إلى جانب انتظار “الحالة الحربية” والتي تتسم بالضباب على مستوى المنطقة، بانتظار الردّ والردّ المضاد، وما بينهما من مساع دولية وديبلوماسية لمنع انفلات الأوضاع.. تتواصل الاتصالات بحثاً عن وقف لإطلاق النار في غزة، يكون مقدمة لسحب فتيل التصعيد الإقليمي. أصبحت هذه لازمة أميركية تتكرر على ألسنة كل المسؤولين، آخرهم الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، اللذان يؤكدان رفضهما لتوسيع الحرب، وأن المدخل لها هو وقف لإطلاق النار في غزة. لم تتوقف الاتصالات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية على أكثر من خط. عسكرياً، حول كيفية تخفيف الضربة الإيرانية لعدم إعطاء ذريعة لنتنياهو بالتصعيد. وسياسياً، في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة. وهو ما يطالب به الإيرانيون باستمرار.
إحياء التفاوض
في هذا السياق، تكشف مصادر ديبلوماسية أن الأميركيين أكدوا للمسؤولين الإيرانيين أنهم يسعون مجدداً بقوة للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في غزة. ذلك لا ينفصل أيضاً عن التفكير بمرحلة ما بعد الحرب، وما بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية، خصوصاً أنه مع اختيار الرئيس الجديد ستتحدد ملامح كثيرة. هنا تبرز مجموعة اتصالات، أولها ثلاثية بين طهران، واشنطن والدوحة. وثانيها، اتصالات مع دول وجهات عربية وغربية أخرى في سبيل تجنب التصعيد ومنع وقوعه.
جانب من المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين يحاول إحياء التفاوض على ملفات متعددة في المنطقة بما فيها الملف النووي، على الرغم من فترة الانتخابات الأميركية، وسط تقاطع بين إدارة بايدن وطهران على توفير ظروف وفرص لنجاح المرشحة الديمقراطية كاملا هاريس. هناك من ينظر إلى أي نجاح إيراني أميركي في ضبط الوضع في المنطقة والوصول إلى وقف لإطلاق النار، وإعادة إحياء مسار المفاوضات النووية، يمكنه أن يسهم بشكل كبير في تعزيز حظوظ هاريس، ما يبقي المسار الأميركي الإيراني مفتوحاً.
غياب عربي
وسط كل هذه التطورات، يبرز غياب عربي شبه كامل، باستثناء الدور الذي تضطّلع به قطر على خطّ غزة، وعلى خط طهران واشنطن. في مقابل دور مصر المعني مباشرة بالوضع في القطاع والسعي إلى وقف لإطلاق النار. بينما برزت في الأيام القليلة الماضية زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى طهران. وتعددت التفسيرات والتسريبات بين إمكانية نقله رسائل بين واشنطن وطهران، علماً انه نفاها. في المقابل، تفيد المعطيات إلى أن الأردن يريد تحييد نفسه عن أي مواجهة إسرائيلية إيرانية قد يكون مسرحها الأجواء الأردنية.
لبنان إحدى ساحات انعكاس كل هذه التطورات في المنطقة. فهو معني مباشرة بالصراع وبردّ حزب الله. علماً أن الهدف الاستراتيجي لدى الحزب هو وقف الحرب على غزة، ما ينعكس مباشرة على لبنان لتجنب الحرب. وبعدها، يُترك المجال أمام المفاوضات السياسية الموسعة.
لا يمكن فصل مسار الحزب عن المسار الإيراني في هذا المجال، علماً أن لبنان أيضاً يشهد غياباً عربياً كاملاً، لا سيما بعد انتهاء مفاعيل عمل اللجنة الخماسية، وما بعد غياب الجامعة العربية، إثر زيارة الأمين العام المساعد حسام زكي.
يبقى هناك دور لقطر التي كانت مضطلعة بعملها ضمن اللجنة الخماسية، وبالسعي للوصول إلى اتفاق حول القرار 1701 بناء على طلب الأميركيين بالمساعدة. بالإضافة إلى مصر التي لا تزال تحاول أن يكون لها دور وتأثير من خلال مواقفها ومن خلال اتصال وزير الخارجية المصري بالمسؤولين أو بزيارة وزير الخارجية اللبناني إلى القاهرة.
التعاطف الشعبي
أمام هذه الوقائع، يبقى لبنان بين حالة الحرب واللاحرب، وسط تموضعات جديدة على المستوى السياسي، أولاً من خلال التعاطف الشعبي مع حزب الله في مواجهة إسرائيل. وهو ما ينعكس سياسياً بمجالات مختلفة، أبرزها موقف رئيس الحزب التقدمي السابق وليد جنبلاط، الذي ينسج كل خيوط التفاهم مع الحزب. وهذا ما من شأنه أن يحرّك ركوداً سياسياً كان قائماً، لا سيما على خطّ العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، بعد التقارب الذي حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار جبران باسيل. الظروف الحالية تدفع بالطرفين إلى التقارب أكثر من بعضهما البعض، لا سيما في ظل مشهد تقارب سياسي شيعي مع السنّة، والدروز، وبالتالي لا يمكن للمسيحيين أن يكونوا خارجه، خصوصاً بالنسبة إلى حزب الله والتيار الوطني الحر، في ظل الموقف الانقسامي الحاد الذي تتخذه القوات اللبنانية وحزب الكتائب.
هذه مشهدية، يمكنها أن تتماشى مع طروحات دولية وإقليمية عديدة حول مسألة التوازن السياسي المبني على الواقعية. خصوصاً في حال كان هناك إصرار على الاستمرار في المساعي للوصول إلى تفاهم إيراني أميركي، يُبنى على وقف الحرب على غزة وإعادة تفعيل المسارات السياسية. فلا بد لذلك حينها أن ينعكس على لبنان سياسياً أيضاً، من خلال العمل على إعادة إنتاج تسوية بين القوى المختلفة.
كل ذلك أصبح مرتبطاً بوقف النار في غزة وانسحابه على جنوب لبنان. كما يرتبط بمحاولة تطويق ما يسعى إلى افتعاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو إما استدراج الجميع إلى الحرب واسعة أو استمرار حرب الاستنزاف في ساحات مختلفة، ما يبقي كل الاستحقاقات معلّقة.
المصدر: المدن