إنه عالم فيه بعض الحيوات فقط هي التي تهم، وهو ما ينتهي بأن يعني أنها لا توجد حياة مهمة. إنه تعريف الجحيم، وأخشى أنه العالم المحكوم بالعسكرة الذي نواصل خلقه لأنفسنا.
* * *
ليس الاستعمار شيئا من الماضي. إنه حي ونابض الآن كما كان حاله دائما -من الشرق الأوسط إلى أوروبا الغربية إلى الولايات المتحدة إلى الهند، والله يعلم أين أيضا. وهو يمكن أن يكون مربحا كالجحيم، على الأقل للصناعات الصحيحة.
هل ينبغي أن تخاف. يجب أن تكون خائفا جدا!
هذا صحيح، خاصة إذا كنت تنتمي إلى دولة غنية مدججة بالسلاح -لأن أعداءك موجودون في كل مكان، يتجمعون على حدودك، أو الأسوأ من ذلك، يجرؤون على المطالبة بحيازة أرض أجدادهم وإقلاق امتلاكك لها.
في مقابلة مع ”الديمقراطية الآن”، أشار أنتوني لوينشتاين، مؤلف كتاب ”مختبر فلسطين: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم”، إلى هذه الظاهرة بأنها “فلسطين عالمية”. ويعني هذا أن الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين وقصفها الحالي للبنان -ربما بداية حرب مدمرة في الشرق الأوسط- ليست سوى المثال الأكثر فظاعة على تطور استعمار الكوكب في الوقت الحاضر.
وكما يشير لوينشتاين، فإن الرابط العالمي سياسي ومالي (ناهيك عن كونه عرقيا). إنه لا يتحول دائما إلى حرب، لكن العنف والخسائر في الأرواح موجودان دائما بطرق مختلفة.
ولنتأمل هنا الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث تم تركيب المئات من أبراج المراقبة على مدى العقدين الماضيين، مما قدم مساعدة لا تقدر بثمن لعملاء دوريات الحدود. وكما تشير قصة حديثة لصحيفة “الغارديان”، فإنه “طوال الوقت، ادعى المسؤولون أن التكنولوجيا الجديدة ستردع الهجرة وتساعد على تأمين سلامة المهاجرين، ومع ذلك، مات ما يقرب من 10.000 مهاجر أثناء عبورهم الحدود في السنوات الـ25 الماضية، والوفيات آخذة في الازدياد”.
يحدث هذا لأن المهاجرين، الفارين من الجحيم في أوطانهم، يضطرون إلى سلوك طرق أطول وأكثر خطورة إلى الحدود الأميركية، وهو ما يأتي غالبا مصحوبا بعواقب مميتة. ومع ذلك، فإن أولئك الذين هم في خطر حقيقي، على الأقل وفقا لـ”حماة الحدود” -مثل، على سبيل المثال، شركة بناء أبراج المراقبة، “أندوريل” Anduril- هم الأميركيون. على سبيل المثال، قال بالمر لوكي، المؤسس المشارك لشركة “أندرويل”، أن هدف الشركة هو “تحويل القدرات الدفاعية للولايات المتحدة بشكل جذري” من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي.
بعبارة أخرى، هذه حرب. بدلا من بذل جهد عالمي لمعالجة أسباب كل الهجرة التي تحدث في جميع أنحاء الكوكب، فإن البلدان الغنية -تلك التي ورثت مكافآت الغزو الاستعماري- تختار “حماية” نفسها منها. وكما قال بيدرو ريوس من “لجنة خدمة الأصدقاء الأميركية”، وفقا لـ”الغارديان”، فإن “قيام وسائل الإعلام والسياسيين بتأطير الهجرة بعبارات تشبه الحرب –مثل “زيادة العديد” أو “الغزو”- يدفع المزيد من الاستثمار في أمن الحدود”.
أتعرف: ينبغي أن تكون خائفا. كن خائفا جدا. وبالطبع، إذا تجرأ الأشخاص الذين تتم مراقبتهم و/أو احتلالهم على المقاومة، فإنهم يسمون إرهابيين.
بالانتقال عبر المحيط الأطلسي، ألاحظ أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتعامل مع نسخته الخاصة من “فلسطين العالمية” -المهاجرين الذين يفرون من أوطانهم عبر البحر الأبيض المتوسط، غالبا في قوارب غير آمنة بشكل مروع ينتهي بها الأمر إلى الانقلاب. وقد غرق أكثر من 3.000 مهاجر في العام الماضي وحده أثناء محاولتهم الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وفي العقد الماضي، فقد أكثر من 30.000، ببساطة.
يتحدث تقرير آخر لصحيفة “الغارديان” عن عامل مساهم بشكل كبير في هذه الأرقام المرتفعة. ويشير إلى أن “الاتحاد الأوروبي ليست لديه عمليات بحث وإنقاذ منسقة، ولكن وفقا للقانون البحري الدولي، يترتب على أي دولة ساحلية على علم بوجود قارب في محنة واجب التدخل. ومع ذلك، لا يحدث هذا في كثير من الأحيان، ولا تتلقى المنظمات غير الحكومية التي تحاول سد هذه الفجوة دعما يُذكر –وإنما المزيد من العقبات فحسب”.
تشمل هذه العقبات وضع لوائح صارمة على قوارب الإنقاذ، مثل إجبارها على الرسو في موانئ بعيدة بشكل غير مريح عن المكان الذي تعمل فيه، وإجبارها على السفر آلاف الأميال غير الضرورية وإهدار مبالغ هائلة من المال لمجرد دفع ثمن الوقود اللازم للقيام بذلك. بعبارة أخرى، لا يوجد جهد منسق بين القطاعين العام والخاص لإنقاذ حياة المهاجرين، بل هناك موقف عام يرقى إلى عقيدة “دعهم يغرقون”.
حسب تقرير صدر عن “إس. أو. إس. هيومانيتي” SOS Humanity، أهدرت سفن الإنقاذ 374 يوما في العام 2023 في القيام برحلات رسو طويلة من دون داع. ووفقا للتقرير، “ليست هذه مصادفة، بل تكتيك سياسي”. وبعد ذلك، في قسم مختلف من كوكب الأرض، كتبت حفصة كانجوال في “ميدل إيست آي” عن العلاقة المقلقة بين الهند وإسرائيل عندما يتعلق الأمر بتعامل الهند ذات الأغلبية الهندوسية مع منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة. وتشير كانجوال إلى أنه من المعروف أن النقاد اليمينيين يدعون إلى “تطبيق النموذج الإسرائيلي في كشمير” -وهو ما يعني في الأساس استبدال المسلمين.
وكتبت كانجوال: “من المؤكد أن كشمير وفلسطين ليستا متطابقتين، ولا أي منطقتين عالميتين أخريين. لكن نضالاتهما تشترك في مصدر مشترك: الاستعمار البريطاني”.
الرابط هو بين وعد بلفور في العام 1917، الذي وعد بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي على الأراضي الفلسطينية، ومعاهدة أمريتسار في العام 1846، التي باع فيها البريطانيون أراضي كشمير لأمير حرب هندوسي، مما أدى إلى القمع الشديد للسكان ذوي الأغلبية المسلمة.
”تعني “ولادات” الهند وإسرائيل أيضا التهجير والتطهير العرقي للفلسطينيين من خلال النكبة، والكشميريين من خلال مذبحة جامو”.
ومع صعود القومية الهندوسية في الهند، “ولى منذ فترة طويلة الخطاب الخيري القائم على الإدماج؛ وتدعو هذه الأيديولوجية صراحة إلى التغيير الديموغرافي وبناء المستوطنات الهندوسية في كشمير”.
هذا يسمى ”نحن” مقابل “هم”. إنه عالم لا تهم فيه سوى بعض الحيوات، والذي ينتهي بأن يعني أنها لا توجد حياة مهمة. إنه تعريف الجحيم، وأخشى أن عالما مصطبغا بالعسكرة هو الذي نواصل خلقه لأنفسنا. يجب أن تخاف؟ ينبغي أن تكون خائفا جدا.
*روبرت كوهلر Robert C. Koehler: صحفي حائز على جوائز ومقيم في شيكاغو، وكاتب نقابي على المستوى الوطني. حصل على العديد من الجوائز للكتابة والصحافة من منظمات، منها “الرابطة الوطنية للصحف”، و”صحف الضواحي الأميركية”، و”نادي شيكاغو هيدلاين”. وهو مساهم منتظم في مواقع رفيعة المستوى مثل “أحلام مشتركة” و”هفنغتون بوست. يتجنب كوهلر التسميات السياسية، ويعتبر نفسه “صحفي سلام”. كان محررا في “تريبيون ميديا سيرفسز” ومراسلا صحفيا وكاتب عمود ورئيس مكتب الصحيفة، ومراسلا وكاتب عمود ورئيس مكتب تحرير في “صحف ليرنر”، وهي سلسلة من صحف الأحياء والضواحي في منطقة شيكاغو. ولد في ديترويت ونشأ في ضواحي ديربورن، ويعيش في شيكاغو منذ العام 1976. حصل على درجة الماجستير في الكتابة الإبداعية من كلية كولومبيا وقام بتدريس الكتابة على مستوى الكلية والمدرسة الثانوية. من كتبه “الشجاعة تصبح قوية عند الجرح” Courage Grows Strong at the Wound (2016).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Colonialism Does Not Hide Its Hostility Toward a Better World
المصدر: الغد الأردنية (كومون دريمز)