السوريون.. أمثولة مصرية

شادي لويس

في 15 يونيو/ حزيران العام 2013، جلس الرئيس المصري حينها، محمد مرسي، بين الشيخ علي أحمد السالوس رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح على يمينه، ووزير الأوقاف الشيخ طلعت عفيفي على يساره، وفي الخلفية كتب بخط كبير: مؤتمر الأمة المصرية لدعم الثورة السورية. وحمل المؤتمر الذي دعت له القوى الإسلامية في الصالة المغطاة باستاد القاهرة وبرعاية الرئيس نفسه، شعار “معاً حتى النصر”. تلى الخطبة التي استهلها مرسي بتكراره عبارة “لبيك يا سوريا”، دعوات إلى فتح باب الجهاد طرحها متحدثون لاحقون في المؤتمر. وساعتها، فسر ذلك على إنه مباركة ضمنية من الرئيس المصري لذهاب المصريين للمشاركة في القتال في سوريا. وظهر ذلك انتهاكاً من الرئيس لخطوط حمراء غير معلنة.

كانت خطبة مرسي متحفظة إلى حد كبير، تعد بالوقوف إلى جانب حق الشعب السوري في تقرير مصيره واختيار من يحكمه، داعياً المجلس الأمن إلى فرض حظر جوي فوق سوريا، وفي الوقت نفسه حض مواطنيه على أن يستوصوا خيراً بالعائلات السورية ومعاملتهم وكأنهم مصريين. وكانت الخطوة الفعلية الوحيدة التي اتخذتها الحكومة المصرية هو قطع العلاقات مع النظام السوري. إلا أن الصبغة الإسلامية التي طغت على المؤتمر، وعدد من الوجوه التي ظهرت فيه من الجهاديين السابقين والمدانين في قضايا عنف، جعل فعالياته أشبه باستعراض جهادي، القصد منه توجيه رسائل إلى الداخل أكثر منه متعلقاً بما يجري في سوريا البعيدة. ساعتها، كانت الأزمة السياسية في مصر في أوجها وحملة تجميع توقيعات حركة تمرد وصلت إلى ذروتها. وفي النصف الثاني من كلمة مرسي تحول إلى الحديث عن الوضع الداخلي، وأطلق عدة تهديدات ضد أنصار “النظام الفاسد”، وبدا وكأن القصد لم يكن إعلان الجهاد في سوريا كما ذهب البعض، بل التلويح بحمل السلاح في وجه الداخل في حال وصل الصدام المحلي إلى نقطة اللاعودة.

في نظر الكثيرين، شكل المؤتمر نذر النهاية لتجربة الديمقراطية قصيرة العمر في مصر بعد ثورة يناير، ولم يمر أسبوعان وكانت تظاهرات الثلاثين من يونيو تهدر في شوارع القاهرة والمدن المصرية، ممهدة الطريق لانقلاب الثالث من يوليو. بصورة ما، أصبحت سوريا مرآة لمصر أو العكس، أو صورة مقلوبة لما يمكن أن يحدث أو يخشى منه هنا أو هناك. بمعنى آخر، لم تكن سوريا في مؤتمر مرسى مكاناً حقيقياً بل أمثولة يتم القياس عليها أو هي مكان متخيل يمكن فيه تخطي الخطوط الحمراء وتصفية الحسابات المحلية، ولو رمزياً، مع القليل من استعراضات القوة الإسلامية.

وعلى القياس نفسه، وصبيحة الثالث من يوليو، ومع استهداف الأمن لأنصار الرئيس المخلوع مرسي، تم استهداف السوريين المقيمين في مصر. بالإضافة إلى الحملة الشرطية الواسعة التي أوقفت المئات من السوريين بشكل عشوائي، شرع الإعلام المصري في التحريض ضدهم. وبالفعل، تعرضت العائلات السورية لانتهاكات تراوحت من الطرد من محال أقامتهم وأماكن العمل إلى إيذائهم بدنياً. في هذا أيضاً لم يكن السوريين شخوصاً لهم انتماءات مختلفة وأوضاع قانونية متباينة، بل مجرد أمثولة أو فئة تصنيف يغلب عليها التجريد، تعكس في مرآة رهاب الأجانب كل مخاوف النظام الحاكم وعموم المصريين من العنف وانفلات الأمور. صار السوريون في كل مكان وصلوا إليه نوعاً من مثال شارح يوظف في الخطابات السياسية. ففي أوروبا بقوا لما يقرب من عقد صورة لـ”غزو” القوارب البرتقالية الآتية من البحر، المأساة الجديرة بالتعاطف من بعيد، ومصدر الخطر في آن معاً. تحت ظروف بعينها يغلفها الهول، تتحول شعوب بأكملها إلى ذكرى أو حلم أو كابوس أو حلية بلاغية. يتساوى في هذا السوريون مع الفلسطينيين.

ومع التطورات الأخيرة في سوريا تبدو خطبة مرسي الآتية من زمن آخر كنبوءة تحقق نصفها، فالنصر أصبح أمراً واقعاً لكنه لم يكن نصراً مشتركاً. وكما في السابق يعود النظام المصري لعقاب السوريين بالجملة، فارضاً قيوداً شاملة على دخولهم إلى مصر. فهذه المرة لا يعود السوريون تكثيفاً لكوابيس الاقتتال الأهلي والتمرد والفوضى فقط، بل أيضاً مثال حي على انهيار السلطة المفاجئ وانتصار قيم الحرية والكرامة ولو إلى حين.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى