في الأول من تموز/ يوليو 2024، شهدت منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي احتجاجات عنيفة ضدّ مؤسسات المعارضة السورية والدور التركي في سورية، وأسفرت هذه الاحتجاجات عن تطوّرات مهمّة وتغيرات تستدعي القراءة والتفسير. يهدف هذا التقدير إلى استعراض التطورات التي شهدتها المنطقة خلال الفترة من 1 إلى 20 تموز/ يوليو، وتحديد أسباب هذه الاحتجاجات، والقوى المشاركة فيها، إضافة إلى توقع ردود الفعل التركية المحتملة، واستشراف مآلات هذه الاحتجاجات.
تطورات الأحداث
في مساء الأول من تموز 2024، شهدت منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي موجة من الاحتجاجات بشكل غير متوقع؛ حيث تجمّع مئات المحتجين على نحو متزامن، في مدن عدة (جرابلس، الباب، مارع، صوران، إعزاز، عفرين، أخترين، وقباسين.. وغيرها)، وفي أثناء التجمعات أزال بعض المحتجين العلم التركي من مبانٍ حكومية عدة، مثل مبنى النفوس في إعزاز، ومبنى السرايا في إعزاز وعفرين، ومقرّ القيادة العسكرية في إعزاز، وأُغلقت مؤسسة البريد التركي (PTT)، وأُخرج منها الموظفون، وتعرّضت بعض الشاحنات التركية لعملية هجوم وتخريب[1]. وشملت الاحتجاجات أيضًا المعابر الحدودية مع تركيا، مثل معبر باب السلامة ومعبر جرابلس.
وبخصوص الأوضاع في عفرين، فقد تفاقمت الأمور كثيرًا، حيث شهدت المنطقة صدامات مسلّحة على أبواب مقرّ الوالي، أسفرت عن سقوط عددٍ من القتلى[2]، في حين شهدت إعزاز اقتحامًا لمديرية أمن المدينة من قبل المتظاهرين، بدعمٍ من لواء عاصفة الشمال، حيث طُرد الضباط والجنود الأتراك من المبنى، وتولت قيادة عاصفة الشمال إدارة المديرية.[3]
نتيجة لهذه الاحتجاجات، أغلقت تركيا جميع المعابر مع سورية، ومنها معبر باب الهوى في منطقة سيطرة هيئة تحرير الشام، وقطعت الاتصالات وشبكة الإنترنت عن معظم مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي[4]، وقال وزير العدل التركي يلماز تونج إن مكتب المدّعي العام في أنقرة فتح تحقيقًا في حادثة الاعتداء على العَلَم التركي بشمالي سورية[5].
في الثاني من تموز/ يوليو، شهدت المنطقة هدوءًا عامًا وحذرًا[6]، على الرغم من تشييع القتلى الذين سقطوا في اليوم السابق، ولم تُسجل أي حوادث خطيرة في هذا اليوم. وأعيد تفعيل معبر جرابلس جزئيًا. هذا الهدوء أرخى بظلاله على معظم نواحي الحياة، خصوصًا الاقتصادية، حيث سادت حالة من الجمود في الأسواق المحلية طوال الأسبوع الأول من تموز.
في الثالث من تموز/ يوليو، أعيد رفع العلم التركي في معبر السلامة وفوق مبنى السرايا في عفرين، وبدأت حملة اعتقالات استهدفت المتظاهرين الذين أنزلوا العلم التركي وهاجموا مكتب الوالي في السرايا بعفرين. وأصدرت معظم الجهات الفاعلة، مثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والحكومة السورية المؤقتة والمجلس الإسلامي السوري والفصائل العسكرية، بيانات سياسية توضّح موقفها مما جرى.
في السادس من تموز/ يوليو، شهدت المنطقة تأطيرًا للاحتجاجات، من خلال البدء في ما سُمّي “اعتصام الكرامة”، حيث بدأت بعملية اعتصام مفتوح في كلّ من إعزاز وعفرين. وقد عرّف الاعتصام نفسه بأنه “حراك شعبي ثوري نُظّم ردًّا على الدعوات التركية لفتح معبر أبو الزندين، ودمج المعارضة مع نظام الأسد والدعوات للتطبيع معه، دون أي ردة فعل من المعارضة الرسمية، كما جاء الاعتصام ردًا على التصرفات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا”[7].
في السابع من تموز/ يوليو، أعيد تفعيل شبكات الاتصال وجميع المعابر الحدودية، وبدأ الجانب التركي عقد اجتماعات مع الفصائل العسكرية وممثلي المجتمعات المحلية. وفي العاشر من تموز/ يوليو، أصدر القائمون على اعتصام الكرامة بيانًا يوضح مطالبهم، وقد تضمّن جملة من المطالب[8]: فتح تحقيق قضائي في حوادث إطلاق النار على المتظاهرين؛ رفض التطبيع ومنع فتح المعابر؛ تحديد دور الحليف التركي بالتواجد ضمن القواعد العسكرية وعدم التدخل في إدارة المنطقة؛ وقف حملات الكراهية ضد اللاجئين السوريين في تركيا؛ إلغاء الائتلاف والمؤسسات المنبثقة منه؛ العمل على تشكيل هيئة عليا لقيادة الثورة.
وفي الثاني عشر من تموز/ يوليو، انطلقت تظاهرة في مدينة إعزاز، واتجهت نحو مقر الائتلاف في المدينة، حيث نزعت رايات الائتلاف، وأخرجت الموظفين من المبنى وسيطرت عليه.
الأسباب التي أدّت إلى الاحتجاجات:
يمكن القول إن هناك مجموعة من الأسباب التي أدّت إلى احتجاجات الأول من تموز، وهي:
أولًا: وجود حالة استياء من الطريقة التركية في إدارة المنطقة[9]، إذ ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة احتجاجات واعتصامات[10]، وإن لم تكن شاملة. ويُعتقد أن الفشل الإداري في المنطقة يعود إلى عوامل عدة، وقد تضمنت بعض البيانات الصادرة إشارات واضحة لرفض دور المنسقين الأتراك المسؤولين عن إدارة بعض الملفات.
ثانيًا: تصاعد الغضب الشعبي نتيجة الأحداث العنصرية في تركيا، حيث تصاعدت حوادث العنصرية، ولا سيما أحداث قيصري، ضدّ اللاجئين السوريين في تركيا[11].
ثالثًا: تزايد الشعور المحلي بخطورة مسار تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، على مصير المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سورية، وقد شهدت هذه المنطقة احتجاجات سابقة تزامنت مع تصريحات المسؤولين الأتراك حول تطبيع العلاقات مع النظام أو دمج مؤسسات المعارضة مع مؤسسات النظام[12].
رابعًا: تزايدت قناعة بعض الفصائل العسكرية في المنطقة بأن هناك سياسة تركية تهدف إلى تقليص دورها، لصالح تعزيز أدوار فصائل أخرى أكثر قربًا من تركيا، ومن أبرز هذه الفصائل الجبهة الشامية وحركة التحرير والبناء.
خامسًا: الأوضاع الاقتصادية المتردية في المنطقة، التي تأثرت كثيرًا بانخفاض حجم التمويلات الدولية نتيجة لقضيتي أوكرانيا[13] وغزة، إضافة إلى انعكاسات الاضطرابات الاقتصادية التي تعيشها تركيا، ولا سيما على مستوى قيمة العملة.
السمات العامة للاحتجاجات
إن فهم الاحتجاجات يُسهم كثيرًا في القدرة على تفسيرها وتحديد مستقبلها. وفي هذا السياق، من المهم تحديد السمات التالية التي رافقت الاحتجاجات:
- انطلاق الاحتجاجات بشكل مفاجئ ومتزامن، في العديد من المراكز المدنية في ريف حلب الشمالي والشرقي، يشير إلى وجود نوع من التنظيم أو التنسيق في إطلاق هذه الاحتجاجات.
- اتسام الاحتجاجات بممارسات وسلوكيات جديدة على المنطقة، مثل إنزال العلم التركي وطرد الموظفين الأتراك والسيطرة على بعض المراكز الأمنية التي يشغلها الأتراك داخل بعض المدن.
- حالة الهدوء العام في الثاني من تموز، رغم العنفوان الكبير والأحداث المتسارعة في مساء الأول من تموز، تشير إلى وجود إرادة لدى القوى الداعمة للاحتجاجات بالعودة نحو حالة الهدوء.
- تحول الاحتجاجات إلى شكل تنظيمي ومستمرّ -من خلال تأطيرها ضمن اعتصام الكرامة- لا يعني بالضرورة أن احتجاجات الأول من تموز واعتصام الكرامة متطابقان بنيويًا، من حيث القوى السياسية الفاعلة أو من حيث الأهداف والغايات، بالرغم من وجود تقاطعات كثيرة بينهما.
- اختلاف صيغ البيانات الصادرة عن الفصائل[14]، حيث يمكن ملاحظة تشابه في البيانات الصادرة عن كل من الفيلق الثاني والقوة المشتركة، من حيث إدانة أعمال العنف العنصري، والتشديد على الأخوّة مع الأتراك، ورفض بعض السلوكيات التي ظهرت في الأول من تموز. ويظهر في بيان الجبهة الشامية إيحاءٌ بدعمها الاحتجاجات، من دون الإشارة إلى طبيعة العلاقة مع تركيا.
القوى المؤثرة في الاحتجاجات
يصعب تفسير النشاط السياسي دون توضيح طبيعة القوى السياسية التي أسهمت في إطلاقه ودعمه وضمان استمراره. ومن الصعب حصر مجمل التحركات السياسية، التي شهدتها منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي بعد الأول من تموز، في جهة سياسية واحدة. بل يمكن القول إنها نتيجة تحالف مراكز قوى سياسية عدة وجدت أن اللحظة مواتية للحركة والفعالية السياسية. وعلى الرغم من صعوبة وضع حدود واضحة بين هذه القوى، نظرًا لتداخلها في مستويات عدة وأدوار، فإن فرز هذه القوى وتوضيح طبيعة مراكزها الدافعة يسهم في فهم الصورة، ويُسهّل عملية التنبؤ بتحركاتها الحالية والمستقبلية، ويمكن القول إن أبرز القوى التي شاركت في الاحتجاجات وما تلاها من حراكات سياسية هي:
أولًا: الفصائل العسكرية المتحفّظة على السياسة التركية في المنطقة، وعلى رأسها الجبهة الشامية وحركة التحرير والبناء، وتشترك هاتان القوتان في أن تاريخ تشكيل فصائلهما يسبق الوجود العسكري التركي المباشر في سورية، وأن خطابهما السياسي يؤكد دورهما الريادي في حماية الثورة، وتعتبر هذه الفصائل من القلة التي لم تسهم في أي ممارسات رسمية واضحة لتجنيد سوريين للقتال خارج سورية، على عكس الفصائل الأكثر قربًا من تركيا. وإن قراءة هذه الفصائل لمجمل السياسات التركية تجاه الفصائل تشير إلى تخوفها من رؤية تركية تستهدف تحجيمها[15]، من خلال تجفيف مصادرها الاقتصادية عبر التحكم في المعابر[16]، وتخفيض حجمها العسكري من خلال دعم خروج بعض المجموعات العسكرية من هذه الفصائل والتحاقها بالفيلق الثاني والقوة المشتركة، وهو ما قد يفسر بقاء منطقة الراعي وبعض مناطق عفرين هادئة باعتبارها مركز ثقل لكلا من الفيلق الثاني والقوة المشتركة.
ثانيًا: القوى السياسية المحلية[17] التي لم تجد لها مساحة فعالية سياسية واضحة، فخلال الأعوام السابقة سعت بعض الشخصيات السياسية المحلية لإنتاج تجمعات سياسية محلية، مثل المؤتمر الثوري العام والكتلة الوطنية، ولعل المشترك بين هذه التجمعات هو السردية المبنية على عدم القناعة بفاعلية الأجسام السياسية للمعارضة، وضرورة وجود بديل محلّي استنادًا إلى مصطلح “شرعية الداخل”، ويمكن القول إن محصلة العمل السياسي لهذه القوى بعد تأسيسها تقارب من الصفر، لعدم قدرة هذه القوى على طرح نفسها كبديل واقعي، وذلك يعود لأسباب داخلية وخارجية.
ثالثًا: التنظيمات النقابية، ولا سيما تلك التي في حالة صراع مع الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة، مثل نقابة المحامين المركزية، وقسم مهمّ من المحامين الذين شكلوا فرع نقابة المحامين في ريف حلب، الذي حلّته وزارة العدل بعد جولات صراعية مع نقابة المحامين فرع حلب المدعومة من الحكومة السورية المؤقتة. وكانت النقابات الأخرى قد شاركت أيضًا في الأيام الأولى التي تلت الأول من تموز.
رابعًا: القوى الاجتماعية، كالعشائر وبعض رجال الدين الذين أسهموا في تحشيد بعض المواطنين للمشاركة في الاحتجاجات، وكان عملهم بناءً على تحفيزٍ من إحدى القوى السابقة.
خامسًا: المواطنون الرافضون للسياسات التركية، كالمرَحّلين من تركيا أو المتضررين من الطريقة التركية في إدارة المنطقة، ومنهم سائقو سيارات الشحن الذين تضررت مصالحهم وانقطعت مصادر رزقهم، بسبب القرار التركي بالسماح لسيارات الشحن التركية بإيصال البضائع مباشرة من تركيا إلى مستودعات المستوردين، بشكل مخالف لما كان سائدًا سابقًا، حيث كانت البضائع تنقل إلى شاحنات سورية، مما يوفر فرص عمل لعمال النقل وسائقي الشاحنات السوريين.
ردود الفعل التركية المتوقعة
شكّلت أحداث الأول من تموز صدمة لتركيا، ولا سيما على مستوى إدارة المنطقة أمنيًا، حيث تعرضت أبرز مواقع النفوذ التركية الأمنية، في كلّ من إعزاز وعفرين، لحوادث أدّت إلى تفريغ بعض هذه المواقع من الأتراك بالكامل. وقد لا يكون مستبعدًا أن تكون هذه الأحداث رسالةً، من بعض القوى الإقليمية والداخلية إلى تركيا، بأنها ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، وأن مسار التطبيع بين تركيا والنظام يجب أن يراعي مصالح هذه القوى.
لا تُعدّ احتجاجات الأول من تموز فريدة بالكامل، فقد تعرّضت تركيا لعددٍ من التحديات الأمنية واصطدمت مع بعض الفصائل سابقًا، وساعدها ذلك في تطوير تصوّر عام عن طريقة التعاطي مع هذه الأحداث، استنادًا إلى سجل تعاملها التاريخي السابق، ويمكن تحديد أبرز ملامحه بالخطوات التالية:
- تخفيض التوتر:في كل الحالات السابقة، كان يُتوقّع أن تقوم تركيا بردة فعل شديدة باستخدام القوة الصلبة لمعاقبة من يهدد المصالح التركية في شمال غرب سورية. ولكن التجربة التاريخية تشير إلى منحى معاكس، حيث تسعى تركيا لتهدئة الأوضاع والانفتاح على القوى المتصارعة معها، مع تركيزها على القوى العسكرية، واستبعاد الجانب المدني عن أي نقاش جاد. وفي هذا السياق، يمكن فهم بعض التصريحات التركية التي تعطي تطمينات حول مصير المنطقة والقوى الموجودة فيها، مثل عدم انسحاب تركيا العسكري من المنطقة[18].
- إعادة تقييم المؤسسات: خصوصًا المؤسسة الأمنية المحسوبة عليها، وهي الشرطة العسكرية والمدنية، حيث يُقيَّم دورها في الحوادث ومدى فاعليتها. وعادة ما ينتج عن التقييم إعادة توزيع المناصب، من خلال تكليف أشخاص جدد بإدارة مفاصل هذه المؤسسات، على اعتبار أن التقييم يشير إلى عدم نجاح هذه المؤسسات في تأدية أدوارها[19].
- إجراء تغييرات في الطاقم الأمني التركي المشرف على المنطقة:يُعدّ وقوع هذه الحوادث فشلًا لهذا الطاقم في ترتيب المنطقة أمنيًا، بما يتوافق مع المصالح التركية. ولا يُستبعَد أن تُنقل صلاحية إدارة الملف من جهاز المخابرات والجيش التركي إلى وزارة الخارجية، حتى يكون لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دور محوري في ملف شمال غرب سورية، نظرًا لتماسه المباشر مع هذا الملف، حين كان على رأس جهاز المخابرات التركية.
- إضعاف القوى المناوئة على المدى الطويل:صحيح أن تركيا لا تدخل في صراع مباشر مع هذه القوى، إلا أنها تعمل على المدى الطويل على إضعافها، لضمان عدم تشكيلها تهديدًا مماثلًا في المستقبل. وعليه، يُتوقّع أن تتجه تركيا نحو تحجيم دور كل من الجبهة الشامية وحركة التحرير والبناء.
مآلات الحراك
إن استمرار الحراك السياسي الحالي المتمثل في اعتصام الكرامة مرتبط بتوافر عوامل رئيسية هي:
- بقاء الظروف المولدة لبيئة الاحتجاج، مثل استمرار التصريحات التركية المرتبطة بمسار التطبيع، وزيادة عمليات التهجير القسري، ووقوع حوادث عنصرية في تركيا.
- تبني الاعتصام لمطالب سياسية جامعة تسهم في المحافظة على الزخم الشعبي خلف هذه المطالب.
- وجود تمويل يساعد في تغطية تكاليف الأنشطة السياسية التي سيدعو لها الاعتصام، فلا يتوقع لأي عمل سياسي الاستمرار من دون توفير موارد مالية، بغض النظر عن حجمها، تساعده في الاستمرار.
- استمرار دعم القوى السياسية المولدة للاحتجاجات لاعتصام الكرامة، لما لهذه القوى من قدرة على التأثير والحشد والتمويل.
العامل الأول يعدّ عاملًا خارجيًا يصعب التنبؤ به بالكامل، ولكن يمكن القول إن السياق العام في تركيا، مع تبنيها لقرار سياسي واضح في التطبيع، يشير إلى أن هذا العامل سيظل دافعًا لاستمرار الحراك السياسي. ومع ذلك، فإن العوامل التالية ستدفع باتجاه آخر.
فعلى مستوى القوى السياسية المتصدرة للاعتصام، تأتي مجموعات القوى السياسية المحلية في صدارة قيادة الاعتصام. تؤمن هذه القوى بأن أهم أهدافها السياسية تتمثل في إنهاء الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة، وإيجاد بديل سياسي محلي. ومع ذلك، لا يعتبر هذا المطلب في أعلى سلّم أولويات المجتمع المحلي الذي فقد الأمل بتلك المؤسسات، وقد يكون هذا المطلب محلّ عدم توافق مع قوى سياسية أخرى، مثل الفصائل والنقابات.
ومن ثمّ، إذا شعرت الفصائل العسكرية والتنظيمات النقابية والقوى الاجتماعية بأنّ القائمين على اعتصام الكرامة باتوا يسيرون في اتجاه لا يتوافق معهم، فقد يفضّلون الانفكاك عن الاعتصام، ولا سيما أن بعض القوى قد تجد في انفكاكها عن الاعتصام نوعًا من التهرّب من تحمّل مسؤولية الأحداث التي وقعت في الأول من تموز، وترك القائمين على الاعتصام في خط الصدام الأول مع تركيا.
إن اعتصام الكرامة لا يحمل في ذاته عناصر قوة بنيوية تسمح له بالاستمرار بالزخم السياسي الذي وجد في الأيام المباشرة التالية لاحتجاجات الأول من تموز، وإن مراجعة التجارب السياسية المحلية خلال السنوات الماضية تقدّم مؤشرات واضحة لصعوبة بناء تنظيم سياسي واضح وفعال، وبعيد عن الصراعات الداخلية والتداخلات الفصائلية المولدة للشقاق والمؤدية لأضعاف التجربة نفسها.
خاتمة
شكّلت احتجاجات الأول من تموز مفاجأة للسوريين في شمال غرب سورية ولتركيا أيضًا. وقد أسهمت مجموعة من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية في إطلاق هذه الاحتجاجات، وشاركت فيها مجموعة من القوى السياسية ذات المصالح والتوجهات المختلفة. هذه الاحتجاجات وما رافقها من حوادث ستفرض على تركيا ضرورة مراجعة طريقة إدارتها للمنطقة، مما يشير إلى احتمال إجراء تركيا جملة من التغييرات على المستويات الإدارية والأمنية والاقتصادية.
أما من حيث التمظهر السياسي لهذه الاحتجاجات، والمتمثل في اعتصام الكرامة، فيبدو أن العوامل التي تضعف زخمه وتقلل من قوته تفوق العوامل التي تزيد من قوته وزخمه، إلا إذا تدخلت عوامل جديدة. من بين هذه العوامل الجديدة، تلقي القوى المنظمة للاعتصام دعمًا من قوى سياسية واجتماعية جديدة، لها مصلحة في استمرار الاعتصام وتقويته، أو قيام تركيا بخطوات تدفع المواطنين في المنطقة إلى الالتفاف حول من يرفض السياسات التركية. وهذا لا يعني بالضرورة انتهاء الاعتصام، إذ يمكن أن يستمر بفضل نواته الصلبة من المؤيدين، ولكن قدرته على الحشد الجماهيري محدودة حاليًا، في ظل ابتعاد العديد من القوى التي كانت تدعمه سابقًا.
[1] حباء شحادة، حرق للشاحنات وإنزال للأعلام التركية… تصاعد التوتر السوري التركي في ريف حلب، الشرق الأوسط، 1-7-2024، شوهد في 10-7-2024، https://bitly.cx/YZ5ao
[2] فرانس برس، مقتل 4 أشخاص شمالي سوريا في احتجاجات على أعمال عنف ضد سوريين في تركيا تلفزيون الحرة، 1-7-2024، شوهد 22-7-2024، https://bitly.cx/dP0t
[3] قنوات أخبار محلية على منصة التليجرام.
[4] لليوم الثالث على التوالي.. انقطاع الإنترنت عن ريف حلب، تلفزيون سوريا، 3-7-2024، شوهد في 11-7-2024، https://bitly.cx/5Tj
[5] أنقرة: فتح تحقيق في حادثة الاعتداء على العلم التركي، الأناضول، 2-7-2024، شوهد في 22-7-2024، https://bit.ly/3WsbVJa
[6] هدوء بعد العاصفة في ريف حلب.. انقطاع الإنترنت مستمر مع توقف خدمات أساسية، حلب اليوم، 4-7-2024، شوهد في، 10-7،2024، https://halabtodaytv.net/archives/275754
[7] صفحة اعتصام الكرامة على منصة (فيسبوك)، 10-7-2024، شوهد في 13-7-2024 https://www.facebook.com/photo/?fbid=122100314630407000&set=a.122099042174407000
[8] المرجع السابق.
[9] ملفات شائكة تُطرح باجتماع موسع حضره الجانب التركي شمالي حلب.. ما النتائج؟، تلفزيون سوريا، 8-7-2024، شوهد في 14-7-2024، https://bitly.cx/NQK2d
[10] اعتصام لسائقي الشاحنات في “إعزاز” ضد قرار دخول الشاحنات التركية، شبكة بلدي 25-3-2024، شوهد في 11-7-2024، https://bitly.cx/3j0y
[11] أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات شمال سوريا الجزيرة، 2-7-2024، شوهد في 11-7-2024 https://bitly.cx/GzkC
[12] مظاهرات في شمال سوريا ترفض المصالحة مع النظام وتركيا تصدر بيانًا يوضح سياستها لحلّ النزاع، الجزيرة، 12 – 8 – 2022، شوهد في 14-7-2024، https://bitly.cx/pOsOS
[13] لماذا انخفضت المساعدات الأممية لشمال غربي سورية؟ الوكالة السورية للأنباء، 8-11-2024، شوهد في 12-7-2024، https://syrianewsagency.net/breaking/40795/
[14] معرفات الفصائل على تلغرام
[15] أشار بيان الجبهة الشامية إلى ذلك بوضوح، حيث ورد أن سبب الاحتقان المولد للعنف يعود لجملة ملفات سياسية واقتصادية وأمنية وتخوفات مشروعة.
[16] شكّلت حركة التحرير والبناء رأس حربة في إيقاف افتتاح معبر أبو الزندين، وهو معبر كانت الحركة متحكمًا رئيسيًا فيه، ولكن التوجه التركي الأخير كان يستهدف تحجيم دور الحركة في إدارة المعبر.
[17] “انتفاضة الأول من تموز”.. 6 مطالب لـ “اعتصام الكرامة” شمالي حلب، تلفزيون سوريا، 12-7-2024، شوهد في 14-7-2024 https://bitly.cx/0la
[18] كالن يلتقي المعارضة السورية ويقدم تطمينات بخصوص مسار التطبيع مع النظام، تلفزيون سوريا، 17-7-2024، شوهد في 18-7-2024، https://bitly.cx/fto8
[19] تغييرات إدارية تشمل مدير سجن الراعي ورئيس “الشرطة العسكرية” في إعزاز، تلفزيون سوريا 20-7-2024، شوهد في 21-7-2024، https://bitly.cx/Q2RoU
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة