أحمد أبو الغيط رجل المرحلة

أسامة الرشيدي

يخرُج الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، من حين إلى آخر، من سباته العميق، ليُدلي ببعض التصريحات. ورغم الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة العربية في الوقت الراهن، إلا أن تصريحات أبو الغيط تصنع الحدث دائما، ليس بسبب علاقتها بالأحداث، بل العكس هو الصحيح!

رغم أنه أجرى، أخيراً، لقاء مع فضائية مصرية، ورغم الحروب والنزاعات التي تعاني منها المنطقة في فلسطين والسودان ولبنان واليمن وسورية وغيرها، لم تجد الصحف والمواقع الإخبارية في تصريحات أبو الغيط إلا حديثه عن أسعار الشطائر في بريطانيا والولايات المتحدة! ففي آخر إبداعاته، قال الأمين العام إن “الأسعار في بريطانيا وأميركا مخيفة بسبب التضخم”، مضيفا أنه يشتري الشطيرة في الولايات المتحدة بمبلغ 16 دولارا، بما يعادل 800 جنيه مصري، بينما يشتريها في مصر بمبلغ 15 جنيها.

تقمّص أبو الغيط دور “ذبابة” إلكترونية، مهمتها تبرير الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها المصريون سنوات، رغم أن أحداً لم يطلب منه أداء هذا الدور، كما أنه تغافل، مثل غيره من المبرّرين، عن ذكر جوانب أخرى من حياة الأميركيين، حتى تصحّ المقارنة، مثل متوسّط الرواتب والأجور هناك، مقارنة مع مثيلاتها في مصر، والفرق بين جودة التعليم والرعاية الصحية هنا وهناك، وعشرات الموضوعات التي لا تجعل المقارنة ذات معنى إلا بوضعها في الاعتبار.

اعتبر أبو الغيط، في اللقاء “المهم”! نفسه، حصول العامل الزراعي على 150 جنيها في اليوم مكسبا كبيرا، من دون أن يفكّر، ولو لحظة، كيف يمكن أن يعيش هذا العامل، وينفق على أسرته بمبلغ لا يصل إلى مائة دولار شهريا. ثم ما علاقته أصلا بالحديث عن شأن محلي خالص، وهو المفترض أن يتحدّث في القضايا العربية بحكم منصبه؟

 شهدت سنوات عمل أبو الغيط وزيرا للخارجية المصرية، بين 2004 و2011، مهازل عديدة

قبل هذه التصريحات بأشهر، قال أبو الغيط، في لقاء تلفزيوني، إن التيار الكهربائي ينقطع يوميا في مسقط رأسه، لكنه تفاخر بأن زوجته “أصبحت خبيرة في الاتصال بالمسؤولين لتقديم الشكاوى”، حتى أنه اختلف مع المذيع الذي قال إن التيار يُقطع ساعتين يوميا، مهوّنا من المشكلة، مؤكّدا أنه ينقطع لديه ساعة واحدة فقط. كما أعرب عن استعداده لتحمّل هذا الأمر “في سبيل أن ذلك يؤمّن الخير للمجتمع الذي يشعر بكرامته وقيمته”، مستشهدا برؤيته أربعة أطفال قرويين، يرتدون ملابس أنيقة، للتدليل على أن أحوال أطفال المصريين تطوّرت! لم يشرح أبو الغيط كيف يشعر الإنسان بكرامته في ظل افتقاده الخدمات الأساسية وحرمانه منها، وإفقاره بالغلاء المستمر بالأسعار والتضخّم، وغير ذلك من المآسي الاقتصادية في مصر، وكيف عمّم حكما على تحسن أوضاع المصريين من خلال أربعة أطفال فقط.

لم يكن هذا الأداء غريبا على أبو الغيط، فقد شهدت سنوات عمله وزيرا للخارجية المصرية، بين 2004 و2011، مهازل عديدة مشابهة، أشهرها في أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، عندما هدّد الشعب الفلسطيني إذا فكّر في اللجوء إلى مصر هرباً من القصف الإسرائيلي الوحشي، قائلا إن من يقترب من الحدود بين غزّة ومصر “سنكسر رجله”. ولا ننسى بالطبع الصورة المشينة له وهو يمسك بيد وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها، تسيبي ليفني، بعدما تعثّرت في أثناء نزولها السلالم. وجاء هذا المشهد الرومانسي اللطيف، بعدما عقدت ليفني مؤتمراً صحافياً مع أبو الغيط في القاهرة، هدّدت خلاله الشعب الفلسطيني في غزّة وتوعّدته بالحرب، من دون أن يردّ عليها وزير خارجية مصر ببنت شفة. وفي مذكّراته التي نشرها بعد خلع حسني مبارك عام 2011، برّر أبو الغيط تصرّفه بأنه يعبّر عن “شهامة الفرسان الكبار”!

لم يشرح أبو الغيط كيف يشعر الإنسان بكرامته مع افتقاده الخدمات الأساسية وحرمانه منها

خلال تلك الفترة أيضا (بعد ثورة يناير) انطلق أبو الغيط للحديث، واصفا رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، بأنه “أساء استخدام القوات المسلحة لبلاده أسوأ استخدام، وعليه أن يتوقّف عن قتل شعبه”. لكنه نكص عن ذلك بالطبع، بعدما عاد النظام إلى جامعة الدول العربية في عهده، واصفا ذلك بأنه “إعادة سورية إلى الحضن العربي”، وزاعما أنه لم يكن ينبغي “التعجّل” في تجميد عضوية سورية في الجامعة قبل سنوات، وأنه لم يكن ليوافق على ما حدث.

المفارقة الدالة أن أبو الغيط لم يفوّت الفرصة ليعبّر عن رأيه في حالة اللاشيء التي يعيش، وتعيش معه فيها جامعة الدول العربية، إذ اعتبر ذلك “خفوتاً حنجورياً”، و”انعكاساً للإدارة العربية”، أي أنه يعتبر غياب الجامعة أمرا إيجابياً!

يبدو أبو الغيط إذن خياراً مثالياً للتعبير الحقيقي عن الوضع العربي الراهن، بعدما عبّر قبل ذلك بدقة عن انهيار الدبلوماسية المصرية في أواخر عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وهو ما تجلّى في أنه كان وزير الخارجية الأخير في هذا العهد، وربما يكون تعيينه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، ثم التجديد له، رغم أنه لم يفعل شيئا خلال ولايته الأولى، وحالة الموات التي عاشتها الجامعة خلال تلك السنوات علامة أكيدة على الانهيار الذي يشهده العمل العربي بشكلٍ لم يسبق له مثيل.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى