لبنان اليوم التّالي… تصوّر إيران لدور الحزب

خير الله خير الله

من الصعب التكهّن بما سيؤول إليه الوضع اللبناني وهل من قيامة للبنان في اليوم التالي للحرب… هذا في حال أوقفت إسرائيل تلك الحرب التي تشنّها على البلد. من الضروري، هنا، التذكير بأنّ لبنان في حرب تسبّب بها أصلاً الحزب الذي قرّر فتح جبهة جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأوّل الماضي تحت شعار “إسناد غزّة”.

 

الأمر الأكيد أنّ الحزب الذي عرفناه في السنوات العشرين الأخيرة انتهى مرحلياً، خصوصاً في ضوء القرار الإسرائيلي القاضي بتصفية قياديّيه تمهيداً لاغتيال الأمين العامّ للحزب حسن نصرالله يوم 27 أيلول 2024. لن يحلّ الحزب نفسه، لكنّ غياب حسن نصرالله سيعني ولادة حزب جديد مختلف سيكون معتمداً، أكثر من أيّ وقت، على ما ستقرّره إيران التي تمرّ بدورها في مرحلة انتقاليّة. ربّما أكثر ما يعبّر عن هذه المرحلة قرار “المرشد الأعلى” علي خامنئي اللجوء إلى انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً للجمهوريّة خلفاً لإبراهيم رئيسي، رجل “الحرس الثوري” الذي قتل في حادث تحطّم طائرة هليكوبتر لم تتوضّح ظروفه بعد.

أسئلة مبكرة

هذه مرحلة الأسئلة التي لا يزال باكراً الإجابة عنها. ما الشكل الذي سيتّخذه الحزب الجديد؟ وما الدور الذي سيلعبه في ضوء ما حلّ بجنوب لبنان وقراه وبلداته وتهجير أهله؟ في طليعة الأسئلة المطروحة الدور الجديد المختلف الذي ستحدّده إيران للحزب الذي لم يكن في الواقع سوى لواء في “الحرس الثوري”. يبدو واضحاً أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” ستعمل على إعادة بناء الحزب بغضّ النظر عن التصريحات التي تصدر عن كبار المسؤولين فيها والتي تشدّد على أنّ قدرة “المقاومة الإسلاميّة” على الصمود ومواجهة إسرائيل لم تمسّ. سيحتاج الحزب إلى إعادة بناء بعدما فقد الكثير من بريقه وقدراته، خصوصاً أنّه لم يستطع أن يكون قوّة ردع لإسرائيل. ما الذي يبرّر بقاء شعار “المقاومة” مرفوعاً وجزءاً لا يتجزّأ من البيان الوزاري لأيّ حكومة في ضوء ما حلّ بلبنان وفي ضوء سقوط فكرة التوازن العسكري مع إسرائيل؟

بعيداً عن التمنّيات وسعي المسؤولين الإيرانيين إلى تجاهل حجم الضربة التي تلقّاها الحزب والتخفيف منها، يبدو لافتاً غياب الوعي لدى القوى السياسية اللبنانية

بعيداً عن التمنّيات وسعي المسؤولين الإيرانيين إلى تجاهل حجم الضربة التي تلقّاها الحزب والتخفيف منها، يبدو لافتاً غياب الوعي لدى القوى السياسية اللبنانية المختلفة لخطورة المرحلة التي يمرّ فيها البلد الذي لا وجود فيه لرئيس للجمهوريّة. سيبقى السؤال الأساسي، في غياب تبلور توازن سياسي داخلي: ما تصوّر إيران للدور المستقبلي للحزب الذي سيطر على الحياة السياسيّة اللبنانيّة منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط من عام 2005  وفي ضوء الانسحاب العسكري والأمني السوري من الأراضي اللبنانيّة؟

استطاع الحزب ملء هذا الفراغ الذي خلّفه الانسحاب السوري. استطاع شيئاً فشيئاً السيطرة على البلد وصولاً إلى تحوّله إلى صاحب قرار الحرب والسلم. سمح له ذلك بشنّ حرب “إسناد غزّة” بعيداً عن أيّ منطق، من أيّ نوع، باستثناء خدمة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. قبل ذلك، بات الحزب يعتبر أنّ من حقّه فرض الشخص الذي يختاره ليكون رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة. نجح في إيصال ميشال عون إلى قصر بعبدا. أغلق بعد ذلك القصر في انتظار رضوخ اللبنانيين لإرادته ورضوخهم لإيصال من يريد إيصاله إلى رئاسة الجمهوريّة.

الدور المحوري للرئيس بري

في اليوم التالي لوقف الحرب، سيعتمد الكثير على ما ترغب به إيران وتصوّرها للدور الجديد للحزب. سيعتمد الأمر أيضاً على ما إذا كانت ستولد من رحم الحرب قوّة سياسية لبنانيّة قادرة على إيجاد توازن مع الحزب في ظلّ الغياب السنّيّ فيما يعاني المسيحيون من حال تشرذم تعبّر عنها حال الشذوذ التي يعاني منها “التيّار الوطني الحر”.

لا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي يحتمل أن يلعبه الرئيس نبيه برّي الذي غادر موقع اللاجئ السياسي لدى الحزب. سيكون رئيس مجلس النواب صاحب دور كبير في المرحلة المقبلة، خصوصاً في حال استعادت حركة “أمل” وزنها الطبيعي شيعياً بعيداً عن هيمنة إيران وحزبها.

في اليوم التالي لوقف الحرب، سيعتمد الكثير على ما ترغب به إيران وتصوّرها للدور الجديد للحزب

يظلّ أمّ الأسئلة: ما الذي تريده “الجمهوريّة الإسلاميّة”؟ أين يقع لبنان  في حساباتها الجديدة التي في أساسها اكتشاف أنّ كلّ رهاناتها على مواجهة إسرائيل، إن مباشرة أو عبر أدواتها الإقليمية، صارت في حاجة إلى إعادة نظر؟ تغيّر الخطاب السياسي الإيراني التقليدي. ظهر ذلك واضحاً من خلال خطاب الرئيس الإيراني الجديد في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. تضمّن هذا الخطاب رغبة واضحة في التقرّب من أميركا.

سيعتمد الكثير على تصوّر إيران للدور المختلف للحزب الجديد. سيعتمد أيضاً على ما ستريده إسرائيل أيضاً التي ستكون لاعباً في لبنان بفضل قوّتها العسكرية التي ستفرض تنفيذ القرار 1701، وربّما ما هو أكثر منه.

لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه، هل من ولادة لقوّة سياسية في لبنان تملأ الفراغ الناجم عن غياب حسن نصرالله والمحيطين به من كبار معاونيه؟ الأمر أكبر من غياب شخص لعب كلّ الأدوار المطلوبة منه إيرانياً، أكان ذلك في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، خصوصاً منذ عام 2003، وهي سنة سقوط العراق وتقديمه على صحن من فضّة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

المصدر: أساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى