هل تبدل أنقرة سياستها حيال حماس؟

سمير صالحة

من المحتمل أن يكون لجناح المعارضة التركية، بقيادة “حزب الشعب الجمهوري”، رؤية سياسية مغايرة في التعامل مع حركة حماس الفلسطينية إذا وصل إلى السلطة. أما بالنسبة لحزب “العدالة والتنمية”، وبالنظر إلى مواقف وتصريحات قياداته، فإن أقصى ما قد يقوم به هو زيادة الضغوط على قيادات حماس لتسريع المصالحة مع بقية الفصائل الفلسطينية، وتوحيد الصفوف وتنسيق المواقف في مواجهة إسرائيل ومعركة استرداد الأراضي المحتلة.

كثف الإعلام الإسرائيلي من نشاطاته في هذه الآونة ضد العواصم التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المشروعة. الهدف هو تفتيت الاصطفاف الإقليمي القائم في مواجهة إسرائيل وسياساتها. حصة أنقرة كبيرة هنا لأنها بين العواصم التي صعدت ضد إسرائيل وممارساتها العدوانية على أكثر من جبهة.

لذلك تحاول حكومة نتنياهو التركيز على ورقة حماس وعلاقة تركيا بالتنظيم، وتحريض العواصم الغربية ضد أنقرة، في محاولة لقطع الطريق على الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذلها على المستوى الإقليمي والدولي. تتحدث تل أبيب مرة عن انتقال قيادات حماس إلى تركيا، ومرة أخرى عن شبكات التمويل والدعم المالي المقدم لحماس عبر الساحة التركية. ومرة ثالثة عن زيارة سرية قام بها رئيس الشاباك رونين بار إلى أنقرة ولقائه رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، لبحث موضوع الأسرى والمحتجزين في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد نُقل عن مسؤول إسرائيلي أن تركيا ستتدخل في صفقة الأسرى بعد تراجع قطر عن دورها كوسيط، وبقاء مصر وحيدة في هذا الملف.

نفت مصادر الخارجية التركية الأنباء التي يروجها الإعلام الإسرائيلي حول نقل مكاتب حماس من الدوحة إلى أنقرة. لكنها لم تُعقِّب على أنباء أخرى تتحدث عن لقاء سري بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والتركية لبحث موضوع الرهائن والمحتجزين الفلسطينيين والإسرائيليين. قد تكون هذه الأنباء صحيحة وقد لا تكون، لكن الكشف السريع عنها بهذه الطريقة يتركها أمام سيناريو دعائي مرتبط بوصولها إلى طريق مسدود. من الآخر كما يقال، لن تعارض أنقرة أي اتصال تركي-إسرائيلي على مستوى أجهزة الاستخبارات، إذا كان يفتح الطريق أمام ما تقوله وتردده منذ أكثر من عام حول عروض التهدئة والذهاب إلى طاولة الحوار والتفاوض الحقيقي بين إسرائيل والجانب الفلسطيني.

من اللافت طبعًا توقيت تصريحات القيادي الفلسطيني خليل الحية الذي “يشعر بالخذلان من مواقف الأمة”، لكنه يواصل: “هناك اتصالات جارية الآن مع بعض الدول والوسطاء لتحريك هذا الملف، نحن جاهزون ومبادرون للاستمرار في هذه الجهود، الأهم هو وجود إرادة حقيقية لدى الاحتلال لوقف العدوان”، مضيفًا: “الواقع يثبت أن المعطِّل هو نتنياهو، كما شهد القريب والبعيد”.

واشنطن، شريك تل أبيب، لم تتأخر من ناحيتها في التصعيد وتوجيه الرسائل إلى الجانب التركي، خصوصًا عندما يكون الأمر متعلقًا بحماس وقياداتها وأماكن تواجدها. تركيا بين المستهدفين بأسلوب الترغيب والترهيب. الهدف هو دفعها لإنهاء علاقتها بحركة حماس وتجميد اتصالاتها بقياداتها وسحب جميع أشكال الدعم الذي تقدمه لهم.

تقول أميركا ما عندها حيال قيادات حماس ومحاولة إلزام أنقرة بمواقفها وما تريد. أنقرة بالمقابل ستُذَكِّر واشنطن بقرارها المبدئي وعدم استعدادها للتخلي عن علاقتها بحماس. يقول الرئيس التركي إن نظيره الأميركي يحاول تأجيج النار المشتعلة في الإقليم. مساءلة أنقرة حول علاقتها بقيادات الحركة أميركيًّا، يقابله رد تركي يتعلق بمساءلة واشنطن حول علاقتها بكوادر وعناصر “الكيان الموازي”، المتهم بالمحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، وتجاهلها للعلاقة العضوية المتينة بين من تحميهم في شرق الفرات وبين مجموعات حزب العمال الكردستاني. التصعيد الأميركي الأخير ضد أنقرة في موضوع حماس جزء من جهود بايدن لنقل المزيد من الحطب الإسرائيلي إلى غزة وتعقيد مهمة ترمب أكثر فأكثر. لكن الموقف التركي الذي أعلنه أردوغان هو على حاله: “حماس ليست إرهابية ومن يقول ذلك يزعجنا”.

