مر أكثر من أسبوعين على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية والقيادي العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر، حدثت خلال هذه الفترة هزات أرضية وتطورات أمنية في الإقليم، لكن لم يأت بعد الرد الإيراني المنتظر. في هذه الفترة الفاصلة منذ 31 تموز/يوليو الماضي، قتلت إسرائيل 20 عنصراً من “حزب الله” وشنت غارات على قضاء صور أدت إلى أكثر من 30 جريحاً واغتالت القيادي في حركة “حماس” سامر الحاج في صيدا، كما ارتكبت مجزرة التابعين في غزة في 10 آب/أغسطس، كما قام المستوطنون باعتداءات دموية في الضفة الغربية وقام الجيش الإسرائيلي بحملة اعتقالات وأدت نيران الاحتلال يوم 9 آب إلى مقتل 14 فلسطينياً في الضفة الغربية خلال 24 ساعة، كما شن الجيش الإسرائيلي غارة في 8 آب على المنطقة الوسطى في سوريا عبر شمال لبنان.
إذاً، حتى انتظار الرد الإيراني لم يردع إسرائيل. “حزب الله” قصف مواقع عسكرية في الجليل عبر صواريخ ومسيّرات، وقصف بالكاتيوشا مستوطنتي شامير وكريات شمونة كما استهدف عبر سرب مسيرات قاعدة محفاة آلون رداً على اغتيال سامر الحاج، بالإضافة إلى استهداف تجهيزات تجسسية إسرائيلية على الحدود. الصواريخ التي أطلقتها “حماس” لم تصل إلى أهدافها في تل أبيب، كما كانت هناك أحداث منعزلة في الضفة الغربية استغلتها إسرائيل لتعزيز سطوتها على الضفة. الواقع أن إيران، نتيجة عدم تفوقها الجوي وبعدها الجغرافي، غير قادرة على استهداف إسرائيل جوياً بطريقة فعالة وموجعة، أكان عبر طائرات مقاتلة أو مسيرات أو صواريخ بالستية.
“حماس” فقدت جزءاً كبيراً من قدراتها على إطلاق الصواريخ على إسرائيل. الطرف الوحيد الذي لديه القدرة والإمكانية وسرعة التحرك هو “حزب الله”. هذا يعني أن على إيران اتخاذ قرار استراتيجي يجعل الحزب يتحمل عواقب المواجهة نيابة عن المحور الإيراني، ولا يبدو حتى الآن أن طهران ترغب بهذا الأمر.
الكلام الأوضح أتى عبر الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عبر ربط الرد الإيراني وحجمه بوقف إطلاق النار في غزة. كما قال الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار، بحسب الـ”وول ستريت جورنال”، أن المشاركة بالتفاوض الجاري في الدوحة هذا الأسبوع مرهونة بوقف إسرائيل عملياتها أولاً، فيما واشنطن تؤكد أن “حماس” مشاركة بالتفاوض عبر الوسيطين القطري والمصري. كما صرحت مصادر إيرانية إلى وكالة “رويترز” بأن التوصل إلى اتفاق وقف النار في غزة قد يؤخر الرد على اغتيال هنية. على هذا الأساس سارعت واشنطن إلى إعلان موعد لإعادة إطلاق المفاوضات في 15 آب ضمن مقاربة أميركية شملت إرسال بوارج إلى المنطقة لدعم إسرائيل والضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليتفاوض وتوجيه رسائل غير مباشرة إلى النظام الإيراني لتفادي التصعيد وإرسال كبار المسؤولين الأميركيين للتهدئة.
من ركائز السياسة الإيرانية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي كان ربط كل جبهات المحور المفتوحة بشكل محدود بمصير حرب غزة، أي أن الإقليم لن يهدأ قبل توقف الحرب على حركة “حماس”. حتى بعد قتل هنية وشكر، هذه الأولوية الإيرانية لم تتغير.
الرد الإيراني المتأخر يزيد التشويق ويزيد الخسائر الاقتصادية والمالية لإسرائيل بمجرد الانتظار ويترك مبادرة الرد في أيدي طهران. وبالتالي بدأ يظهر التباين حول اتفاق الهدنة في غزة بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في ظل ارتباك إسرائيلي في التحركات العسكرية العشوائية على الأراضي الفلسطينية واللبنانية. لكن هذا التأخر في الرد يضعف أيضاً، مع كل يوم تأخير، الانطباع حول قدرة النظام الإيراني على الردع بفعالية. السؤال هو إلى أي مدى النظام الإيراني قادر على استغلال الرد المحتمل والمنتظر للدفع نحو إعلان هدنة؟ وإذا لم ينجح بذلك ما هو حجم الرد وطبيعة الهدف بطريقة تتفادى المواجهة المباشرة التي لا تسعى إليها لا إيران ولا إسرائيل؟
لا يبدو أن نتنياهو جاهز لأي صفقة مع “حماس” قبل بداية العام المقبل وتسلم الإدارة الأميركية الجديدة الحكم، وحتى الآن يمارس هوايته في تضييع الوقت ولوم الآخرين على فشل المفاوضات. ليست الطابة فقط في ملعب إيران بل الخيارات الصعبة تبقى عندها بين ضرورات الرد الآني لإعطاء انطباع الردع وأولوية استيعاب الضربة مرة أخرى حفاظاً على مصالح النظام الإيراني على المدى الطويل.
هذا يعني أن هدف إيران الرئيسي لا يزال وقف الحرب على “حماس” لا ردع إسرائيل، والإدارة الأميركية تدرك هذا الأمر أكثر من غيرها، لكن النظام الإيراني لا يزال غير قادر على فرض الهدنة عبر فتح جبهات عدة محدودة ومتوازنة. هذا الضغط الإيراني على الأميركيين لم يكن فعالاً حتى الآن، بل زاد من خروج نتنياهو عن السيطرة، لأن ليس هناك تقييد أميركي لتحركاته ولا رادع إيراني لاعتداءاته.
المصدر: النهار العربي