تناولت سارة نتنياهو العشاء مع دونالد ترامب، العائد إلى سدّة حكم البيت الأبيض، مسكوناً بالرغبة في الانتقام ممّن عطّلوا خطّته لشرق أوسطه الجديد، فخرج من العشاء ليتوعّد العرب والفلسطينيين بالجحيم، إذا لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزّة قبل تولّيه منصبه.
“إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير/ كانون الثاني 2025، وهو التاريخ الذي أتسلم فيه بفخر منصبي رئيساً للولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم لا مثيل له في الشرق الأوسط، وسيواجه المسؤولون عن هذه الفظائع ضد الإنسانية عقاباً شديداً”.
شدّد ترامب على أنّ المسؤولين “سيتعرّضون لضربة أشدّ مما تعرّض له أي شخص آخر في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الطويل والحافل”، مضيفاً باستخدام الأحرف الكبيرة تعبيراً عن الغضب والصراخ “أطلقوا سراح الرهائن الآن”.
كانت زوجة مجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية بنيامين نتنياهو قد جعلت عشاء ترامب أكثر سخونةً حين صبّت دموعاً، استحضرتها بمنتهى الحرفية، على مائدة الطعام والشراب بكاءً على “الأسرى الطيبين من جيشها الطيب وعائلاتهم”، فتأثّر ترامب واهتزّ البيت الأبيض بسكانه القدامى الذين يستعدون للإخلاء، فخرج المتحدّث باسم بايدن العجوز يقول إنّ “حركة حماس هي العقبة الرئيسية أمام التوصّل إلى اتفاق في غزّة”، و”نعمل مع قطر وتركيا ومصر من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة”. ثم أطلّ بايدن بنفسه ليعلن: “لن نتوقّف عن العمل لإعادة الرهائن المحتجزين في غزّة إلى عائلاتهم”.
على الفور، جرى استئناف ممارسة الضغط والحصار على “حماس” من الأطراف المعنية بالوساطة، حتى يُخيّل إليك أنّ موضوع أسرى الاحتلال لدى المقاومة بات قضية العرب المركزية، إلى الحدّ الذي أصبحت معه أطراف عربية تحاول إقناع الفلسطينيين بمنح إسرائيل ما تشاء من مساحاتٍ في قطاع غزّة.
على الجبهة الأخرى، تستخدم واشنطن اتفاق وقف إطلاق النار وسيلةً ناجحة لشلّ حركة لبنان سياسيّاً وعسكريّاً، بحيث يمضى الاحتلال الإسرائيلي في استكمال خططه، هذه المرّة مجّاناً من دون ثمنٍ تجبره على دفعه المقاومة اللبنانية، وإلا فإنها متّهمة، مع الدولة اللبنانية، بخرق الاتفاق، وهو ما يعرّضهما معاً للعقاب الصهيوني العاجل، على اعتبار أنّ زمن الردع ومعادلات القصف بالقصف والضرب بالضرب قد ولّى، بموجب الضمانات الأميركية الملحقة بالاتفاق، والتي هي الأهم في ما جرى، وتمنح الاحتلال حرّية التصرف داخل لبنان، في وقتٍ يُعدّ تصرف لبنان داخل أراضيه مدرجاً ضمن الخروقات.
الحاصل فعليّاً أنّ إسرائيل باتت تسلك وكأنها المالك الحصري لمنطقة الشرق الأوسط، والمتحكّم فيه سياسيّاً واقتصاديّاً، وعلى دول المنطقة أن تعي ذلك وتلتزم به، أو فلتغادر الجغرافيا وتشطب نفسها من الإقليم، ومن يتمرّد على هذه الوضعية الجديدة فسوف يعاقَب، إذ يشدّد الخطاب الإسرائيلي، في عمومه، على أنه لا هوادة مع من يتحدّى ذلك. ولا فرق هنا بين ما يصدُر عن حكومة يمينية متطرّفة تهدّد لبنان بالفناء، ولا ترى اتفاق وقف إطلاق النار ذا قيمةٍ أو أثر، أو معارضة يعبّر عنها بيني غانتس بالقول: “إذا لم نردّ بقوة ضد الدولة اللبنانية، فإننا سنعود إلى مرحلة المعادلات”.
في السياق، وفي ظلّ اشتعال لوثة الاحتلال الصهيوني بالانفراد بمصائر دول المنطقة، تبدأ عملية إنهاء الوجود العربي داخل المجتمع الإسرائيلي، فبعد منع آذان المسلمين وإجراءات التهويد في المسجد الأقصى، تأتي إجراءات الإلغاء السياسي للعرب، من خلال إعداد قانونٍ جديدٍ خاص بتركيبة الكنيست يطلق عليه معلّقان صهيونيان في صحيفة هآرتس “القانون الذي يسهل شطب العرب”، والذي بدأ الدفع به مع بداية الدورة الشتوية للكنيست، بحيث يصعُب على العرب خوض الانتخابات.
هكذا، يُشطب الصهيوني العرب الواقعين تحت احتلاله، فيما يُشطب العرب خارجه أنفسهم من معادلات التاريخ والجغرافيا.
المصدر: العربي الجديد