رواية ” الفراشة ” للأديب الفرنسي ” هنري شاريير ” والتي نقلها إلى العربية تيسير غراوي.. جاءت ضمن /456/ صفحة من القطع المتوسط، كملحمة إنسانية تضج بالبهاء.. إنها حكاية أدبية واقعية مبدعة، يغوص الكاتب فيها ضمن بوتقة السجون الفرنسية واللاتينية، في سياق البحث عن الحرية، التي أضحت هماً وهوساً لبطل الرواية، والذي قبع وراء القضبان لسنوات عديدة.. دون ان يكون مجرماً بل مظلوماً.
عانى هذا البطل الروائي الواقعي من ظلمة السجون، وممارساتها الخالية من كل روح إنسانية، وهو ملمح معروف للسجان -كل سجان- عندما ينسى البعد الإنساني، ويمسك بسوط الجلاد كأدات للسلطة بحد ذاتها… لقد كان محور بطل الرواية التطلع الى الحرية على طول المدى، دون أن ينسى أنه عاشقاً، وإنساناً وعاملاً مكافحاً، ومحباً لوطنه الذي ظلمه، حتى ظن -في بعض الأحيان- أنه لم يعد ينتمي الى هذا الوطن، حيث أوقع عليه كل هذا الظلم، ثم عاد ليستفيق من خيالاته، وليعود الى رشده، وهو مقتنع بأن الوطن شيء، والأشخاص الذين يمسكون بتلابيبه شيئا آخر. كان الليل في الزنزانات قاسياً، وكان بزوغ الشمس لحظة منتظرة دائما وأبداً. حتى ” انبلج الصبح والنار لا تزال تستعر …والماء يغلي في وعائه، والديك يصيح بصوت مضطرب.. والخنزير الاسود نائم فوق سرير كويك”.
ويبدو الكاتب ارتأى بأنه يمكن للوطن أن يتحرك لينتمي الانسان الى وطن آخر.. هو بالضرورة أكثر حرصاً عليه، وأكثر دفئاً واحتضاناً. حتى لو كان الوطن الأساس (فرنسا الحضارية) و(فرنسا حقوق الانسان) التي انتهكت كل شيء، ولم يعد للحق فيها وجود في تلك المرحلة.
ضمن هذا العمل الأدبي تحليق ل (بابيون)بطل القصة في فضاءات كبرى، ومعركة لإنسان لا يلين في سبيل الحرية.. وفي مواجهة حالات يلقى فيها البشر للنمل اللاحم، ليأكل الانسان وهو حي.
انها رواية مفعمة بالألم والأمل في نفس الآن، وتعبر عن كل إنسان في هذا العالم المترامي الأطراف، الذي يعاني من فقدان الحرية، ومن القهر والهدر، لإنسانية الإنسان، والتي تصل إلى حد القتل تقطيعاً. ومع ذلك فإن الرواية انسياب بعذوبة صريحة، تروي في كل عبارة موقفاً له علاقة بالنفس البشرية الخارجة من أنسنتها والعالقة حتمًا بآليات لا بد أن توجد مهما حاول القامعون.