد المؤتمر بعد”، مضيفاً أنها “إن كانت تتريث، فهو قرار صائب، لأن عقد المؤتمر يستوجب الكثير من التحضيرات التي لم نرها بعد”. واعتبر العسراوي اقتصار الدعوات إلى المؤتمر للأفراد “غير إيجابي في حال حدوثه”، مضيفاً أنه وفق معلوماته، لم يُدع أحد حتى اللحظة بشكل رسمي.
وقد ارتفعت أصوات في الآونة الأخيرة ترى أن عقد المؤتمر ليس أمراً ملحاً في الوقت الراهن في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في سورية، حيث لا تزال الإدارة الجديدة في طور شنّ حملات تمشيط في أغلب المناطق من أجل تحييد فلول النظام السابق من عسكريين وأمنيين يهددون الاستقرار. ورأى الأكاديمي السوري يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التريث في عقد مؤتمر الحوار السوري “ليس محاولة لتمييع الحدث”، معتبراً أن “التوقيت السابق (5 يناير/كانون الثاني الحالي) لم يكن عملياً، ومن هنا أتى التريث إثر الإطلالة على الواقع وتعقيداته وتحدياته وخصوصاً لنواحي الإعداد والتحضير للمؤتمر”.
واعتبر العريضي تأجيل عقد المؤتمر من قبل الإدارة الجديدة في سورية “جِدّيةً وإحساساً بالمسؤولية الكبيرة، عندما تكون الأهداف بنّاءة وفاعلة، وتخاطب بنية المجتمع السوري وتنوعه الغني، وحساسيته تجاه تحييده المتعمّد المديد عن الحياة السياسية في سورية”. وتابع: “المسألة ليست تجميعاً أو تجمعاً مهرجانياً أو فولكلورياً، بل عملية تأسيسية لبلد يرى شعبه أنه أمام تقرير شكل دولته الحرّة السيدة المدنية بحكم رشيد”. وفي السياق، رأى مهند دليقان، وهو الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية المنضوي في “جبهة التغيير والتحرير” التي كانت تُعرف بـ”منصة موسكو”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن قرار التأجيل “سليم، لأن المؤتمر الوطني هو محطة هامة باتجاه الدخول في المرحلة الانتقالية، وباتجاه بناء سورية الجديدة”.
وتابع: “التريث قد يكون إشارة إيجابية حول وجود رغبة في توسيع طيف المشاركين وفي توسيع التشاور حول آلية التحضير للمؤتمر، وذلك على الرغم من أن القوى السياسية حتى الآن لم تتلق دعوات مباشرة للتحضير والمشاركة ضمن حدود اطلاعنا”. وحول موقف حزبه من مسألة توجيه الدعوة إلى أفراد وليس إلى أحزاب وهيئات سياسية، قال دليقان: “عندما تأتينا الدعوة ندرسها ونحدّد موقفنا بناء على معرفة التفاصيل وآليات المشاركة”. وكان بدر جاموس، رئيس “هيئة التفاوض” التي كانت تضم منصات المعارضة السورية قبل سقوط نظام الأسد، أكد لـ”العربي الجديد” قبل أيام، أنه لم يتلق دعوة لحضور مؤتمر الحوار السوري المزمع عقده، مشيراً إلى “أننا نحتاج إلى مؤتمر وطني له أهداف، ويجب أن تكون هناك لجنة تحضيرية وأهداف واضحة ودعوات تمثل الجميع”.
المصدر: العربي الجديد