العلاقات السّعوديّة السّوريّة: وصيّة حافظ لبشّار   

خالد البوّاب

بين السعودية وسوريا مسار طويل من العلاقات والأحداث فيه الكثير من الإيجابيّات والسلبيّات. منذ ما قبل استقلال سوريا وارتكاز الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود على الكثير من المستشارين وفريق العمل المقرّب على شخصيات سوريّة إلى ما بعد استقلال سوريا، مروراً بالانقلابات وصولاً إلى الثورة واستعصائها، وإعادة الانفتاح على دمشق مجدّداً.

 

في عام 2007 كان الرئيس الأميركي جورج بوش ينوي إقامة مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في أنابوليس في الولايات المتحدة الأميركية. وكانت المملكة حريصة على تحقيق نتائج جدّية وفعليّة في المؤتمر المشاركة فيه وحرصت على دعوة كلّ الدول المعنيّة.

في تلك الفترة كانت العلاقات السعودية السورية شبه منقطعة، بسبب الخلاف الكبير حول ملفّ لبنان وبسبب ما اعتبرته السعودية نكثاً من قبل النظام بالعهود والوعود. تمسّك الموقف السعودي بدعوة سوريا. يومها وجّهت الأمانة العامة للجامعة العربية في أحد اجتماعات الجامعة، برئاسة عمرو موسى، دعوة إلى دمشق للمشاركة. أبلغ موسى وزير الخارجية السوري وليد المعلم بالدعوة محاولاً إقناعه بالمشاركة لأنّه سيتمّ في المؤتمر طرح قضية الجولان والسعي إلى حلّها. في حينها راجع المعلم رئيسه بشار الأسد حول الردّ، فطلب منه الأسد الذهاب إلى الأمير سعود الفيصل لسؤاله عن حقيقة الأمر وأخذ رأيه ومشورته.

طلب الفيصل بعض الوقت للعودة بالجواب، ثمّ اتّصل بوزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس ليلاً، فصحت من النوم وأخذت الاتصال وردّت بالإيجاب على سؤال الفيصل، الذي أبلغ المعلم بأنّ موضوع الجولان سيكون مطروحاً. أظهر هذا الحدث بالنسبة إلى القيادة السعودية، حجم الثقة لدى النظام السوري بالمملكة على الرغم من الخلاف، ويومها قال المعلم إنّه تبلّغ من الأسد بأنّ ما تقوله السعودية هو الصحيح ولا يمكن الوثوق إلّا بها لأنّ السعوديين لا يطلقون موقفين ولا يناورون في مواقفهم.

يعيد الحديث في هذا المجال إلى بدايات أيام تحضير حافظ الأسد لنجله بشار لتولّي الحكم. في حينها اتّصل حافظ الأسد بوليّ العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وطلب منه أن يكون بشار محلّ عنايته ورعايته، وهو ما قامت به السعودية بحكم العلاقة الوطيدة بينها وبين سوريا وحافظ الأسد، فساهمت في تأهيل وتسويق بشار الأسد عربياً ودولياً، ويومها لم يعارض الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون مسألة توريث حافظ الأسد الحكم لنجله بشار. وعلى إثر التحرّك السعودي تلقّى الأسد دعوات رسمية لزيارة دول عربية وخليجية، فكانت زيارته الأساسية للمملكة العربية السعودية عام 1998، وفي حينها كان وليّ العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز هو الذي يتولّى هذه الملفّات، وقد أمر أن يعامل الأسد الابن كرئيس دولة.

بماذا أوصى حافظ الأسد نجله؟

قبل وفاة حافظ الأسد جرى اتّصال بينه وبين وليّ العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي أصبح ملكاً فيما بعد، وقال له: “بشار أمامي وأردت أن أوصيه على مسامعك بأن لا يخرج عن طوع السعودية وعبدالله بن عبدالعزيز”.

كلّ هذه الوقائع تستعاد في مرحلة الانفتاح السعودي على دمشق الذي له أهداف كثيرة، أهمّها الحرص السعودي على العودة في سبيل استعادة التوازن في سوريا مع الوجود الإيراني.

طبعاً ترتبط العودة بالكثير من الموجبات والتنازلات التي يفترض تقديمها من قبل النظام، وبحال لم يقدّم النظام السوري التنازلات فلا يمكن لأحد أن يحقّق شيئاً، ولا يمكن تقديم المساعدات.

المطلوب من النظام مواضيع أساسية:

– أوّلها معالجة موضوع المفقودين والكشف عن مصائرهم.

– ثانيها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من السجون.

– ثالثها وقف سياسة التجنيد الإجباري التي يعتمدها النظام لوضع بعض السوريين في حالة اقتتال مع البعض الآخر وتمنع عشرات آلاف اللاجئين من العودة إلى سوريا، وهذا يفترض أن يكون ممهّداً لوضع سياسة واضحة حول آليّة عودة اللاجئين إلى مناطقهم.

– رابعها محاربة جدّية لمعامل تصنيع المخدّرات والكبتاغون وتهريبها وتصديرها إلى الخارج ووقف تهديد الأمن المجتمعي في الدول العربية وغير العربية بهذه الآفة.

– خامسها تطبيق سياسة إصلاحية حقيقية وجدّية على المستويين السياسي والإداري وفي هيكلية المؤسّسات السورية.

في حال لم يقدّم النظام السوري أيّ تنازلات فلن يسقط قانون قيصر الذي تنتهي مفاعيله في نهاية عام 2024، وبالتالي لا يمكن تقديم أيّ مساعدات قبل تقديم التنازلات. يندرج ذلك أيضاً ضمن رؤية سياسية موسّعة للوضع في المنطقة، والدخول في مسار الاستقرار. يندرج الانفتاح السعودي على سوريا في سياق العودة إلى الساحة وإن لم يكن ذلك منتجاً حاليّاً.

إعادة تكوين مشروع عربيّ واضح

ما تقوم به السعودية هو اتّخاذ قرار عربي متقدّم واستراتيجي في إعادة تكوين مشروع واضح المعالم تتماهى فيه الشعوب مع دولها لمواجهة أيّ تحوّلات تفرضها التحوّلات السياسية الدولية. وحدها المملكة العربية السعودية قادرة على اتّخاذ مثل هذه الخطوة بالتواصل مع كلّ الدول العربية أوّلاً، ومع تركيا. ومن ضمنها يندرج قرار الانفتاح على إيران والتقارب معها، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع غالبية القوى الإقليمية أو الدولية. لا يقوم هذا المشروع على قاعدة العداء لأيّ طرف، إنّما لردّ الاعتداء. وفي ذلك دعوة صريحة وجدّية لمناقشة عقلانية لوقائع السياسة القائمة حالياً.

أفشلت المملكة العربية السعودية تاريخياً كثيراً من المحاولات التي هدفت إلى ضربها وإضعافها، منذ تداعيات الثورة الإسلامية في إيران على حادثة الحرم التي قام بها جهيمان العتيبي ونجحت السعودية في التصدّي لها، وكان الهدف منها تغيير وجه دول الخليج والمنطقة. صمدت كما فعلت في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي الذي كاد ينتج عنه أوّل تحالف للأقلّيات بمعناه السياسي والاستراتيجي داخل مقوّمات وبنى إحدى الدول العربية.

في تلك الفترة كان حافظ الأسد يعمل بموافقة إسرائيلية ودولية على تعزيز تحالف بين الدروز والشيعة والمسيحيين في لبنان من خلال ما عرف بالاتفاق الثلاثي، وكان الهدف منه استبعاد السّنّة وضربهم كما حصل مجدّداً في عام 2001 ولا يزال مستمرّاً إلى اليوم، وأبرز تجلّياته ما حصل في سوريا في عهد أوباما. نجحت السعودية بالتفاهم مع واشنطن في إجهاض الاتفاق الثلاثي، وعملت على إبرام اتفاق جديد هو اتفاق الطائف، الذي عزّز دورها في المنطقة ودور وموقع السنّية السياسية، التي دفعت فيما بعد ثمناً مضاعفاً مع اجتياح العراق واغتيال ياسر عرفات ورفيق الحريري.

كذلك نجحت السعودية في إنتاج رؤية لحلّ القضية الفلسطينية على قاعدة حلّ الدولتين، وذلك في قمّة بيروت عام 2002، بناء على مبادرة الملك عبد الله التي سمّيت بالمبادرة العربية للسلام، لكن ما جرى فيما بعد وصولاً إلى اليوم كان هدفه الردّ على هذا الدور السعودي والإجماع العربي. في تداعيات مرحلة ما بعد هذه الأحداث، دخل الإيراني المنطقة، وكانت ساحات الصراع الأولى هي العراق ولبنان، بينما اضطرّت السعودية إلى التراجع وإدارة الظهر وفق سياسة تجلّت لاحقاً بقاعدة “السعودية أوّلاً”. لكنّها قاعدة قابلة للتطوّر، بناء على قراءة واقعية للأحداث التاريخية، لأنّ خسارة لبنان، بعد العراق، وخسارة سوريا فيما بعد والانسحاب منها، أوصلتا إيران إلى اليمن وفتحتا معركة استراتيجية مع الأمن القومي السعودي والعربي. وما قامت به السعودية هو تعزيز وتحصين الواقع الداخلي، والانطلاق منه إلى اعتماد سياسة شرق أوسطية وعربية واضحة المعالم من أجل إعادة رسم ملامح المشهد.

المصدر: أساس ميديا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى