تسلّلت قوات كوماندوس إسرائيلية، في جنح الليل، واعتقلت الفلسطيني خليل العارف من قرية عابدين في حوض اليرموك. وقبل أيام، كانت قوّة إسرائيلية قد وصلت إلى مشارف القرية، وطلبت حضور المختار والشيخ للتفاوض معهما على تسليم السلاح الذي حصل عليه أهل القرية من معسكرات جيش النظام السوري المحيطة بقريتهم، لكنّ الأهالي، نساءً ورجالاً وأطفالاً، تصدّوا لهم بالحجارة وطردوهم من القرية، وفي بلدة معرية (المجاورة) أطلقت قوّة عسكرية إسرائيلية، تتمركز غرب القرية، النار على المتظاهرين وأصابت أحد الأطفال.
تقع منطقة حوض اليرموك في نطاق منطقة تشكّل شريطاً حدودياً مع الجولان، تمتدّ مسافة 80 كيلومتراً، وتدخل في إطارها أجزاء من ريفي درعا الغربي والشمالي، وأجزاء من أرياف القنيطرة، وهي منطقة غنية بالمياه والينابيع والسدود التي تغذّي في أغلبها نهر اليرموك، وكان ينتشر فيها العديد من معسكرات الجيش السوري نظراً إلى ملاصقتها هضبة الجولان.
أسلحة النظام السوري الثقيلة بيد أهالي حوض اليرموك ذريعة لإسرائيل
تمتاز هذه المنطقة، وفي القلب منها حوض اليرموك، الذي يشكّل رأس زاوية بين وادي الرقاد ونهر اليرموك، وبين الجولان والأردن، بتركيبة سكّانية نادرة، ويبدو أنها تشكّلت في بدايات القرن الماضي، وربّما قبل ذلك أيضاً، حيث تسكن في المنطقة عائلات فلسطينية قدمت بعد النكبة عام 1948، وعائلات فلسطينية جاءت قبل النكبة، وحصلت على الجنسية السورية، ولا تزال تحتفظ بأسماء مناطقها مثل عوائل الجاعوني، الصفدي، الترعاني، النابلسي. وهناك عوائل أردنية قدمت في مرحلة مبكّرة من القرن الماضي: العبيدات من حرتا، والطوالبة من سحم الكفارات، وعائلات جزائرية يسميها أهل المنطقة “المغاربة”، الذين تعود أصولهم إلى مدينة سيدي عيسى في ولاية المسيلة، وقد جاؤوا مع عبد القادر الجزائري، بالإضافة إلى الهلالات (الهلاليين القادمين من تونس)، وثمّة عائلات مصرية كثيرة قدمت إلى المنطقة زمن حملة إبراهيم باشا، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من نازحي الجولان في قريتي صيدا والرفيد.
واجه نظام الأسد مقاومةً شرسةً من أبناء منطقة حوض اليرموك، وكانت أولى المناطق التي حُرّرت في حوران في وقت مبكّر من عام 2013، وطُرِدت جميع قوات النظام السابق وأجهزته، التي كانت تنتشر بكثافة في منطقة حوض اليرموك، ما سمح لأعداد كبيرة من أبناء حوران بالعبور منها إلى الأردن طلباً للجوء عبر اجتياز نهر اليرموك الفاصل بين الجهتَين. ولم يستطع نظام الأسد العودة إليها إلا بعد تدخّل روسيا، على أن تبقى الكتلة الثورية في المنطقة، وجرى في الأثناء تشكيل اللجنة المركزية لريف درعا الغربي التي قامت بدور ضابط الصراعات في المنطقة، والتفاوض مع أجهزة النظام، وهي ذاتها الجهة التي أشرفت على انسحاب قوات النظام من المنطقة في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2023، واستلام الأسلحة الثقيلة التي كانت في المعسكرات المنتشرة في المنطقة. وهذا السلاح، هو الذريعة التي تدفع إسرائيل إلى التحرّش بمنطقة حوض اليرموك، وإلى تهديد السكّان بتدمير قراهم وتهجيرهم، لكنّ سكّان المنطقة اتخذوا قرار البقاء وعدم مغادرة قراهم، ولتفعل إسرائيل ما تريد. وعلاوة على ذلك، استمرّ أهالي المنطقة بممارسة نشاطاتهم في الزراعة والرعي في الوديان الملاصقة للجولان.
يدرك أهالي المنطقة أن منطقتهم الخصبة والغنية بالمياه كانت (ولا تزال)، مطمعاً لإسرائيل، ومن ثمّ فإن خروجهم منها سيكون خبراً سارّاً لإسرائيل، التي تسعى إلى إعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية في المناطق المحيطة بها، وتقليل المخاطر المحتملة ضدّها، ولا سيّما بعد قرار زيادة الاستيطان في الجولان، كما أن منطقتهم تشكّل جزءاً من الفضاء الجيوسياسي، الذي تسعى إسرائيل إلى إقامته في إطار مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط، التي تنطوي على إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق القريبة من الأراضي المحتلّة.
اتفاق بين سكّان حوض اليرموك على تطوير مقاومتهم إذا استمرت إسرائيل في سياساتها أو بروز مؤشّرات إلى نياتها البقاء في المنطقة
لا ينتظر أهل المنطقة دعوات ملالي إيران إلى إطلاق مشروع مقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. بالأصل لم تكن هذه المنطقة صديقة لإيران، ولم تستطع اختراقها رغم محاولات عديدة قامت بها وبمساعدة أجهزة النظام، وظلّت منطقة حوض اليرموك عصيّةً على مليشيات إيران طوال سنوات سيطرة نظام الأسد على المنطقة. بوادر المقاومة التي بدأ يبديها أهالي المنطقة تنطلق من أسباب موضوعية، واستجابة لتحدٍّ يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، وإدراك سكّان المنطقة أنهم في عين الاستهداف الإسرائيلي، نظراً للمزايا الاستراتيجية لمنطقتهم في المنظور الإسرائيلي، وحسابات إسرائيل الجيوسياسية في عهد الحكومة المتطرّفة، التي باتت تقيّم سياساتها بقوّة طائراتها وقدرتها على تدمير المناطق المحيطة بالأراضي المحتلّة، مثلما فعلت في غزّة وجنوب لبنان.
أبلغت القوات الإسرائيلية سكّان المنطقة أن أيّ محاولة لاستهداف العناصر الإسرائيليين، سينتج عنها تدمير للمنطقة، وإنزال العقاب الجماعي بأهلها، من دون تمييز بين متّهم وبريء، في محاولة استباقية لإخضاع السكّان وردعهم عن أيّ محاولة للمقاومة، كما انسحبت قوّاتها من العديد من القرى في حوض اليرموك، وتمركزت في موقع الجزيرة غرب قرية معرية، مع التهديد بالعودة لاحتلال أيّ قرية تشكّ بوجود أسلحة فيها أو تحرّكات مشبوهة. ورغم أن سكّان المنطقة يواجهون وحيدين قوّة الاحتلال الإسرائيلي، من دون أي سند، وإدراكهم حجم القوّة التدميرية الإسرائيلية بعد ما شاهدوه في جنوب لبنان وغزة، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الاعتراض والتظاهر، وحتى مهاجمة القوات الإسرائيلية بالحجارة والعصي، كما أن هناك اتفاقا بين سكّان المنطقة على تطوير مقاومتهم في حال استمرار إسرائيل في سياساتها أو بروز مؤشّرات إلى نيات إسرائيل بالبقاء في المنطقة تمهيداً لضمّها إلى الجولان المحتلّ.
المصدر: العربي الجديد