علاقة أنقرة بقيادات حماس معروفة منذ العام 2006 تحديدًا. لا تحتاج إلى تعتيم أو تجاهل لناحية الدعم السياسي: “حماس حركة تحرير وطني تناضل من أجل استرداد الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وهناك خطوة “استقبال المئات من جرحى حماس في المستشفيات التركية الذين استهدفتهم إسرائيل في قطاع غزة”، وتنظيم العشرات من اللقاءات السياسية بين القيادات الفلسطينية في غزة ورام الله على طريق المصالحة وتوحيد المواقف والجهود. لكن فتح أبواب البرلمان التركي قبل أسابيع أمام الرئيس محمود عباس خير دليل على تمسك أنقرة بموازنة العلاقة بين الفصائل الفلسطينية أولًا، وتمسكها بجهود التوسط بين الأجنحة الفلسطينية لتوحيد مواقفها ثانيًا.

هناك واقع تركي عربي جديد يتطور منذ 3 أعوام تقريبًا، إذ تعول أنقرة في إطار مراجعة سياستها العربية والإقليمية على تنسيق المواقف والتفاهمات في التعامل مع كثير من الملفات والقضايا التي كانت مثار نقاش وخلاف وتباعد حتى الأمس القريب. وطالما تعتبر تركيا نفسها اليوم جزءًا من حراك عربي وإسلامي جديد باتجاه إنهاء حالة الاصطفاف والمواجهة، فهي ستبحث عن تكثيف الجهود حول موضوع حماس انطلاقًا من أن المسألة لا تعنيها وحدها، خصوصًا بعد أحداث تشرين الأول 2023.

سعت أنقرة، بعد عملية التموضع في سياستها الإقليمية، إلى تفعيل جهود المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية والعمل على التقريب بين الفصائل والسلطة عبر أكثر من تحرك سياسي. طريق تهدئة الجبهات وحلحلة الأزمة هو بين أولوياتها. نقاشات موضوع حماس لا بد أن تكون أيضًا جزئية أساسية وسط هذا المناخ الجديد، وليس بعيدًا عنه لأنها لا تريد أن تطيح بما بذلته من جهود على طريق التقارب والتنسيق التركي العربي.

رفعت أنقرة من مستوى التنسيق مع حماس بين عامي 2012 و2014، لكنها دعمت خطة السلام العربية التي تقودها الرياض. هي لا تتكتم على علاقتها بحماس، وسبق أن حذرت إسرائيل من أي مغامرة فوق أراضيها ضد أي زائر أو ضيف فلسطيني، “لأن الرد التركي سيكون مختلفًا وقاسيًا، وما لا يستطيع نتنياهو تحمله”.

القيادات التركية في الحكم تجاوزت موضوع توصيف حركة حماس أو تصنيفها، والتضحية بمليارات الدولارات من التبادل التجاري مع إسرائيل يؤكد أن أنقرة باقية على مواقفها. الربط بين حماس وما فعلته في السابع من تشرين الأول 2023 لا يمكن أن يكون ثمنه إلزام أنقرة بتجاهل الوحشية والهمجية الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان ومحاولة توسيع رقعة الجبهات نحو سوريا والعراق. يستقوي بعضهم بالموقف الإسرائيلي “الذي لن يبقى مكتوف الأيدي في حال ثبت وجود التنسيق التركي مع حماس”. تل أبيب اتهمت أنقرة بدعم حماس، وأنقرة لم تتأخر في الرد: “وزير الخارجية الإسرائيلي يحاول التستر على جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين بسلسلة من الأكاذيب والافتراءات وقلة الاحترام”.

جهود الوصول إلى موقف تُعلن فيه حماس أنها توافق على مقترح مصري لتشكيل لجنة لإدارة غزة بالتنسيق مع قيادات حركة فتح، وتأكيدها أنه لن تكون هناك صفقة تبادل أسرى وسجناء مع إسرائيل إلا بعد انتهاء الحرب في القطاع، تأتي في إطار الحراك المصري الدبلوماسي الأخير على خط القوى الفلسطينية. استضافة القاهرة في مطلع تشرين الثاني اجتماعات حركتي فتح وحماس لبحث إنشاء هذه اللجنة، مع تأكيدها أن “الاجتماعات شأن فلسطيني خالص، والجهود المصرية هدفها توحيد الصف الفلسطيني والتخفيف من معاناة الفلسطينيين”. انسحاب قطر من الوساطة كما أعلنت قياداتها، مع جهوزيتها للعودة عند “إبداء الطرفين المتحاربين استعدادًا صادقًا للتوصل إلى اتفاق”، يندرج في إطار تنسيق المواقف والسياسات الذي بدأ قبل عام تقريبًا.

تتحدث تل أبيب عن الشريك الكردي في الإقليم. الناطق باسم الخارجية الأميركية يقول إن العلاقة بين تركيا وقيادات حماس لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه. بقدر ما هناك صعوبة في الفصل بين ملف المعارك الدائرة على جبهة جنوبي لبنان عما يجري في قطاع غزة، سيكون من الصعب الفصل بين سيناريوهات التحدث مع حزب الله من دون التفاهم مع حماس.

المصدر: تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى