انتشر مقطع مصور قديم لما قيل إنه إحراق لمقام الخصيبي في حلب
أعلنت إدارة العمليات العسكرية حظر التجوّل في حمص واللاذقية للصباح
الداخلية السورية: نحذر من الشائعات التي تسعى لزعزعة الاستقرار
أعلنت قيادة العمليات العسكرية في سورية، مساء اليوم الأربعاء، فرض حظر تجوّل في مدينة حمص وسط البلاد، واللاذقية على الساحل، عقب الاحتجاجات التي اندلعت اليوم في حمص وبعض المناطق في الساحل السوري، منها القرداحة وجبلة بريف اللاذقية، بعد انتشار مقطع مصور، لما قيل إنه إحراق لمقام أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، قرب ثكنة هنانو في حلب شمالي سورية، وهو من رموز الطائفة العلوية ومشايخها.
وتبيّن لاحقاً أنّ الفيديو قديم، ويعود لفترة المعارك التي دارت في مدينة حلب مطلع الشهر الحالي، فيما جرى تداوله اليوم، ما أثار الاحتجاجات التي رفعت شعارات ورايات طائفية.
ويظهر المقطع الذي جرى تداوله عناصر من المعارضة آنذاك وهم يدخلون ثكنة هنانو العسكرية في مدينة حلب، حيث يقع المقام إلى جانب الثكنة، مع وجود قتلى لقوات النظام داخل المكان واندلاع النيران، لكن دون تحديد ما إذا كان هذا هو مقام الخصيبي. ونادى المتظاهرون في حمص والساحل بحياة الخصيبي في تظاهراتهم، وكذلك هاجم بعضهم منازل المدنيين في مدينة حمص بإطلاق الرصاص، ما أدى إلى تدخل قوات الأمن العام التابعة لإدارة العمليات العسكرية، لتفض التظاهرة، وتطارد من أطلقوا النار.
وأعلنت إدارة العمليات العسكرية حظر التجوّل في مدينة حمص واللاذقية من الساعة السادسة مساء اليوم بالتوقيت المحلي، وحتى الثامنة صباح الخميس. وعقب انتشار أخبار إحراق الضريح، انتشر فيديو مصوّر يظهر فيه مقاتلون سوريون وهم يتفقدون الضريح، ويتوعّدون المعتدي عليه بالمحاسبة أمام القانون.
الاحتجاجات التي بدأها أبناء الطائفية العلوية أتت بعد ساعات من تصريحات لوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قال فيها إنّ “من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سورية عليهم التمهّل في الحكم، فالتطورات المستقبلية كثيرة”، الأمر الذي اعتبره متابعون توعّداً من قبل إيران، بعد انتهاء وجودها مع سقوط نظام حليفها المخلوع بشار الأسد.
ورداً على ذلك، حذّر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مساء أمس الثلاثاء، إيران من “بث الفوضى” في سورية، داعياً إياها إلى احترام إرادة الشعب وسيادة البلاد وسلامتها. وكتب الشيباني، عبر حسابه بمنصة إكس: “يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامتها”. وتابع: “نحذرهم من بث الفوضى في سورية، ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة”.
كذلك أصدرت وزارة الداخلية السورية، اليوم الأربعاء، بياناً حول ما جرى، مشيرة إلى أنّ المقاطع المتداولة لاقتحام مقام الشيخ الخصيبي قديمة، وتعود إلى فترة تحرير مدينة حلب، “حينما أقدمت مجموعات مجهولة على هذا العمل التخريبي”. وأوضحت أنّ “الهدف من إعادة نشر هذه المقاطع الآن هو إثارة الفتنة بين أبناء الشعب السوري في هذه المرحلة الحساسة”.
وأشارت الوزارة في البيان إلى أنّ “الأجهزة الأمنية تعمل ليل نهار لحماية الممتلكات العامة والخاصة، بما فيها المواقع الدينية التي تمثل إرثاً مشتركاً لجميع السوريين”، مشددة على أنها “لن تتهاون مع أي محاولة لزعزعة الاستقرار، وستواصل ملاحقة كل من يروج للشائعات أو يعبث بالسلم الأهلي، مع تقديمهم إلى العدالة لينالوا جزاءهم العادل”.
ووجهت وزارة الداخلية تحذيراً شديد اللهجة ضد نشر الشائعات أو تداول المقاطع التي تهدف إلى زرع الفتنة بين السوريين. وقالت: “نحذر من الشائعات التي تسعى لزعزعة الاستقرار والعبث بالسلم الأهلي”. ودعت جميع المواطنين إلى “التزام الهدوء والتعاون مع السلطات للحفاظ على السلم الأهلي، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد”.
من جهته قال وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال السورية محمد العمر في تصريحات لـ”تلفزيون سوريا”، إنّ “عهد التجاذبات الطائفية التي غذّاها النظام الأسدي الساقط انتهى”، مضيفاً أنّ “هناك أيادي خفيّة تسعى لإثارة الفتن الداخلية، وسيتم التعامل معها بحزم لضمان استقرار البلاد”.
وقال العمر إنّ “سورية عاشت لمئات السنين بتنوّع طوائفها وأعراقها، وهي اليوم أكثر قوة واستعداداً لترسيخ السلام والمحبة”، موضحاً أنّ “الحكومة تؤكد التزامها التام بحماية جميع المواقع الدينية والتاريخية وصونها من أي اعتداء باعتبارها إرثاً وطنياً وإنسانياً يجمع أبناء سورية بمختلف أطيافها”. وحذّر العمر كذلك “من حالات الثأر الفردي وعلى أصحاب الحق ممن تعرّضوا لظلم النظام السابق أن يلجأوا إلى القضاء لأخذ حقهم بالطريقة الشرعية”.
تعزيزات أمنية إلى حمص
وبدأت إدارة العمليات العسكرية والأمن العام عملية تمشيط في عدد من أحياء مدينة حمص بحثاً عن عناصر سابقين في جيش نظام الأسد وقواته الأمنية، أطلقوا النار بهدف ترويع المدنيين، واستهدفوا مجموعة من عناصر الأمن العام في منطقة شارع الحضارة ضمن المدينة. وأكد مصدر من إدارة العمليات العسكرية لـ”العربي الجديد” استعداد قواتها لمداهمة أحياء مدينة حمص التي تشهد انتشاراً لمسلحين أطلقوا النار على المدنيين وقوات الأمن مساء اليوم عقب تظاهرات جرت في كل من أحياء النزهة ووادي الذهب وعكرمة في مدينة حمص.
بدوره، قال الإعلامي أنور أبو الوليد، المنحدر من مدينة حمص، وهو شاهد عيان كان بالقرب مما يعرف سابقاً بـ”دوار الرئيس” في مدينة حمص، قرب جامعة حمص (جامعة البعث سابقاً)، لـ”العربي الجديد”: “كنت موجوداً في المنطقة التي بدأت فيها شرارة المشكلة، وعمليات التمشيط بدأت، وقوات كبيرة من الأمن العام وإدارة العمليات العسكرية وصلت إلى أكثر من محور. توجد في بداية شارع الحضارة وأحياء وادي الذهب وعكرمة، وهي الأحياء التي تحتوي على تجمع لعناصر في جيش نظام الأسد وضباطه”.
وأضاف أبو الوليد: “لم تحدث أي تجاوزات بحق سكان هذه الأحياء، ولم يتم تمشيطها سابقاً. لكن بسبب تخوف فلول النظام تمّ الترويج لهذه التحركات، حيث تداول بعضهم فيديو قديم عن حرق مقام الخصيبي. ورغم هذا الأمر، تجمعوا قرب الدوار الرئيسي وأطلقوا النار وهتفوا بشعارات طائفية. وتدخلت قوة من الأمن العام حينها، ليتم إطلاق النار عليها من قبلهم، وبعدها بدأت تعزيزات الأمن العام عقب فرض حظر تجوال في المدينة”.
من جانبه، قال المعتقل السياسي نصر داهود سعيد، وعضو مجلس وطني لإعلان دمشق عام 2007، وهو من أبناء الطائفة العلوية في سورية، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”: “يقود الفتنة في الوقت الحالي مشايخ الصف الرابع (بإشارة إلى مشايخ الطائفة العلوية) وهم كانوا مساعدين في الجيش والأمن وتحولوا إلى مشايخ”، مؤكداً أن “هؤلاء يجب ملاحقتهم”، لافتاً إلى أن الناس بدأت تشعر بالارتياح، خصوصاً مع نزول رواتب المتقاعدين، مضيفاً أن “مشايخ الصف الأول والثاني، لم يتدخلوا في هذه الفتنة، سواء في التوعية أو في وضع حد لها”. وكشف أنه تلقى تهديداً قبل أيام بسبب معارضته لنظام الأسد.
وكان الإعلامي المنحدر من مدينة حمص، أنس أبو عدنان، قد قال في حديثه لـ”العربي الجديد”: “رصدنا خلال التظاهرات شعارات طائفية ضمن تظاهرة حي النزهة في مدينة حمص، إضافة إلى وجود عناصر وضباط سابقين في جيش النظام، فضلاً عن عدم رفع أي من الأعلام السورية خلال التظاهرة”.
نبذة عن الخصيبي
يقع قبر الشيخ أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، المعروف أيضاً بالشيخ يبرق، في مدينة حلب السورية. يُعتبر الخصيبي من أبرز الشخصيات في التاريخ العلوي ومن مؤسسي المذهب النصيري. وُلد عام 260 هجري في جنبلاء، العراق، وانتقل إلى حلب عام 315 هجري، حيث استقر حتى وفاته عام 358 هجري. يقع مقامه بالقرب من ثكنة هنانو العسكرية في أطراف المدينة القديمة. وخلال فترة الحرب في سورية، تعرّض المقام لبعض الأضرار، إلا أنه بقي صامداً.
في عام 2018، مُوِّلَت أعمال ترميم وتوسعة للمقام، تكفّل بها العقيد في قوات النظام السوري سهيل الحسن، المعروف بـ”النمر”، و”هيئة مزارات آل البيت” المدعومة من إيران. يُعتبر المقام موقعاً ذا أهمية دينية وتاريخية، إذ يزوره العديد من أتباع الطائفة العلوية للتبرك، وخلال الحرب، زار جنود من جيش النظام السوري المقام.
المصدر: العربي الجديد