لا يخفى على معظم المراقبين للشأن السوري أن ركيزة الحكم في سوريا، منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، تستند بشكل رئيسي على نفوذ عائلة مخلوف بالدرجة الأولى، ثم عائلة الأسد بالدرجة الثانية.
بعد أن كان محمد مخلوف المسؤول عن توزيع المناصب وترتيب المشهد الداخلي للنظام في عهد حافظ الأسد، ورث ابنه رامي هذا الامتياز، كما ورث بشار الأسد الحكم عن والده.
المنافسة بين أسماء الأسد ورامي مخلوف على الاقتصاد السوري
وفي هذا السياق، يقول المحلل الاقتصادي نصر الجابري: “الفرق بين حافظ وبشار هو أن الأخير أعطى رامي مخلوف دوراً أكبر بكثير في المجال الاقتصادي مقارنة بما كان عليه الوضع في عهد حافظ، الذي كان يركز على إبقاء مفاصل القوى العسكرية والأمنية والسلطات الثلاث تحت سيطرته، في حين كان الاقتصاد يأتي في المرتبة الثانية”.
ويضيف الجابري لموقع “تلفزيون سوريا”: “كان حافظ الأسد يمنح الطبقة البرجوازية هامشاً للعمل تحت رقابته وبعد أن يضمن ولاءها المطلق له، لأنه كان يدرك أنهم أصحاب مهن وشيوخ الكار، وأن منازعتهم على مساحات عملهم سينعكس سلباً على الاقتصاد. إذ كان حافظ يعتقد أن العائد الاقتصادي يكون أعلى عندما تبقى الملكية بيد شيوخ الكار، لكن بشار لم يعر انتباهاً لهذه المعادلة وحاول تركيز القطاع الاقتصادي كله بيد رامي مخلوف”.
ويشير الجابري إلى أن النزاع على الهيمنة الاقتصادية بدأ بين أسماء الأخرس ورامي مخلوف، حيث حاولت أسماء سحب الامتيازات الاقتصادية من يد رامي، وبلغ النزاع ذروته في أيار 2020 عندما صدر قرار بالحجز على أموال ابن خال الأسد وممتلكاته المنقولة وغير المنقولة. كما أصدرت رئاسة مجلس الوزراء التابعة للنظام قراراً آخر يمنع مخلوف من التعاقد مع الجهات الحكومية لمدة خمس سنوات.
كذلك، أصدرت وزارة المالية في حكومة النظام قراراً بالحجز الاحتياطي على أموال رامي مخلوف وأموال زوجته وأولاده، بعد أسابيع من الصد والرد بخصوص مستحقات مالية رفض مخلوف دفعها في البداية.
تصاعدت بوادر الخلاف بشكل أكبر عندما طالبت حكومة النظام رامي مخلوف بدفع حوالي 130 مليار ليرة، وهي مبالغ مستحقة للدولة من قبل الشركات الخلوية. جرى تحديد هذه المبالغ وفقاً لوثائق واضحة وموجودة، وحُسبت بناءً على عمل لجان اختصاصية في الشؤون المالية والاقتصادية والفنية والقانونية، وفقاً للبيانات السابقة.
“رسائل واهية طمأنة الطائفة”
ويؤكد الجابري أن مخلوف، بنفوذه الطائفي، تمكّن من نشر فكرة داخل الطائفة بأن الاقتصاد ضاع من أيديهم لصالح أبناء خالة أسماء الأخرس. حاول بشار الأسد تجاهل هذه الأنباء، إلى أن وصلت الضغوط الداخلية مرحلة تنذر بتخلي جزء من الطائفة لصالح مخلوف، فكان إجراء الأسد إخراج أسماء من المشهد وترخيص شركات جديدة من الطبقة المقربة، خصوصاَ من بيت الأسد، بعد أن باتت عائلة مخلوف غير موثوقة بالنسبة لبشار.
وتظهر الوثائق التي حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا” الترخيص لشركة تساهم بها صابرين علي الأسد إلى جانب بيار شناعة وهو لبناني، وكذلك شركة أخرى تساهم بتأسيسها عبير بديع الأسد إلى جانب عبد الله العائدي، وشركة ثالثة يساهم بتأسيسها “الصهر المنتظر” حمزة آصف شوكت إلى جانب محمد طارق الأسدي.
ويفسر الجابري ترخيص الشركات الجديدة بمحاولة بشار إيصال رسائل للطائفة بأن الاقتصاد لا يزال بأيدٍ أمينة، وأن نفوذ أقارب أسماء هامشي ولا يؤثر على نفوذ الطائفة.
ويوضح الجابري أن حجم الشركات الجديدة ونفوذها لا يمكن أن يقنع الطائفة بأن الاقتصاد سيعود إلى أيديهم، مقارنة بالحجم المالي لشركات تهيمن عليها أسماء، مثل الأمانة السورية للتنمية أو شركة اتصالات “إيماتيل”، التي أمرت أسماء بتأسيسها لخلق بديل لإمبراطورية رامي مخلوف وكسر هيمنته على سوق الاتصالات السوري.
تمتلك شركة “إيماتيل” حاليًا أكثر من 45 مركزاً ومكتباً في جميع أنحاء سوريا، وتبيع معدات الهواتف المحمولة وتوفر خدماتها، والمعدات الإلكترونية والاتصالات السلكية واللاسلكية.
ويختتم الجابري حديثه بالتوقع أن ينشب خلاف كبير بين مخلوف والأسد، حيث يمتلك الأخير السلطات الكاملة، لكن مخلوف كعائلة له ثقل ووزن طائفي يفوق الأسد بأضعاف، ما يجعل الأسد يشعر بالقلق ويحاول إرسال رسائل داخلية قوية بظاهرها، لكنها “فارغة وواهية” بمضمونها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
نظام طاغية الشام الأب “حافظ” سيطر على مفاصل القوى العسكرية والأمنية والسلطات الثلاث “التنفيذية والتشريعية والقضائية” تحت سيطرته، وترك الاقتصاد للمرتبة الثانية” ولكن تحت نفوذه، ليكون الإقتصاد مساحة لكسب الولاءات وإسكات أفواه متمردي الطائفة، فهل سيعيد بشار المعادلة بإبعاد أسماء عن الأضواء وإعادة الملف الإقتصادي للطائفة والعائلة؟ إنها إعادة ترتيب البيت .