كثيرة هي السجون، سيئة السمعة، في العالم. أضخمها وأشنعها سجن صيدنايا لا سيما القسم الأحمر، الذي تعرّف عليه العالم مؤخرا، عقب انتصار الثورة السورية.
مع انتهاء تفريغه من المساجين، بعد بحث أسطوري في سراديبه وأبوابه المخفية وطبقاته السفلية، بات صيدنايا ملكا خالصا للإنسانية، ورمزا مجسدا للدكتاتوية الدموية… فوق الأرض السورية. ومن اليوم ينبغي استدرار الأفكار، المحلية والدولية، لتحويله “محمية عالمية” من أجل الإنسانية.
هو جدير بهذا الوصف أكثر من سجن الباستيل، الذي جعل الفرنسيون اقتحامه عام 1789عيدهم الوطني. خلال 400 عام من عمر هذا السجن ما استضاف إلا 6000 سجين، وهم أقل ممن دخل على صيدنايا في شهر واحد في العام الأول من الثورة، بينهم شخصيات أهم من مشاهير الباستيل.
وفضلا عن كونه سجنا ومكانا للتعذيب؛ هو محرقة لا تقل بشاعة عن محارق النازية. هناك قُتل اليهود وغيرهم، بالرصاص والغاز فورا ثم أُحرقوا، وفي سوريا قُتلوا ألف مرة قبل أن يُشنقوا ويكبسوا ويحرقوا.
في تل أبيب يُطلب من كبار زوار الكيان؛ الوقوف أمام نُصب المحرقة، وفي دمشق الحرة ينبغي أن يدخل كل زائر رفيع هذا “المَعلم”، برفقة دليل من نزلائه السابقين، بعد تجهيزه بوسائل الإيضاح الصوتية والبصرية، والرسوم والمجسمات، وعند المخرج يُسأل الزائر: هل علمت الآن لماذا ثار السوريون؟! وهل لقلمك أن يكتب في سجل الزائرين ما عانوه قبل أن يثوروا وبعدما طالبوا بالحرية؟.
لصيدنايا الرمز؛ ينبغي أن تُدعى المنظمات الحقوقية العالمية؛ لافتتاح مقرات لها في فنائه، وأن تتحول أقسام منه؛ قاعات ومدرجات لأجل عقد المؤتمرات الدولية، وأن ترسم فيه مسارات للمواطنين والسياح لأجل التعرف على عذابات السوريين وبشاعة نظامهم، وأن يُستضاف فيه الممثلون والمبدعون والمنتجون لينقلوا للعالم ممارسات أقذر الأنظمة التي خدعت بعضا من الناس باسم الوطن وقضايا الأمة العادلة.
القضية السورية كانت وما زالت اختبار الإنسانية الأول.