لم يبخل مزوّر الشهادات على زبونه الدسم فمنحه تسلسلاً أكاديمياً كاملاً من أحد أهم الصروح العلمية البريطانية “University of Aberdeen“، التي خرّجت مثلاً خمسة فائزين بجائزة نوبل.
وهكذا حاز مضر التاجر، في يوم واحد، دبلومَ المدرسة العليا (2004)، والبكالوريوس في إدارة الأعمال (2005)، والماجستير في الاختصاص ذاته (2007)، وأخيراً الدكتوراه في العلوم السياسية (2010)، وإن على كرتونات رديئة ولكن مَن يشكّك؟
ولد مضر، صيف عام 1983، يوم كان والده مصطفى الاسم الأكثر رهبة في حلب بعدما تمكّن على رأس فرع من شعبة المخابرات العسكرية، التي كانت برئاسة علي دوبا، من سحق التمرد الإسلامي الذي أرّق السلطة بين عامي 1979 و1981.
في منتصف تلك السنوات الدامية تولّى مصطفى التاجر الفرع، وقاده باتجاه وحشي جعل له اليد الطولى في قمع المعارضين على أجهزة الأمن الأخرى وعلى قطعات الجيش التي كانت منتشرة في المدينة وحولها، ولم تأت الانتفاضة الأخيرة لحماة، في شباط 1982، إلا والبقايا المهشمة للخلايا المسلحة في حلب مطاردة بقسوة وعاجزة عن المساعدة.
وحين رزق بابنه الأصغر هذا كان عمله قد أصبح روتينياً في منطقة أُخضعت بالكامل، فتفرغ لشهواته الكثيرة، من الطعام حتى النساء، ولجمع المال بالضغط على التجار، أو بسط حمايته عليهم، أو دخول ابنه الأكبر الشهير وقتئذ، عمر، في صفقات متنوعة رابحة على الدوام بطبيعة الحال.
ورغم أن مضر يذكر والده، اللواء كما هي رتبته الأخيرة، بفخر دائم، فإنه من المستبعد أن الضابط المندفع وجد وقتاً للعناية بطفله، سواء في أكثر من عقد أمضاه في منصبه بحلب، أو عندما انتقل إلى دمشق، في مطلع التسعينيات، وتسلّم فرع فلسطين الشهير، ثم تقاعد ومات.
ولعل هذا مدخل لتفسير لغرابة سيرة مضر؛ أبي علي ثم أبي جميل ثم أبي تراب، بحسب أولاده الذكور الثلاثة، فقد تزوج مبكراً إحدى قريبات أمه من آل الناعس من اعزاز في ريف حلب، حيث تنحدر العائلة، وبعد انفصاله عنها تزوج فاطمة جميل الأسد، ابنة عم بشار مباشرة، وأنجب منها “جميل الأسد” التاجر، الذي أُريد له أن يحمل اسم جده كاملاً.
لكن أمارات التدين العلَوي التي ظهرت عليه بوضوح في تلك المرحلة، وجعلته يمضي وقته متنقلاً بين المزارات، مصطحباً ولده الذي اعتاد التمسّح بالأضرحة، أثارت قلق زوجته الشابة الجميلة “المحبة للحياة”، التي خلّف لها والدها ثروة طائلة لا تؤهلها للزهد، ومنحتها كنيتها اعتداداً لا يغري بالتواضع، فانفصل الزوجان بعد محاولة كلا العائلتين رأب الصدع دون جدوى.
رغم أن مضر كان يقضي جزءاً كبيراً من وقته، حين لا يكون في زيارة إلى مقامات الأولياء بالساحل، في مزرعة ماهر الأسد قرب دمشق، بصحبة شقيقه مازن المقرّب من زعيم الفرقة الرابعة، حيث يتسلى بمرافقة وملاعبة أسود حقيقية!
إثر الطلاق الثاني توجّه مضر إلى الارتباط بمن يشبهه، فتزوج ابنة فنان من القرداحة، هو “الدكتور” كاسر ديبة، الذي يراوح بين نقش لوحات نحاسية لحافظ الأسد وولده بشار وبين رسم رموز الطائفة ومشايخها، كالمكزون السنجاري والمنتجب العاني وأحمد قرفيص وسليمان الأحمد.
ويحظى الأخير بمكانة خاصة في قلب مضر، فهو الأكثر حضوراً في الصفحات العامة التي ينشئها على موقع “فيس بوك” لنشر أقوال وأشعار المشايخ العلويين، بل إن الدكتور في العلوم السياسية، من جامعة أبردين العريقة، اشترك، مع شاب متدين آخر هو وسيم محمود حسن، في وضع كتاب عن الأحمد بعنوان “جامع البيان عن أخوة سليمان”، طُبع في عام 2018، ووزّع مجاناً كوقف عن روح العلّامة.
في الصفحات التي يديرها مضر، ويواظب على تغذيتها يومياً بالمنشورات وتحظى بعشرات آلاف المتابعين؛ يبدو تضلعه في سير مشايخ الطائفة واطلاعه الواسع على كتاباتهم التي ينقل منها، كما أنه ينظم بعض الشعر البسيط الذي يرافق صور “المقدّس” حافظ الأسد، مثل قوله: “حافظ زرع حب الوطن فينا… حافظ لحدّ اليوم حامينا”، وابنه “المتربع على عروش قلوبنا” ماهر “لواء الشام والبلد/ معلمنا لنا السند”، واللواء التاجر “على ضفاف النهر في جناته/ سكن الوفي والدي هو مصطفى”.
تبدو قصة دخول مضر المذهب العلوي غريبة حتى لأبناء الطائفة، وينسب إليه بعض الأصوليين منهم مشروعاً خبيثاً غامضاً لتضييع الحدود بين العلَوية الخصيبية وبين الشيعة الاثني عشرية، مستغلاً بعض نصوص سليمان الأحمد، متهمين شريكه في تأليف الكتاب بتسويقه في الطائفة بعد دخوله إليها عبر شيخ مغمور بعيد من بلدة المنصورة غربي حلب هو ديب رحمون.
أمّا هو فيقول إنه تعرّف، منذ طفولته، إلى كثير من رجال الدين في ريف القرداحة؛ كالشيخين سلمان الحامد وأحمد يوسف الناعم، ثم نهل تعاليم القرآن وآداب الدين من الشيخ ديب رحمون، إمام العلويين في حلب كما يصفه، الذي “قضى شهيداً… رافضاً البراءة من أمير المؤمنين علي”، مشيراً إلى مقتله على يد فصائل معارضة بعد الثورة. ويقول إنه أكمل في طريق “الولاية” دون أن يلتفت إلى بعض الحاقدين الذين ظنوا “أنه لا يوجد مؤمنون إلا في قريتهم”.
المصدر: تلفزيون سوريا