متى يرتفع صوت العقل؟

معقل زهور عدي

ثمة أصوات شعبوية سورية ترتفع لتفصل قضية الثورة السورية عن القضية الفلسطينية بل لتصل في المبالغة بالشماتة والفرح بمقتل حسن نصر الله إلى حد شكر اسرائ يل بل ودعوتها ” لتكمل معروفها في سورية ” , وبالطبع فمن يصل إلى هذا الحد من اللاعقلانية والاستسلام لمشاعر الثأر يكون قد اقترب من اعتبار اسرا ئي ل صديقا منقذا لايهمه ماذا يفعل في غزة ولافي غيرها , وهناك من يحاول عقلنة فرحه بفكرة ” ضرب الظالمين بالظالمين ” لكن ذلك لايستطيع الوقوف بوجه التيار الأول بل يبدو مجرد محاولة استدراك متأخرة .

في المقابل ومن الجهة الأخرى ممن يعتقد جادا أن القضية الفلسطينية هي اليوم بيد حماس وحليفها الذي انتصر لها ” حزب الله” وحتى ايران التي دعمت حماس وحزب الله ووقفت ضد المشروع الصهيوني ومازالت , وأن ذلك فقط مايستحق الاهتمام , ” تلك هي معركة الأمة وما عداها تفاصيل ” بالتالي فما جرى في سورية تفصيل أمام ” معركة الأمة في فلسطين ” تفصيل لايستحق الوقوف عنده ولا جعله معيارا للموقف الوطني , وضمن تلك الرؤية ينزاح النظام السوري إلى جانب محور المقاومة وينزاح من وقف ضده للمحور الآخر , مع شيء قليل من إبداء نوع من العطف ” الانساني ” على مأساة الشعب السوري .

هذا التضاد يبرز اليوم بصورة فاقعة ويكاد يحدث حالة انقسام سياسي ينزلق إلى تبادل الشتائم في وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصة لقول ما كان لايسمع سوى بالشارع وبين أقل الفئات وعيا وثقافة .

ضمن هذا الجو المشحون الذي تنفلت فيه المشاعر لتطغى على العقل . يختفي صوت النخب السورية أو يكاد لايسمع ,

فمتى تفيق النخب السورية ومتى تضطلع بمسؤوليتها في رفع الصوت الوطني العاقل .

قضية فلسطين كانت ومازالت قضية سورية المقدسة , لكن كل مقاربة لها لاتمر بحرية الشعوب العربية وكرامتها , وحرية المواطن العربي وكرامته , والنظام الديمقراطي الرشيد هي مقاربة خادعة , كاذبة , فأنظمة الاستبداد والطغيان لايمكن أن تحمل راية المقاومة سوى خدمة لأهدافها , ولتبرير طغيانها وقمعها لشعوبها , ومن يزرع الطائفية ويستثمرها سياسيا لايمكن أن يكون مقاوما حقيقيا , ومن ساهم في ذبح الشعب السوري وتشريده لايمكن الدفاع عنه ولا تبرئته . لكن ذلك لايعني بحال من الأحوال الاصطفاف إلى جانب العدو حين تقع الحرب بين الطرفين .

وعدم وعي مشروع الهيمنة الايراني على المنطقة , ودوره التخريبي في تغذية النزعة الطائفية واشعال نارها المقيتة المدمرة هو محض غياب للعقل وراء الشعارات , من لايجد رابطا بين غزو العراق وتسليمه لطغمة طائفية متخلفة وتدمير الدولة العراقية وبين ماحصل في سورية بصورة مشابهة على يد ايران وأذرعها في المنطقة , هو أعمى البصر والبصيرة .

استعادة الوعي الوطني العقلاني ورفع صوته عاليا فوق مد المشاعر المنفلتة , مهمة النخب السورية المستقيلة والغارقة في ذاتها حتى الآن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى