معارك سورية: أنقرة تريد حلاً سياسياً ودمشق تتعنّت

صابر غل عنبري محمد أمين

بالتوازي مع مواصلة فصائل المعارضة في سورية و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) توسيع نطاق سيطرتها في ريف حلب، بعد توقفها عند الأطراف الشمالية لمدينة حماة التي يحاول النظام حشد قواته فيها لإيقاف زحف الفصائل إلى وسط سورية، تكثف حراك حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد، وتحديداً إيران، في محاولة لإنقاذه من المأزق الذي بات فيه، بعد التراجع الكبير لقواته وانكشاف ضعف جيش النظام إثر تقدم الفصائل المسلحة منذ يوم الأربعاء الماضي وسيطرتها على حلب وإدلب ووصولها إلى أرياف حماة. وفي حين كانت تركيا تصرّ أمس الاثنين على ضرورة الدفع لحل سياسي في سورية، كان النظام يتعنّت، مع إصرار الأسد على “مزيد من المواجهة”.

وتحدّث الأسد أمس مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، معتبراً أن التصعيد في شمال سورية محاولة “لتقسيم المنطقة.. وإعادة رسم خرائطها”. وقال الأسد: “ما يحصل من تصعيد إرهابي يعكس أهدافاً بعيدة، في محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد”، مؤكداً أن “التصعيد لن يزيد سورية وجيشها إلا إصراراً على المزيد من المواجهة”. من جهته، أكد بزشكيان استمرار دعم بلاده للنظام السوري. وأضاف خلال الاتصال الهاتفي، وفق وكالة “إرنا”، إن دعم وحدة وسيادة سورية “استراتيجية إقليمية” بالنسبة لطهران.

كذلك تعهّد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان بتقديم “دعم غير مشروط” للأسد، حسبما أفاد الكرملين. وأعرب بوتين وبزشكيان في اتصال هاتفي عن “دعم غير مشروط لإجراءات السلطات الشرعية في سورية لاستعادة الانتظام الدستوري والسيادة الإقليمية”. وأفاد بيان الكرملين بأنّهما “أكدا أيضاً أهمية تنسيق الجهود… بمشاركة تركيا”.

دعوة تركية لحل سياسي في سورية

مقابل ذلك، كان لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة أمس الاثنين ينتهي إلى اعتراف بوجود “خلافات” بين البلدين حول ما يجري في سورية. وقال عراقجي في مؤتمر صحافي مشترك بعد اللقاء: “لدينا مصالح ومخاوف مشتركة مع تركيا ومن الطبيعي أن تكون بيننا خلافات”. وتابع: “على الرغم من أننا اختلفنا بشأن بعض القضايا، إلا أننا قررنا التشاور والحوار بشكل أوثق”. وحذر عراقجي من أن “سورية يجب ألا تصبح معقلاً للمجموعات الإرهابية”، مضيفاً أن “تبعات ظهور المجموعات الإرهابية المجدد في سورية ستطاول دول جوارها”. وخلال مؤتمر صحافي في أنقرة مع نظيره التركي هاكان فيدان، إثر محادثات بينهما أمس، قال عراقجي إنه من الضروري “حماية إنجازات مسار أستانة” الذي رعته روسيا وإيران وتركيا. وتابع “اتفقنا على عقد الاجتماع المقبل لمحادثات أستانة على مستوى وزراء الخارجية قريباً”، مستدركاً “يجب اتخاذ تدابير لازمة لحكم جيد للغاية في سورية”. وعقد الاجتماع الأخير لمحادثات أستانة يومي 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

من جهته، شدد فيدان على أن الهجوم الواسع الذي تشنه الفصائل في سورية ليس “تدخلاً أجنبياً”. وقال “من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير هذه الأحداث في سورية على أنها تدخل أجنبي”. ورأى فيدان أنه “يجب استغلال هذه المرحلة لتحقيق حل سياسي دائم في سورية”، معتبراً أن “غياب الحوار بين النظام (السوري) والمعارضة أوصل المشكلة إلى هذه النقطة”، ومضيفاً أن “التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أنه يتعيّن على دمشق التوصل إلى تسوية مع شعبها والمعارضة الشرعية”. وتابع “لا نريد أن تتفاقم الحرب الأهلية أكثر”. وأضاف “سبب أحدث التطورات في سورية هو أن المشاكل التي استمرت 13 عاماً لم تحل”. وأشار إلى أن مسار أستانة كان قد حقق وقف الاشتباكات الميدانية العنيفة، مضيفاً: “وبذلك كنا نهدف إلى تعزيز انخراط النظام مع المعارضة في المجال السياسي”.

فيدان: يجب استغلال هذه المرحلة لتحقيق حل سياسي دائم في سورية، وغياب الحوار بين النظام والمعارضة أوصل المشكلة إلى هذه النقطة

من جهته، أمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحافي أمس، في التوصل إلى اتفاق وحل مشكلة عدم الاستقرار في سورية، مضيفاً أن “أكبر تمنياتنا هو الحفاظ على وحدة أراضي سورية وإنهاء حالة عدم الاستقرار عبر اتفاق يتماشى مع المطالب المشروعة للشعب السوري”. وأعلن أن “تركيا كما كانت بالأمس مستعدة اليوم أيضاً للقيام بما يقع على عاتقها لإخماد النار المشتعلة في المنطقة”.

وفي سياق تأكيد الدعم للأسد من قبل حلفائه، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) دميتري بيسكوف أن روسيا “تواصل دعم” الأسد بغرض “استقرار الأوضاع”. وقال بيسكوف للصحافيين أمس “نواصل بالطبع دعم بشار الأسد”، مشيراً إلى أن موسكو ستبني موقفها استناداً “إلى ما هو ضروري من أجل استقرار الأوضاع”. كذلك أكّدت طهران أنها تعتزم الإبقاء على وجود “المستشارين العسكريين” الإيرانيين في سورية لمساندة قوات النظام. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي في مؤتمر صحافي أمس إن “وجود المستشارين الإيرانيين ليس أمراً جديداً، كان قائماً في الماضي وسيستمر في المستقبل… بالتأكيد بحسب رغبة الحكومة السورية”. وفي السياق، أكدت الصين دعمها نظام الأسد في “جهوده للحفاظ على الأمن القومي والاستقرار”، وفق ما أفاد المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحافي أمس.

في المقابل، دعت حكومات فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، أمس، إلى “خفض التصعيد وحماية البنى التحتية، للحيلولة دون نزوح السكان المدنيين مجدداً وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية”. وأكدت في بيان مشترك أن الوضع الراهن في سورية يؤكد الحاجة الملحة للتوصل إلى حل سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

مقاتلون عراقيون إلى سورية؟

ولا يقتصر الدعم على المواقف السياسية، فقد نقلت وكالة رويترز أمس عن مصادر سورية وعراقية أن مئات المقاتلين التابعين لفصائل عراقية مدعومة من إيران عبروا إلى سورية ليلة أمس الأول الأحد لدعم النظام. وقال مصدران أمنيان عراقيان للوكالة إن ما لا يقل عن 300 مسلح، معظمهم من منظمة بدر وحركة النجباء، عبروا مساء الأحد من طريق ترابي لتجنب المعبر الحدودي الرسمي. لكن السلطات العراقية نفت أمس دخول قوات تابعة لـ”الحشد الشعبي” إلى الأراضي السورية بغية تقديم الدعم لنظام الأسد. جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية مقداد ميري، وقائد قوات الحدود محمد السعيدي. كما أن زعيم “الحشد” فالح الفياض نفى في تصريحات للتلفزيون الحكومي العراقي دخول “الحشد” إلى سورية.

وكانت معلومات قد أفادت عن مقتل وجرح عناصر من “الحشد الشعبي” ومليشيا “فاطميون” (الأفغانية)، فجر أمس الاثنين، جراء غارات جوية أميركية، استهدفت رتلاً عسكرياً مشتركاً على أطراف مدينة البوكمال بريف محافظة دير الزور الشرقي، شرقي سورية، قادماً من الأراضي العراقية باتجاه بادية حلب، شمالي البلاد. وقال الناشط جميل الحسن، العامل لدى شبكة “العكيدات نيوز” (المهتمة بأخبار محافظة دير الزور وريفها)، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن طائرة حربية أميركية استهدفت فجر أمس رتلاً عسكرياً مؤلفاً من 20 سيارة من نوع “بيك آب” من “الحشد الشعبي” ومليشيا “لواء فاطميون” على أطراف مدينة البوكمال.

رويترز”: الولايات المتحدة والإمارات ناقشتا إمكانية رفع العقوبات المفروضة على الأسد إذا نأى بنفسه عن إيران وقطع طرق نقل الأسلحة لحزب الله اللبناني

لكن المخرج للأسد قد يأتي من مكان آخر، وليس من قِبل طهران وموسكو، إذ نقلت وكالة رويترز عن خمسة مصادر مطلعة قولها أمس الاثنين إن الولايات المتحدة والإمارات ناقشتا إمكانية رفع العقوبات المفروضة على الأسد إذا نأى بنفسه عن إيران وقطع طرق نقل الأسلحة لحزب الله اللبناني. وأضافت المصادر أن تلك النقاشات تزايدت في الأشهر القليلة الماضية مدفوعة بقرب انتهاء أجل عقوبات أميركية صارمة على سورية في 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وجرت تلك النقاشات قبل أن تجتاح الفصائل حلب. وقالت المصادر إن تقدم المعارضة بمثابة مؤشر دقيق على مواطن الضعف التي اعترت تحالف الأسد مع إيران، وهو ما تسعى المبادرة الإماراتية والأميركية لاستغلاله. لكن إذا قبِل الأسد بمساعدة إيرانية لتنفيذ هجوم مضاد، قالت المصادر إن ذلك قد يعقّد أيضاً جهود إبعاد الرئيس السوري عن طهران. وقالت المصادر إن الإمارات تأمل منذ وقت طويل في إبعاد الأسد عن إيران وتريد بناء علاقات تجارية مع سورية، لكن العقوبات الأميركية تعيق تلك الجهود. وقال دبلوماسي كبير في المنطقة مطلع على مواقف طهران لـ”رويترز” إن إيران بلغها أن “جهوداً تجري خلف الكواليس من دول عربية لعزل إيران… من خلال إبعاد سورية عن طهران”.

النظام وروسيا ينتقمان من المدنيين

ميدانياً، واصلت الفصائل المسلحة توسيع نطاق سيطرتها في ريف حلب. وأعلنت إدارة العمليات العسكرية في عملية “ردع العدوان” التي بدأتها “تحرير الشام” وفصائل معارضة، استهداف تجمع لقوات النظام أمس في جبل زين العابدين بريف حماة الشمالي، وسط أنباء عن وجود العميد سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة في قوات النظام، في مكان الاستهداف. وكانت الفصائل المسلحة قد قتلت أمس الأول الأحد رئيس فرع الأمن العسكري في حماة العميد عدي غصة، في استهداف بطائرة مسيّرة على محور بلدة صوران شمالي حماة. وأعلنت “إدارة العمليات العسكرية” مقتل القيادي في المليشيات الإيرانية شريف يحيى الحسين إثر الاشتباكات بين الفصائل وقوات النظام في ريف حلب.

وفرضت الفصائل المنضوية في عملية “ردع العدوان” سيطرة كاملة على مدينة حلب، كبرى المدن في الشمال السوري، ما عدا حيي الشيخ مقصود والأشرفية اللذين تسيطر عليهما “وحدات حماية الشعب” الكردية التي كما يبدو توصلت لاتفاق مع هذه الفصائل للانسحاب بشكل آمن إلى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يتبع لها هذا الفصيل الكردي. ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين بالمعارضة السورية وأحد السكان أمس إن قوات “وحدات حماية الشعب” الكردية بدأت الانسحاب من المناطق الخاضعة لسيطرتها في القطاع الشمالي الشرقي من مدينة حلب بموجب اتفاق مع قوات المعارضة.

واصلت فصائل المعارضة المنضوية في غرفة عمليات “فجر الحرية” توسيع نطاق سيطرتها على حساب “وحدات حماية الشعب” في ريف حلب الشمالي

في غضون ذلك، تواصل فصائل المعارضة المنضوية في غرفة عمليات “فجر الحرية” التي بدأت السبت توسيع نطاق سيطرتها على حساب “وحدات حماية الشعب” في ريف حلب الشمالي، وأعلنت أمس الاثنين السيطرة على قرى إحرص وجيجان وتل جيجان وحليصة، وذلك بعد يوم واحد من استعادة مدينة تل رفعت. وفي سياق موازٍ، غنمت فصائل المعارضة، سواء تلك التي تعمل ضمن محاور “ردع العدوان”، أو الناشطة في عملية “فجر الحرية”، عتاداً وأسلحة نوعية وبكميات كبيرة تركتها قوات النظام على الجبهات أو المستودعات أو في الكليات العسكرية ومطار كويرس ومعامل الدفاع في منطقة السفيرة جنوب شرقي حلب. ومن بين الغنائم صواريخ “كونكورس” و”غراد”، وعشرات الدبابات ومنظومات دفاع جوي وطائرات كانت رابضة في مطار كويرس أكبر المطارات السورية لجهة المساحة. وبحسب مصادر مطلعة في الشمال السوري، فإن قوات النظام تركت وراءها نحو 70 دبابة على الطريق العام من سراقب إلى خان شيخون.

في المقابل، بدأ النظام والجانب الروسي بارتكاب المجازر بحق المدنيين للضغط على فصائل المعارضة. وأعلن الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) مقتل 3 مدنيين، وجرح آخرين في حصيلة أولية إثر قصف جوي لطائرات النظام الحربية استهدف أمس الأحياء السكنية لمدينة إدلب. كما أعلن مقتل 7 مدنيين (5 أطفال وامرأتين) وإصابة 12 آخرين بينهم بجروح خطرة، في مجزرة ارتكبتها طائرات النظام الحربية بقصفها مخيم عرب تلحدية بالقرب من حرنبوش شمالي إدلب، صباح أمس. كما شنت المقاتلات الروسية غارات أمس استهدفت الأحياء السكنية في مدينة حلب، بعد يوم من ارتكابها مجزرة في حلب حيث قتل أكثر من 12 مدنياً وأصيب 23 آخرون.

وعن تقييمه لمجرى عملية “ردع العدوان”، رأى المحلل العسكري عبد الجبار العكيدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن العملية “تسير بشكل منظم وهناك تكتيك عسكري محترف وتوزيع مهام واختصاص”، مضيفاً: “لكن هذا الانتشار الواسع يحتاج إلى تغطية وتمشيط ومن ثم أرى أن التوقف عند حماة هدفه إعادة تنظيم الصفوف ولوصول الإمدادات ولإعادة ترتيب المعركة مرة أخرى”. وأشار إلى أن التوقف عند حدود مدينة حماة الشمالية “ناتج أيضاً عن وجود حشود لقوات النظام، كما أن المجموعات والوحدات التابعة لهذا النظام التي انسحبت من أرياف حلب وإدلب تجمعت على أطراف مدينة حماة لإعاقة تقدم فصائل الثورة”.

عبد الجبار العكيدي: العملية تسير بشكل منظم وهناك تكتيك عسكري محترف وتوزيع مهام واختصاص

من جهته، أوضح الباحث العسكري في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الأسلحة التي غنمتها الفصائل على صنفين: برية لوحدات المشاة التقليدية وغير التقليدية، وأسلحة جوية. وتابع: من هذه الأسلحة الدبابات والمدافع ورشاشات الدفاع الجوي 23، سواء مفردة أو مزدوجة السبطانة، فضلاً عن الأسلحة الخفيفة وهده كلها تستخدم للقوات البرية. ولم يستبعد اغتنام الفصائل لصواريخ مضاد طيران محمولة على الكتف.

في غضون ذلك، تتابع إسرائيل عن كثب التطورات في سورية، وأفادت صحيفة هآرتس العبرية أمس بأن إسرائيل قلقة بالأساس، من دخول قوات إيرانية كبيرة إلى سورية لمساعدة الأسد في تثبيت حكمه، لكنها تخشى بالمقابل ممن قد يخلفونه في حال انهيار حكمه. كما قالت هيئة البث الإسرائيلية أمس نقلاً عن مصادر مخابراتية غربية لم تسمها أن “حزب الله قام بتحويل بعض من قواته من لبنان إلى سورية لحماية منشآته فيها”. من جهة أخرى نقلت الهيئة عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين لم تسمهم أن “الأحداث (في سورية) يمكن أن تساعد على المدى القصير في إحلال الهدوء على الحدود الشمالية (لبنان)، لأن اهتمام حزب الله يتحول إلى سورية”. في المقابل، نقلت وكالة رويترز عن “ثلاثة مصادر مطلعة على تفكير حزب الله” أنه لا ينوي حالياً إرسال مقاتلين إلى شمال سورية لدعم الأسد.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى