إيران والعمق السوري

فارس الذهبي

ما الذي تريده الجمهورية الإسلامية الإيرانية من نظام يقوده حزبٌ شموليٌّ يدّعي العلمانية والاشتراكية؟

نظرياً الطرفان لا يلتقيان أبداً من حيث الإيديولوجيا، ولكن براغماتية الطرفين قرّبت بينهما طوال عقود طويلة، ويبدو اليوم أن الطلاق بائنٌ بينهما بينونة كبرى من دون عودة. إيران التي تدخّلت في عام 2013 من أجل إنقاذ ما تبقّى من هيكلية “الدولة السورية”، إثر هبّة السوريين الكبيرة طلباً للديمقراطية، مطلع عام 2011، قبل أن تتحوّل الساحات إلى أتون حرب طاحنة بين فرقاء متعددين.

لا تريد إيران الخروج من سوريا أبداً، وليس من عقيدتها أصلاً الخروج من المناطق التي ابتلعتها، ولو كانت تريد الخروج لما كبّلت حكومة النظام بعشرات الاتفاقيات الاقتصادية المذلّة، ولا بعشرات الديون الطائلة التي لا يمكنه سدادها أبداً، ولما تغلغلت في كيان مؤسساته الرسمية من الجيش إلى الإدارة إلى الشرطة والتربية والتعليم وحتى إلى الثقافة.

ما تريده إيران فعلياً هو بقاء اندماجي يتيح لها تشكيل طبقة شعبية موالية لها منتفعة بمصالح نفوذها في الأرض السورية، عابرة للطوائف، تشمل الانتهازيين جميعهم الذين يشكّلون اليوم أثرياء الحرب وتجار المخدرات وقطعان الميليشيات، ما تريده إيران هو البقاء في البلاد السورية بغض النظر عن السلطة الحاكمة في دمشق.

ديون موثّقة في المحافل الدولية، أطفال يتعلمون اللغة الفارسية في المدارس، طلاب مبتعثون إلى الجامعات الإيرانية، طبقة من الموظفين الموالين لها، أعضاء مجلس شعب، ضباط في الجيش وأجهزة الأمن موالون لها، شبكة تجار ضخمة تقود عملية إخضاع الشعب الذي تم إفقاره خلال عقد ونصف عقد ماضيين، أبنية جديدة ومراقد دينية تتيح لزّوارها القدوم بالملايين من العراق وإيران وغيرهما، مضافاً إليها ملاحق خدمية تتيح للمستنفعين من رجال أعمالها الثراء السريع عبر بناء مئات الفنادق والمطاعم في مناطق المزارات الدينية، شبكة مواصلات خدمية لأجلهم، مشغل هاتفي خاص هو المشغل الثالث في سوريا الذي يتيح لها التنصّت والاستماع وتسجيل بيانات السوريين كافة أسوة بمواطنيها ومواطني العراق المحتل منهم أيضاً.

لم تخطط إيران للخروج من سوريا أبداً، فهي قد اشترت قطعة أرض ضخمة وسط أوتوستراد المزّة، تشيّد فوقها أكبر سفارة إيرانية في العالم، ويمكن للمارّة ملاحظتها بوضوح قرب تقاطع الطرق المفضي إلى حي كفرسوسة، فقد جهّزت سبعة طوابق تحت أرض سفارتها الجديدة، وتخطّط لجعلها مركزاً استخبارياً مهماً لها في الشرق الأوسط.

ولا يمكن لأي قوة لا محلية ولا دولية أن تفكّك هذه السفارة المحمية بالشرائع الدولية وبموافقات الحكومة السورية.. ويُقال إنّها “حفرت أنفاقاً تحتها تصلها بعدة نقاط مهمة تخصها، وتتحدث روايات الأهالي الشعبية الشفويّة عن نفق يمتد إلى مطار المزّة البعيد عنها كيلومترين فقط”.

لم تدخل إيران إلى سوريا لتكون حليفاً لحكومتها المأزومة مع شعبها، بل أتت إلى سوريا كي تبتلع البلد بأولاده وطوائفه وتاريخه ومستقبله، لم تدخل وحيدة بل أتت برفقة مئات آلاف المقاتلين الإرهابيين من ميليشيات باكستان وأفغانستان والعراق واليمن، بعد أن زوّرت مئات آلاف تصاريح الدخول إلى سوريا، وما حادثة اختفاء خمسين ألف زائر باكستاني في العراق قبل أشهر إلا مثالاً واضحاً على خبث مخططاتها بين الدول في الشرق الأوسط، فعمليات التجنيس التي تجري في سوريا، وبعلم الحكومة المأزومة، تشهد على عمليات توطين واستيطان كبيرة في أرياف دمشق، وحمص والقلمون ودير الزور.

كل هذه التفاصيل لا يمكن إزالتها بسهولة من الأرض السورية، ولا حتى إن قرّر أعداء إيران ضرب قواتها وممثليها في سوريا، لا يمكن مواجهة المخطط الاستعماري الإيراني في سوريا إلا بالاستعانة بحكومة وطنية ذات سيادة حقيقية قادرة على مواجهة تفاصيل المخططات الإيرانية المستمرة منذ عقود لنزع عروبة سوريا ومشاركة أهلها في بيوتهم وأرزاقهم وأوراقهم الثبوتية، لا يمكن إلا بعودة ملايين المواطنين السوريين المهجّرين بالقوة من أرضهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم.

مُهمةُ مواجهة مخطّطات إيران لا يمكن إنجازها إلا من الشعب السوري، الذي سيطاردهم بيتاً بيتاً.. وشارعاً شارعاً.. وشجرةً شجرة.. وحجراً حجراً.

لا مكان لإيران في سوريا، ولا لأي محتل آخر، ويجب على الشعب السوري أن ينتزع قراره ومصيره من جميع الأفرقاء، وقبل كل شيء من كل مسؤول فاسد فتح الأبواب لإيران كي تصول في بلادنا وتجول.

https://www.syria.tv/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A#:~:text=%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A,%D9%81%D9%8A%20%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%86%D8%A7%20%D9%88%D8%AA%D8%AC%D9%88%D9%84.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى