علي مصطفى حميدي من ناشطي الثورة السورية وأحد أبنائها. روايته حي بما يكفي توثق واقع الثورة السورية في سنواتها الأولى.
تعتمد الرواية لغة المتكلم في سردها على لسان الشخصية المحورية فيها عز الدين درويش.
كما تعتمد في تطور أحداثها على السرد عن زمانين، الزمان الذي يعيشه بطلها عز الدين. والزمان الذي يسترجعه لفترة من الزمن ومن ثم يتداخل الزمانين ليتابع سرديته في طور آخر داخل الرواية.
تبدأ الرواية من لحظة خروج عز الدين من المعتقل بعد سنتين قضاهما متنقلا في أكثر من معتقل. كان آخرها فرع الأمن في طرطوس.
يستعيد عز الدين حكايته في ذات الوقت الذي يبحث عن طريقة ينطلق بها من طرطوس الى حلب ومنها الى قريته. سيكتشف بعد اعتقاله لسنتين أن تغيرات كثيرة قد حصلت في سورية. ان الطريق من طرطوس الى حلب ليس سالكا كما هي العادة . لقد تغيرت الدنيا في
عامين عاشهما عز الدين في المعتقل. لقد راهن النظام في مواجهة الربيع السوري على العنف الأعمى والوحشي. وتطور الربيع السوري من تظاهرات سلمية ليصبح ثورة مسلحة. وتتشكل مجموعات الجيش الحر ولتتحرر بعض من سورية من قبضة النظام. لقد أصبح
الانتقال من طرطوس الى حلب يتطلب ساعات كثيرة وانتقال من مناطق عديدة بعضها تحت سيطرة النظام وبعضها تحت سيطرة الجيش
الحر. والحركة ليلا غير مؤمنة في وسائل النقل. لقد بات عز الدين في كراج طرطوس تعرض للتنمر من الجيش والأمن. لقد صبر على
ما مر عليه واعتبر نفسه ولد من جديد. فالمهم ان يصل الى حلب ومنها الى بلدته ويصل الى امه واخيه واخته.
يسترجع عز الدين حياته في رحلة عودته الى أهله بعد فترة اعتقاله. انه شاب سوري في العشرينات من عمره، من الشمال السوري من
ريف حلب من قرية منغ المشهورة بوقوعها بجوار مطار منغ العسكري الشهير. ينتمي لعائلة مرتاحة اقتصاديا. اتم دراسته في أحد فروع
الهندسة في دمشق وتابع تخصصه فيها ليحصل على شهادة الماجستير .
حصل الربيع العربي وكان تجاوب الشباب السوري معه وكأنه اشارة الفرج ليبدأ السوريون في ربيع عام ٢٠١١م بالتظاهر والدعوة
لاسترداد الحرية والكرامة وتحقيق العدالة والديمقراطية. في بلد يرزح لعقود تحت سلطة مستبدة ظالمة ومستغلة وفاسدة.
شارك عز الدين في التظاهر مع شباب غوطة دمشق، وبعد مضي أشهر على الثورة السورية. قرر ان ينتقل الى الشمال السوري ليؤسس
لحراك ثوري حيث بدأ الحراك الثوري يمتد إلى جميع المدن والبلدات السورية. غادر دمشق متوجها الى حلب وكانت الطرقات قد بدأت
تتقطع بالحواجز الامنية والعسكرية لحصار الحراك والثوار والقاء القبض عليهم أثناء تنقلهم من مكان لآخر. وفي أحد الحواجز القريبة
من حلب تم اعتقال عز الدين فقد كان اسمه معمما على الحاجز. حيث ربط اسمه باسم عمه أحد ناشطي الثورة السورية الاوائل. تم
اعتقاله ونكلوا به في الحاجز الأمني وهناك بدأوا التحقيق معه. واكتشف ان لدى المحققين معلومات تفصيلية عن نشاطه في الغوطة ولم
يكن ينكر ذلك. لقد صاحب الاعتقال التنكيل والتعذيب والإساءة بكل الاشكال. فلا كرامة للمعتقل ويتم إذلاله كل الوقت. ثم تم نقله لأحد
الافرع الامنية في دمشق وهناك حققوا معه بعد مضي أسابيع لاعتقاله وكانت شروط الاعتقال قاسية جدا والتعذيب شديد. لقد كان لدى
الأمن قرار أن ينسب لعز الدين ما لم يفعله. وتحت التعذيب الشديد اعترف على نشاط عسكري وحمل سلاح وغير ذلك. مما جعله في
حسابات النظام محكوم بالإعدام وينتظر تنفيذ ذلك به. لقد مات الكثير من المعتقلين تحت التعذيب أو بعد التعذيب. وكانت الزنازين اضيق
من ان تتسعهم. كانت شروط حياتهم أقرب للموت. كانوا يشتهون الموت للخلاص مما هم فيه. انتهى التحقيق معه بعد أشهر. واستمر
معتقلا وتم نقله لاكثر من معتقل كان آخرها في فرع امن طرطوس. الذي تم الإفراج عنه منه بعد سنتين على اعتقاله. على اساس ان
هناك عفو من الرئيس قد شمله.
في رحلة عز الدين من طرطوس الى حلب الممتدة لساعات طويلة متنقلا من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة الثوار والجيش
الحر. يستعيد عز الدين في ذاكرته حياته الشخصية. فهو ابن عائلة والده متوفى ووالدته تعيش في قريتهم منغ بريف حلب الشمالي له أخ
أصغر منه و أخت أصغرهم. علاقته مع أمه عميقة جدا وهي متعلقة به بشكل كبير. والده كان قد عاش في السعودية منذ سنوات بعيدة
وتزوج هناك واستمر زواجه لسنوات طويلة لكن زوجته لم تكن تنجب. افترق عن زوجته الاولى وكانت زوجته الثانية أم عز الدين.
توفي والده قبل سنتين من الثورة السورية. كبر على حب إحدى قريباته تسكن جواره وعندما كبر خطبها كان ينتظر انتهاء دراسته
الجامعية ليتزوج.
يعيش عز الدين في بلدتهم منغ ولديهم بيت كبير وأراضي وأملاك تجعل حياتهم مريحة.
وصل عز الدين إلى حلب في ربيع عام ٢٠١٣م. حيث كانت مقسمة إلى حلب الشرقية بيد الثوار. وحلب الغربية بيد النظام. وكانت حلب
الشرقية تحت الضربات المستمرة لطيران النظام وأسلحته. مما جعلها مدمرة بالكامل تقريبا. مما دفع أهلها الى الهروب منها والانتقال الى
الشمال السوري والى جوار الحدود التركية. حيث المناطق المحررة.
انتقل عز الدين من حلب إلى بلدته منغ ووصل الى هناك ليلا ليكتشف هناك ما أذهله. لقد وجد ان في بلدته فصيل مقاتل من الجيش الحر
يحمل اسمه فقد كان قد علم أهله بأنه استشهد في معتقله على الحاجز الأمني الذي اعتقله قبل سنتين. وكان عمه احد قادة الحراك الثوري
وتم تسمية ثوار بلدته باسمه وذلك لينضم لها شباب البلدة. ولدواعي لها علاقة مع الدعم والتمويل. لقد وجد عز الدين في بلدته أخاه أحد
الثوار واخو خطيبته قائد الكتيبة المسماة باسمه كتيبة الشهيد عز الدين. وان هناك عمل قادم بعد يوم او يومين ليتم الهجوم على مطار منغ
العسكري ليتم تحريره.
لقد كان لوصول عز الدين إلى القرية في ذلك الوقت محرجا لقائد الكتيبة ولذلك تحفظ على عز الدين وحبسه بشكل ودي في قبو منزله.
ومنع معرفة أحد سوى أخيه والبعض ممن حوله بوصوله. وذهبوا إلى معركة المطار.
حصلت المعركة ولم يستطع المهاجمين تحرير المطار واستشهد اخو خطيبة عز الدين. وكان لا بد من أخبار أهل عز الدين عن وصوله
وأنه حي وأنه كان معتقلا. وأن يعلم الثوار أن شهيدهم حي وهكذا وصل عز الدين إلى أمه التي كانت قد غادرت البلدة من اشتداد القصف
والمعارك وكذلك أهل البلدة الى مدينة أعزاز وسكنوا هناك. وكان لا بد من تغيرات في واقع الكتيبة التي توسعت وأصبحت لواء وأعيد
تسميتها باسم قائدها الشهيد الضابط المنشق سعيد الطيار. وبدأت تعد العدة مع مقاتلين آخرين لتحرير المطار.
لقد استطاع عز الدين التكيف مع واقعه الجديد. حيث لهفة والدته عليه. وحرص خطيبته التي استشهد أخوها ولم يبقى لها غير عز الدين
وزوجة الشهيد الحامل بابنه.
تمر الرواية على واقع اعتقال اللواء لجماعة من حزب الله واستخدامهم ورقة في لعبة الصراع مع النظام وحلفائه.
عمل عزالدين بالاتفاق مع قائد اللواء الجديد في المجال الإعلامي للثورة ومتابعة أعمال اللواء و التحضيرات لمعركة تحرير مطار منغ
العسكري الذي أصبح الهدف الملح لهم.
خطط قادة اللواء ومعهم كتائب والوية اخرى لمعركة الحسم وتحرير مطار منغ وكان بين المقاتلين استشهاديين. وكان دور عز الدين هو
التغطية الاعلامية لعملية الاقتحام بالصوت والصورة وحيث تم تحرير المطار ونقل ذلك للعالم كله…
وهكذا حصل.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
إننا أمام رواية أقرب إلى شهادة ميدانية تتحدث عن واقع معاش في الثورة السورية في انطلاقتها في السنوات الأولى للثورة. وهي توثق
في حيز منها الى مسار الثورة في الريف الشمالي لحلب وتحرير مطار منغ العسكري من النظام .
والاهم ايضا هي شهادة إنسانية وجدانية تدخل عميقا في ذات بطلها عز الدين ومن حوله بصفته نموذجا عن شباب الثورة السورية. في
محاولة صادقة لاعادة التألق والنقاء والمصداقية والاستعداد للتضحية والفداء والاستشهاد ايضا لشباب الثورة السورية في مرحلتها المدنية
والعسكرية ممثلة بالجيش الحر. الثوار الذين اعتقلوا و استشهدوا تحت التعذيب او في محاربة النظام. والذين حملوا السلاح وحرروا
اغلب سورية من سلطة النظام وحلفائه. كلهم مشاعل نور في طريق ثورتنا التي مازلنا ننتظر ان تنتصر لأنها ثورة حق للشعب الذي لن
يتنازل عن حقه بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية بعد كل التضحيات التي قدمها.
الرواية تومئ إلى أن واقع الحراك الثوري الشعبي بداية لم يستمر كذلك حيث تدخلت قوى خارجية تحت غطاء الدعم والتسليح فكانت
بمثابة الضابط الذي يحدد أفعال الثوار وحدودها ومسارها. وحيث سيكون لهذه الأطراف السيطرة اخيرا بعد سنوات على مسار الثورة
وايقافها بقرار للقوى المهيمنة على القرار الدولي والاقليمي.
تحدثت الرواية أن هناك طور جديد قادم سيصيب الثورة السورية نموذجها الرايات السود ممثلة بداعش التي حاربت الثوار من جهة
بالتكامل مع استدعاء النظام لحزب الله والميليشيات الطائفية لدعم النظام المتهاوي بالتكامل مع التدخل العسكري الروسي وخاصة من
الجو في حرب إبادة على الشعب السوري. أدت لوقوع أكثر من مليون شهيد ومثلهم مصابين ومعاقين وحوالي نصف الشعب السوري
لاجئ ومشرد داخل سورية وخارجها.
لقد كانت الرواية مخلصة لسرديتها بحيث غاصت عميقا في ذوات شخصياتها وحياتهم الحقيقية وواقع معاشهم وسلوكياتهم وهمومهم الذاتية ومشاغلهم. حبهم وألمهم ولهفتهم، الأمومة والبنوة والامل واليأس. الوجع والثورة والحلم والصبر والفاقة واللجوء والبحث عن
الخلاص. واستسهال الشهادة والركض باتجاهها…
بشر نتلمّسهم نعايشهم نحب بعضهم ونتعاطف مع البعض ونكره آخرين ونتألم لمصابنا الواحد.
لقد اعادتنا الرواية الى حقيقة ثورتنا السورية المغدورة كما هي سيرتها الاولى.
نعم بعد مضي ثلاثة عشر عاما على ثورتنا التي اعتقد بعضنا أننا نسيناها.
ها هي رواية "حي بما يكفي" للكاتب المبدع علي مصطفى حميدي تعيدنا عبر رواية طويلة نسبيا ٤٠٧ص إلى ذاتنا وحقيقية ما حصل
معنا. واننا يجب ان لاننسى ثورتنا وضرورة انتصارنا كشعب سوري وان سيف الظلم مازال مسلط علينا…
رواية “حيّ بما يكفي” الروائي والناشط السوري “علي مصطفى حميدي” قراءة جميلة وتعليق موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث وتوثق واقع الثورة السورية في سنواتها الأولى.