أصول الحكم في الاسلام بين محمد عبده وعلي عبد الرازق

 معقل زهور عدي

ولد الامام محمد عبده في قرية ” محلة نصر ” بمحافظة البحيرة بمصر سنة 1849 م , درس في الأزهر واتصل بجمال الدين الأفغاني , نال شهادة ” العالمية” من الأزهر عام 1877 ،ساند بقوة الثورة العرابية حتى هزيمتها عام 1882 , ذهب لبيروت منفيا , ثم ذهب لباريس حيث التحق بجمال الدين الأفغاني وشاركه في انشاء جمعية ” العروة الوثقى ” وجريدة “العروة الوثقى ” وكان اهتمام الجمعية منصبًا على تحرير الشرق من الاستعمار ونهضته بتكوين التنظيمات السياسية , ويبدو أن ذلك المشروع قد واجه الفشل سريعا , فغادر الى بيروت عام 1885 , وفي بيروت بدأ تفكيره ينحو باتجاه الاصلاح الفكري والتربوي , ثم عاد لمصر عام 1889 , وضعفت علاقته بأستاذه جمال الدين الأفغاني , عين مفتي الديار المصرية في عام 1899 , توفي عام 1905 عن 57 عاما . تمثل مساهماته في تجديد الفكر الاسلامي محطة بارزة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وأبرز أعماله كتاب ” رسالة التوحيد ” , كتاب ” الاسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ” مقالاته العديدة في جريدة العروة الوثقى وفي ” الوقائع  المصرية” , الرد على طعون هانوتو ورينان ضد الاسلام , تحقيق كتب التراث العربي – الاسلامي , تفسير القرآن الكريم  , وضع لائحة اصلاح التعليم العثماني , لائحة اصلاح القطر السوري , اصلاح التربية بمصر , تحديث الأزهر , اصلاح المحاكم الشرعية ,  وغيرها .

تأثر الشيخ علي عبد الرازق بأستاذه الشيخ محمد عبده في موقفه من الخلافة ونظرته للحكم في الاسلام , ولعل كتابه حول ذلك ” أصول الحكم في الاسلام ” كان محاولة منه في استكمال الطريق التي فتحها قبله الشيخ محمد عبده , سوى أن محمد عبده كان أكثر وضوحا وانسجاما في فهمه لرؤية الاسلام للحكم , فقد توقف مليا عند الاختلاف بين المبدأ الاسلامي في اعتبار أن أساس الحكم هو العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم خلافا للشيخ علي الذي مر على تلك الفكرة الأساسية مرور الكرام , ثم أهملها في بقية بحثه , يقول محمد عبده : ” فالأمة أو نائب الأمة ( يقصد نواب الأمة ) هو الذي ينصبه ( الحاكم ) والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه , وهي التي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها , فهو حاكم مدني من جميع الوجوه , ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط الخليفة عند المسلمين بما يسميه الافرنج ثيوكراتيك أي سلطان الهي , فان ذلك عندهم هو الذي ينفرد بتلقي الشريعة عن الله, وله حق الأثرة في التشريع , وله في رقاب الناس حق الطاعة , لا بالبيعة وما تقتضيه من العدل وحماية الحوزة , بل بمقتضى الايمان , فليس لمؤمن , مادام مؤمنا أن يخالفه ….لأن عمل صاحب السلطان الديني وقوله ..هما دين وشرع ”  , ويمضي محمد عبده فيصف أعمال الفتوحات الاسلامية بأنها “أعمال سياسية حربية , تتعلق بضرورات الملك ( الدولة ) ومقتضيات السياسة ومن ثم فهي ليست بالحروب الدينية ” ( كتاب محمد عمارة الامام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين – ص 92) ويعني هذا الرأي أن الأساس في نظرية الحكم في الاسلام هو العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وليس الحق الإلهي . وأن البيعة والشورى تتفرع عن ذلك الأساس، ولا يغير ذلك المبدأ ما جرى بعد الخلافة الراشدة من انحراف عنه.

ومن مبدأ العقد الاجتماعي كأساس للحكم توصل الشيخ محمد عبده الى أن الدولة التي تتفق مع الاسلام هي الدولة المدنية وليست الدولة الدينية التي تحكم باسم الدين , جاء في كتاب محمد عمارة ( محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين ) الآتي : ” …موقف الرجل هذا قد قاده الى الايمان بمدنية السلطة في المجتمع , ومدنية مؤسسات هذا المجتمع ( يقصد مؤسسات الدولة من برلمان ووزارات ..الخ ..) ومن ثم الى اتخاذ الطابع القومي – المدني الذي لا يفرق بين المواطنين بسبب الاعتقاد الديني.. ونحن نقدم له في هذا الباب نصين على جانب كبير من الأهمية في تقرير موقفه هذا من الطابع القومي للسلطة في البلاد (يقصد المدني)، ففي المادة الخامسة من برنامج الحزب الوطني المصري الذي صاغه الشيخ محمد عبده في ديسمبر / كانون الأول سنة 1881 م. يتخذ هذا الموقف الفكري , وحتى يؤكد أنه موقفه هو الخاص وزملاءه من علماء الأزهر , وليس فقط موقف الحزب , ينص في هذه المادة على أن “هذا الأمر مسلم به عند أخص مشايخ الأزهر الذين يعضدون هذا الحزب ” أما نص هذه المادة الهامة من برنامج الحزب فيقول : ” الحزب الوطني حزب سياسي لاديني , فانه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب , وجميع النصارى واليهود , وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات ..”

وانسجامًا مع نظرته للحكم بوصفه عقدًا اجتماعيًا ونظرته لمدنية الدولة، فقد نفى الشيخ محمد عبده بل واستنكر أن تكون للحكم سلطة دينية، تفتش في عقائد الناس وأفكارهم وتطبيقهم للعبادات ونحو ذلك. ويقول:” ان الاسلام لم يجعل لهؤلاء (أركان الحكم والدولة) أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام …. ولا يسوغ لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة على ايمان أحد، أو عبادته لربه، أو ينازعه في طريقة نظره.. “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى