عاش سكان العاصمة السورية دمشق مساء الاثنين، ليلة عصيبة، حسبما وصفتها مصادر محلية، مع معاودة الطيران الإسرائيلي ضرب أهداف عسكرية تابعة لقوات النظام وأخرى للإيرانيين، في مشهد يؤكد أن غالبية مواقع الحرس الثوري الإيراني في الجنوب السوري باتت هدفاً للطيران الإسرائيلي، الذي قصفها بعد أيام قليلة من توقيع النظام السوري اتفاق “التعاون العسكري الشامل” مع الجانب الإيراني، والذي ينصّ في أحد بنوده على تطوير أنظمة الدفاع الجوي التابعة للنظام. وكانت وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” قد أفادت بأنه “في تمام الساعة 21.48 من يوم الإثنين، قام طيران العدو الإسرائيلي من فوق الجولان السوري المحتل بتوجيه رشقات عدة من الصواريخ باتجاه جنوب دمشق، وتصدّت لها وسائط الدفاع الجوية وأسقطت غالبيتها، واقتصرت الخسائر على الماديات”. كما أوضح موقع “صوت العاصمة” المختص بنشر أخبار دمشق وريفها، أن المواقع المستهدفة بالقصف الإسرائيلي هي محيط مطار دمشق الدولي، ومقر قيادة الفرقة الأولى في مدينة الكسوة، وجبل المانع بمحيط مدينة الكسوة، ومعامل الدفاع الاحتياطية قرب بلدة الهامة. ونقل الموقع عن شهود عيان، قولهم إن الحرائق التي شُوهدت في محيط حي المزة من جهة المطار، ناجمة عن سقوط صاروخ دفاع جوي للنظام السوري بعد انطلاقه مباشرة، فضلاً عن تساقط شظايا الصواريخ المنفجرة في بعض أحياء أشرفية صحنايا جنوبي العاصمة السورية.
من جهته قال محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في موقع “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي، رون بن يشاي، إنه يمكن الافتراض أن الهجمات الإسرائيلية على مواقع سورية قرب مطار دمشق الدولي، استهدفت بالأساس منظومات دفاع جوية وصلت إلى سورية في رحلات شحن من إيران، وأنه من المحتمل أيضاً أن تكون هذه الشحنات شملت أيضاً أجهزة وعتادا لتحسين دقة الصواريخ الموجودة بحوزة حزب الله. تحذير مبكر ولفت بن يشاي إلى ما كانت مصادر وتقارير لبنانية أكدته عن قيام طائرات إسرائيلية وطائرات مسيّرة بالتحليق في الأجواء اللبنانية وفي منطقة البقاع، بالقرب من الحدود اللبنانية السورية، في ساعات النهار، مما يوحي بأنه كان تحذيراً إسرائيلياً للسوريين والإيرانيين من مواصلة نقل هذه الأسلحة إلى سورية ولبنان. وكشف أن دولة الاحتلال أغلقت على أثر هذه الهجمات المجال الجوي فوق أراضي الجولان على ارتفاع أكثر من 1500 متر أمام الطيران المدني، لمدة عشرة أيام. وربط بن يشاي بين هذه الهجمات وبين زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري وتوقيعه مع وزير الدفاع السوري علي عبدالله أيوب، على الاتفاقية العسكرية بين إيران والنظام السوري، التي تعهّدت إيران بموجبها تزويد سورية بمنظومات دفاعية جوية وصواريخ أرض – جو لتحسين قدرات النظام على مواجهة الغارات الإسرائيلية. وأضاف أنه من المحتمل أن تكون شحنات الأسلحة والعتاد التي وصلت إلى سورية في الأيام الأخيرة مرتبطة بهذا الاتفاق. وأشار إلى أن طائرة الشحن الإيرانية “إي بي ـ أف إيه بي” من نوع “بوينغ 747” التابعة لشركة “طيران فارس قشم”، التي تعمل في خدمة الحرس الثوري الإيراني، قد أقلعت من طهران، أمس الأول، وحطت في مطار دمشق الدولي في السابعة صباحاً، ثم أقلعت الطائرة بعد سبع ساعات عائدة إلى طهران. وحصلت الغارات الإسرائيلية الجديدة بعد نحو ثلاثة أشهر على آخر استهداف، شمل عدداً كبيراً من المواقع العسكرية للنظام السوري والمليشيات الإيرانية في حينه.
ومن اللافت أن الضربات الإسرائيلية الجديدة، جاءت بعد أيام من توقيع وزارة الدفاع في حكومة النظام اتفاق تعاون عسكري شامل مع وزارة الدفاع الإيرانية، يتضمن تطوير أنظمة الدفاع الجوية السورية. مع العلم أن الحرس الثوري الإيراني ينشر عدداً من المليشيات التي يشرف عليها خبراء عسكريون إيرانيون في جنوب سورية، خصوصاً في دمشق ومحيطها وفي محافظة درعا، بالقرب من المثلث الحدودي ما بين سورية والأردن وفلسطين المحتلة. ووفق مصادر مطلعة في فصائل المعارضة السورية، فإن الحرس الثوري يسيطر على جانب من مطار دمشق الدولي، لضمان نقل الذخائر والمعدات العسكرية من طهران إلى دمشق ومنها إلى المليشيات في سورية والى حزب الله اللبناني. وأشارت المصادر إلى أن قيادة الحرس الثوري تتخذ من مبنى معروف بـ “البيت الزجاجي” في الجهة الشمالية الغربية من المطار مقراً لها، وهو المبنى نفسه الذي تعرّض لقصف إسرائيلي مرات عدة في العامين الماضيين. “البيت الزجاجي” وفي دراسة نشرها مركز “حرمون” للدراسات، في مايو/أيار الماضي، ذكر الكاتب السوري المختص في الشؤون العسكرية العقيد خالد المطلق، أن “البيت الزجاجي” بناء “يتألف من 180 غرفة موزعة على خمسة طوابق: الأول والثاني فوق الأرض والباقي تحت الأرض، والطابق الأخير تحت الأرض يحوي خزائن مليئة بملايين الدولارات التي تنقل جواً من طهران. ويحتوي الطابق قبل الأخير تحت الأرض على مستشفى لعلاج كبار القادة. والمبنى محصّن بجدران مضادة للانفجار، ويحرسه حوالي ألف عنصر مسلح”. وكشف أن قاعدة الكسوة جنوبي دمشق، والتي تعرضت هي الأخرى لقصف إسرائيلي أكثر من مرة “تعدّ المقرّ الرئيس لقيادة الأعمال القتالية للقوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها العاملة جنوبي دمشق”، موضحاً أنها “تتألف من 20 مبنىً أغلب طوابقها تحت الأرض، وهي مركز رئيس لتخزين الصواريخ أرض – أرض المتوسطة والبعيدة المدى”. ومن المعروف أن منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق هي منطقة نفوذ إيرانية، وتنتشر فيها مليشيات إيرانية وعراقية في ظل غياب مدني وعسكري للنظام عن المنطقة بشكل كامل. ولفتت المصادر إلى أن الإيرانيين ينتشرون في مواقع عدة داخل محافظة درعا، خصوصاً في منطقة اللجاة، وفي مقرات عسكرية تابعة لقوات النظام، منها مقر الفرقة الخامسة في بلدة ازرع، والفرقة التاسعة في منطقة الصنمين، إضافة الى منطقة تل الجموع، وتل الحارة، وتل الثعالب، وفي المنطقة التي تُعرف بـ “مثلث الموت”، التي تربط بين ريف درعا الشمالي وريف دمشق الجنوبي الغربي والقنيطرة.
المصدر: العربي الجديد