هكذا كان واقع: الثورة السورية المسلحة النشأة والمسار خيارات المستقبل

أحمد العربي

اولا. بعد مضي سنوات .على ثورتنا السورية وواقع حالها المتعثر والملتبس والمراوح في مكانه سياسيا وعسكريا . كان لا بد من متابعة نقدية لمسار ثورتنا السورية المسلحة.. من باب المعرفة والتعلم وتحديد معالم مستقبل ننتصر فيه لشعبنا بإسقاط النظام المستبد ومحاسبته وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية

ثانيا. ليس جديدا ان نؤكد ان ثورة شعبنا كانت في سنتها الاولى سلمية الّا ماندر. وأنها كانت تتحرك لمطلب إسقاط الاستبداد .وبناء دولة الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية.. وأن ملايين البشر من شعبنا ملؤوا ساحات المدن و الحواضر والبلدات بمطالبهم العادلة.. وان النظام هو من رفض ان يقدم تنازلات ويقدم الديمقراطية والعدالة للشعب . وهو الذي بادر للعنف عبر القتل والاعتقال ومواجهة التظاهر بالأسلحة النارية. وبشكل متدرج تصاعديا بالعنف والاستمرارية.. مما دفع كثيرا من شباب الثورة بالتفكير بالرد المسلح على النظام. وخاصة أن الخيار كان بين أن تنتهي الثورة مع دفع ثمنها من اعتقال وقمع واستمرار الاستبداد والاستغلال والاستعباد الى عشرات السنين القادمة. وبين الاستمرار بالثورة ولو بالتضحيات للوصول للأهداف المشروعة لشعبنا

ثالثا. بادر الشباب وبشكل فردي أو جماعي محدود . للحصول على الاسلحة الفردية عبر إمكانات هؤلاء الشباب المتواضعة.. وبدأت تتشكل خلايا صغيرة من المندفعين .الذين بدؤوا بحماية التظاهرات . وسرعان ما زاد النظام من عنفه وبدأ سياسة الاجتياحات . واستثمر عدم نضج الشباب الثائر واختراقاته الامنية فيهم. وبدأ يصنع قوائم متابعه للثوار الناشطين في التظاهر أو العمل المسلح الناشئ. وبدأ بسياسة الحواجز مع الاجتياحات. مما دفع الناشطين للتخفي والانتقال للعمل المنظم سواء بالتظاهر السلمي أو خلق نواة العمل المسلح

رابعا. كان أغلب الناشطين الميدانيين . مدنيين وعسكريين من الشباب الغير مسيّس في العشرينات والثلاثينات من العمر، الا ما ندر . ممن تجرع مظلومية النظام عبر حياته. وكان بينهم ايضا بعض المسيّسين خاصة ممن كانوا معتقلين سياسيين سابقين عبر أجيال.. كان أغلبهم من الشباب ذوي الخلفية الإسلامية الذي اعتقل على خلفية احتلال العراق وقبلها افغانستان، اندفعوا في مواجهة المظلومية العالمية للغرب مع الأنظمة المستبدة التابعة.  جذب هذا الواقع كثير من الشباب عبر المدخل الإسلامي من خلال أفكار تبلورت قبل ولادة تنظيم القاعدة ومن خلال تحركه وخارج سياق حركته.. كان كل معتقل في التسعينات وعشرية الالفية الجديدة.. يدخل مدرسة تثقيف فقهي وديني وسياسي عبر اعتقاله وفي المعتقل تأثرا بمن سبقه.. بحيث يخرج الشباب من السجن الذي يمتد الحبس فيه من سنة ليصل لعشرات السنين.. يخرج المعتقل كادرا سياسيا معبأ فكريا وثقافيا بخلفية اسلامية  متشبعا بالفكر الجهادي السلفي بتنوعاته.. ويكون مشروع ناشط سياسي او عسكري في عمل قادم ضد النظام أو الغرب طبعا ضمن منظومته الفكرية الإسلامية المغلقة والغير متوافقة مع الفكر الإسلامي المتنور. وحتى فكر بعض الحركات التي تصالحت مع العلم والعالم والديمقراطية وخيارات المجتمع.. المهم ان هؤلاء الشباب من المعتقلين السابقين كانوا في البنية الاولى للمجموعات المسلحة ضد النظام الاستبدادي. وهذا مايفسر وجود التوجهات او التسميات الاسلامية.. زيادة على كون الإسلام عقيدة أغلب الجماعة الوطنية السورية. في مواجهة نظام قاتل ومواجهته تعني الموت والشهادة.. وهذا ما يفسر لاحقا بداية استقطاب النصرة والقاعدة. كعمل مسلح مسيس اسلاميا لكثير من الشباب السوريين . وبدأ يبتعد عملهم العسكري والسياسي عن هدف ثورتنا المباشرة. بإسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطية . بل العمل لدولة إسلامية وفق رؤية القاعدة بما لها وما عليها

خامسا. كان واضحا أن النظام العالمي غربه وشرقه وحليفتهم (اسرائيل) .مع الأنظمة المستبدة التابعة . قد قرروا إسقاط الربيع العربي . وانعكس ذلك على سوريا بترك النظام يتغول ويقتل الشعب ويشرده ويدمر البلد.. ويعطون للثوار السوريين بعض الإمداد الذي يؤدي لاستمرار الصراع وليس حسمه.. هذا في الفترة السابقة والآن.. مما انعكس على الثوار بأن انتقلوا لضرورة البحث عن إمداد مال وسلاح. وخاصة أن إمكانية مواجهة النظام لا يستطيعه أفراد لا كامكانيات مالية وعسكرية. ولا السماحية من انظمة مسيطرة بالمطلق على الحدود وتحويل المال والسلاح الى سوريا.. وهذا أدى رويدا رويدا.. ليصبح الثوار تابعين عمليا للدول المانحة التي لاتتجاوز اصابع اليدين . والتي صنعت لها غرف عمليات فردية وجماعية تتابع الثوار على الارض اول باول… ومن المهم معرفة أن الائتلاف السوري وقبله المجلس الوطني لا علاقة له بالإمداد المباشر للثوار.. فقد كانوا مجرد واجهة منقطعة الصلة مع الثورة المسلحة السورية ولا سلطة لهم عليهم . وواقع الحال أن الائتلاف كطرف سياسي والثوار كطرف عسكري. كانوا محكومين بالدول المانحة واجنداتها وليس الثورة ومتطلباتها.. هذا واقع الحال وليس النوايا. لأن الدول المانحة تحكمت وللان بالمال والسلاح والشؤون السياسية أيضا

سادسا. إن آلية عمل إمداد المجموعات المسلحة التي كانت تحصل على إمدادها من الدول المانحة بشكل مباشر أو غير مباشر . كان يحكم قدرتها في التحرك على الأرض والتواجد والتقدم والتراجع في مواجهة النظام .وحتى بالامتداد .كتضخم أو اضمحلال او انتصار او هزيمة.. كله مربوط بالمباشر مع الامداد العسكري والمالي.. فبعض المجموعات كانت تغطي مساحة العمل العسكري في سوريا والآن اندثرت كبنيه وانتقل شبابها ليكونوا في بنية من ما زال إمداده مستمرا. أو انتقلوا ليكون كوادرا في القاعدة .كداعش والنصرة قبل انشقاقهم عن بعضهم وبعده. وذلك كان يتعلق  بالتخاصص الإقليمي في الثورة السورية.؟! .المرعي دوليا من أمريكا وحلفائها.؟!. والذي انعكس على الثورة المسلحة بالتشتت والتفرق والصراع احيانا . والتراجع أو المراوحة أمام النظام .. او التقدم المحسوب ليتم بعده انكسار محسوب.. يؤدي بحسابه الختامي لتكون حصيلة ثورتنا المسلحة .مزيد من الشهداء والدمار والتشرد والمراوحة بالمكان وعدم التقدم لأهداف ثورتنا والوصول لنتيجة أن لا حل عسكري لثورتنا.. كما أن لا حل سياسي تفاوضي لها.. لتبقى قضية شعبنا السوري جرح نازف يأكل من دماء وحياة ومستقبل شعبنا وخراب بلادنا

سابعا. لم تكن القاعده ابنة اللحظة في الثورة السورية.. فهي صناعة امريكية مع حلفائها منذ الثمانينات في أفغانستان . وبعدها كخصم يحارب أمريكا وحلفائها في العالم. ومنذ احداث ايلول 2001 . حيث ضرب تنظيم القاعدة أمريكا.. والعداء بينهم مستمر . وظروفه تتجدد دوما. فقد توسع وجود القاعدة في العراق والمغرب العربي والصومال واليمن والخليج. يتواجد ويتوسع حيث المظلومية وضعف السلطة السياسية. توسع في العراق بعد احتلاله . وتوسع في سوريا بعد ثورتها وقرار النظام أن يخمد الثورة بالقوة.. من المؤكد أن امتدادا كبيرا بشكل مباشر جاء للقاعدة من أفراد وراءهم دول عملت بالمباشر لتقوية عودها وجعلها رقما في معادلة الصراع. هذا اضافة لامدادها البشري من كثير من شبابنا السوريين والعراقيين . الذين لم يجدوا غير داعش والنصرة بعد أن ماتت مجموعاتهم المسلحة .وهناك ألْوية وكتائب انتقلت بالكامل من موقع (الجيش الحر) الى النصرة وداعش.   وهذا يخدم أجندة الغرب وحلفائه. بان الارهاب حاضر ويجب أن يتصدوا له .ولخلق آليات صراع وأسباب موضوعية له وامداد من السلاح والمال لكي يستمر وينمو.. حاصدا معه أرواح شعبنا ودمار بلادنا ومستقبل ابنائنا

ثامنا. طبعا صمت العالم عن جرائم النظام وعن وجود داعش ونموه بداية لكي يكون مبررا لحضور الغرب في الميدان وانتقل الصراع من ثورة ضد استبداد النظام. الى الحرب على الإرهاب متمثلا بالقاعدة.. وتم تأجيل الصراع مع النظام أو البحث عن حل يعيد إنتاج النظام كما حصل في الواقع . فهذا التجييش لحرب داعش. واشتراط مساعدة الثوار السوريين وانخراطهم بالمباشر وعلنا مع التحالف الدولي ضد داعش. مع اقرارنا المبرر الموضوعي لحرب داعش بالنسبة لثورتنا ومصلحة شعبنا. فهم قد أوغلوا بالدم السوري. ولكن مع ادراكنا ان اصل المشكلة والحل هو استبداد النظام واسقاطه.. انهم مع ترك جبهة الصراع مع النظام تراوح مكانها بين نصر جزئي وهزيمة جزئية

تاسعا. هناك على الأرض محاولات ميدانية جادة لتوحيد الثورة عسكريا. من ايام ميثاق الشرف وحتى مبادرة واعتصموا لخلق مجلس قيادة ثورة حقيقية . وغيرها من الأعمال لتصنع رؤية سياسية للثورة وان ترتبط بأجندة الشعب ومصلحته.. وهناك ايضا عمل استخباري متواصل لضرب بنى القوى الثورية . ويعتبر التفجير الذي استشهد به أغلب قيادات حركة أحرار الشام بما فيها من عمل استخباري واختراق كبير . واثرة مع ما سبقه وما لحقه من اغتيالات وتجفيف منابع الإمداد عن بعض المجموعات.. يعني ان مسرح العمل العسكري للثورة السورية مهيأ لحصول تغيرات نوعية يكون مواكبا لإرادة القوى المانحة باولوية صراع داعش.. والبحث عن حل ما مع النظام الاستبدادي السوري

.اخيرا. إن الثورة السورية عسكريا في مأزق حقيقي. وان ثوارنا بحاجة لوقفة مع الذات ومراجعة حصيلة السنوات السابقة. والعمل الجاد لاسترداد القرار ليكون بيد ثوارنا السوريين. وأن يكون التعامل مع المانحين ندّيا. وأن نتوافق مع المانحين ان اصل بلاءنا هو النظام المستبد .وأن معركتنا هي معه ومع داعش أيضا لكونها أحد منتجاته الموضوعية بالمباشر والغير مباشر.. وان استهداف قادة الثورة . خطر يستوجب الحيطة والحذر والتعامل الجدي مع ذلك. وان تقدمنا الرائع في بعض الجبهات  سابقا وترجعنا المؤلم بعد ذلك بحاجة لجواب شافي اين الثوار.؟!. ولماذا ينسحبوا .؟!.ولماذا نحن بين كر وفر .؟!. وكأن قدرنا أن لا نتقدم أبدا.. واصبحنا نخاف من انتصاراتنا وما يليها من هزائم لا تُفهم.. إلا بأننا نتحرك وفق امداد الداعم واوامرة لقيادات المجموعات.. هل أصبحنا أدوات الغير في ثورتنا ولعبة الدم في شعبنا.. نتمنى ان لا نصل لهذا الاستنتاج أو هذا المصير

لم يعد أمامنا وقت نضيّعه .. وشعبنا ينتظر من ثواره الكثير .. ضعوا الشعب أمام الحقائق وتقدموا للمطلوب دون مواربة.. وتكونوا واضحين وضوح الدم السوري النازف في معركة الحرية والكرامة والعدالة وتحقيق الدولة الديمقراطية لشعبنا السوري العظيم

14.9.2014…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى