حدث تطور مهم في الانتظار الطويل، المثير للأعصاب، في انتظار انتقام إيران وحزب الله من إسرائيل. اقتبست كالة “رويترز” ثلاثة أشخاص رفيعين في الجمهورية الإسلامية، قالوا بأن وقف إطلاق النار في غزة سيمنع إيران وشركاءها من الرد على عمليات الاغتيال الأخيرة في طهران وبيروت. إذا لم يتم التوصل إلى الصفقة وأطالت إسرائيل المفاوضات، فسيحدث هجوم مباشر.
تهديد إيران قبل عقد جولة المفاوضات في قطر، يطرح إمكانية منع الهجوم قبل أن يبدأ، وهكذا سيساهم في جهود أمريكا لعقد الصفقة. في الوقت نفسه، قد يفسره نتنياهو بأنه محاولة لدفعه إلى الزاوية وفرض الصفقة عليه بالشروط التي لا يوافق عليها. في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أمس عن تأجيل زيارته للمنطقة، التي خطط لها اليوم، إلى حين اتضاح الصورة. إعلان بلينكن يدل على مدى توتر الوضع واضرابه.
كل ذلك يحدث في الوقت الذي تعزز فيه الولايات المتحدة قواتها العسكرية في الشرق الأوسط وتهدد باستخدامها للدفاع عن إسرائيل إذا ما هوجمت. ما هو على كفة الميزان أثقل من جولة لكمات بين إسرائيل وإيران كما في نيسان الماضي. يمكن القول إن خطوات إيران وأمريكا الأخيرة تزيد مبلغ الرهان، في حال فشلت المحادثات أو نجحت.
والاستفزازات الداخلية تساهم هي أيضاً في التوتر؛ فقد قرر وزيران في “قوة يهودية” أمس زيارة الحرم، حيث كان معهم عشرات الزوار اليهود الذين أدوا الصلاة في المكان خلافاً للوضع الراهن. استفزاز اليمين المتطرف في الحرم جرى في السابق كذريعة لتصعيد إقليمي. سارع نتنياهو وأصدر بياناً قال فيه إن الوضع الراهن في الحرم سيتم الحفاظ عليه، وهو غير مرهون بسياسة خاصة لبعض الوزراء. عملياً، رجال الشرطة في القدس خاضعون لوزير الأمن الوطني بن غفير، ويتعاونون مع استفزازاته الخطيرة هذه التي قد تؤثر بشكل سيئ على صفقة التبادل.
إن مرور أسبوعين على اغتيال فؤاد شكر في بيروت وإسماعيل هنية في طهران، تدل على أن القادة في إيران وفي حزب الله يجدون صعوبة في اتخاذ قرار حول طبيعة الرد ويخافون من نتائجه. إسرائيل تستمر في التهديد بخطوات شديدة إذا أصيب مدنيون أو تضررت مواقع حساسة.
المراسلون المتحدثون بلسان السلطات هنا يطلقون إشارات حول مس محتمل بصناعة النفط في إيران. إن قصف ميناء الحديدة في اليمن الشهر الماضي تسبب بضرر كبير لمواقع نفط الحوثيين. وثمة خوف إيراني من تنفيذ نتنياهو لحلمه القديم، جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية ضدها، بشكل يعرض المشروع النووي للخطر.
ممثلو دول الوساطة قد يتناقشون غداً في الدوحة مع الوفد الإسرائيلي وممثلي حماس، رغم أنها ما زالت تضع العقبات. حسب “رويترز”، إيران معنية بإرسال ممثل خاص إلى قطر لإجراء محادثات خلف الكواليس. يجب القول مرة أخرى بأنه لا توجد أي انعطافة في المحادثات حتى الآن، رغم جهود الولايات المتحدة. وكلما امتد الوقت يموت مزيد من المخطوفين في أسر حماس. “هم لا يعانون، بل يموتون”، قال مصدر أمني، وتطرق إلى أقوال قالها نتنياهو في الكابنت: “هم يعانون، لكنهم لا يموتون”، وهي الأقوال التي تم نفيها فيما بعد.
أول أمس، قال متحدث بلسان حماس في بيان استثنائي، إن أحد الحراس قام في الفترة الأخيرة في حادثتين منفصلتين بقتل أسير، وأصاب مجندتين إصابة بليغة. لم تعط أي تفاصيل أخرى. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي قال إنه يتم فحص التقرير، وأن التفاصيل غير معروفة لجهاز الأمن.
هذا ادعاء قد يكون تلاعباً استهدف الضغط على إسرائيل من جهة أخرى قبل عقد القمة. ولكن يصعب أيضاً استبعاده، أو تجاهل أن الفوضى في القطاع والظروف الفظيعة التي يحتجز فيها المخطوفون، تعرض حياتهم للخطر. يدرك جهاز الاستخبارات أن وضع بعض المخطوفين صعب. وثم شك في بقائهم على قيد الحياة لفترة طويلة.
تحرص الإدارة الأمريكية على نثر التفاؤل قبل القمة في محاولة للدفع بالمفاوضات قدماً حتى قبل عقد مؤتمر الحزب الديمقراطي الإثنين القادم. ولكن عملياً، لا يوجد أي علامات مشجعة من إسرائيل. تحت الضغط الذي استخدمه عليه الأمريكيون اضطر نتنياهو لإرسال الوفد إلى قطر. حسب علمنا، هو لم يزود الوفد بهامش مناورة كبير بشكل واضح.
طلب حماس الحاسم يتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من ممر نتساريم والسماح لسكان شمال القطاع بالعودة إلى أماكنهم (البيوت في معظم الحالات مدمرة). تقريباً 1.9 مليون فلسطيني يتجمعون في المنطقة الإنسانية في المواصي جنوبي القطاع في ظروف حياة قاسية. الأزمة تخلق ضغطاً كبيراً على رئيس حماس السنوار لحل المشكلة، لكنه مرهون بموافقة نتنياهو الذي يطالب بترسيخ آلية تضمن عدم عودة المسلحين إلى شمال القطاع.
يعتقد جهاز الأمن الإسرائيلي أنه يمكن التنازل عن هذه النقطة، وأنه لا يوجد في متناول اليد حل تكنولوجي يمكن من الرقابة في موازاة وقف إطلاق النار وتحرير المخطوفين. في هذه الأثناء، لا توجد أي إشارة على المرونة في مواقف نتنياهو. هامش الاحتمالية بخصوص محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر أكبر، لكن لم يتم هناك التوصل إلى أي تفاهمات.
استقبل الجمهور الإسرائيلي معركة مماطلة نتنياهو بلامبالاة. رويداً رويداً في الشهر الـ 11 للحرب، نقوم هنا بتطبيع كل شيء: موت المخطوفين في الأسر، واستمرار إطلاق النار من الشمال، وفترة الإخلاء الطويلة لسكان غلاف غزة والمنطقة الشمالية، وغياب الشرعية الدولية لعمليات إسرائيل، التي تمت مهاجمتها بشكل وحشي في 7 تشرين الأول، والأضرار الاقتصادية الآخذة في التراكم.
لا توجد سياسة
يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 18 على حرب لبنان الثانية. هذه الحرب انتهت بعد 34 يوماً بقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن. وقد نص هذا القرار، ضمن أمور أخرى، على انسحاب مقاتلي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وأن الوجود العسكري الوحيد جنوب هذا الخط سيكون للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة “اليونفيل”. على طول الحدود، تم الحفاظ على الهدوء النسبي بشكل عام حتى تشرين الأول الماضي. ولكن حزب الله لم ينفذ القرار. رجاله الذين كانوا بدون زي عسكري في البداية ثم بحضور مكشوف واستفزازي في السنوات الأخيرة، بقوا في جنوب لبنان، وبالتدريج اقتربوا من الحدود. إسرائيل من ناحيتها خرقت سيادة لبنان بالطلعات في سماء الدولة خلافاً لهذا القرار.
على فرض أن تبادل اللكمات المتوقع بين إسرائيل وحزب الله سيبقى تحت نسبة الحرب، فإن استمرار الوضع القائم لا يعطي أي حل للسكان على الحدود مع لبنان. بقي أسبوعان تقريباً على افتتاح السنة الدراسية الجديدة. ولن يتم فتح المدارس في الشمال، ولا أفق لأي موعد.
ثمة حلول محتملة للوضع الحالي: الأول، صفقة في الجنوب تشمل وقف إطلاق النار في الشمال وتبعد رجال حزب الله، لكنها لا تضمن إزالة التهديد على البلدات الحدودية. الثاني حرب شاملة مقرونة بخسائر كبيرة في الجبهة الداخلية. ولا يقين بأن الوضع سيكون أفضل عند انتهائها.
ليس للحكومة سياسة واضحة بخصوص الشمال، باستثناء إطالة الوقت. وحتى الآن، يستمر نتنياهو في التركيز على غزة كي يضمن النصر المطلق الفارغ من المضمون، ويتجاهل ما يحدث في الشمال. لم تتنازل الإدارة الأمريكية حتى الآن عن جهود التهدئة في المنطقة. ولكن كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية سيكون أقل تفرغاً للانشغال بذلك.
المصدر: هآرتس /القدس العربي