مودي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة مع فشل حزبه في الفوز بالغالبية المطلقة

أليشا رحمن ساركار

لا تزال هناك مخاوف في شأن تصاعد كراهية الإسلام وتآكل الديمقراطية، إلا أن الاضطرار إلى تسلم حكم البلاد عبر ائتلاف [مع أحزاب أخرى] سيحد بشدة مما يمكن أن يفعله ناريندرا مودي خلال الأعوام الخمسة المقبلة

في بلاد لها حجم الهند وتنوعها، وتتمتع بتقاليد عريقة في الحوار والخلاف، لا يمكن قلب الديمقراطية بسهولة، فالهند أبقى من زعمائها.

إن فشل رئيس الوزراء ناريندرا مودي الواضح في الفوز بغالبية مطلقة في الانتخابات العامة في الهند من شأنه أن يضرم شرارة الصراع داخل حزبه، ويحد من تفويضه بتنفيذ إصلاحات شاملة خلال ولاية تاريخية فاز بها للمرة الثالثة على التوالي.

لا يزال مودي مستعداً للعودة كرئيس للوزراء، لكنه سيحتاج إلى دعم أعضاء الائتلاف في كتلة “التحالف الديمقراطي الوطني” التي أسسها للقيام بذلك، وهذا تطور مذهل يتحدى توقعات معظم المحللين، وكل استطلاع رأي أُجري للناخبين بعد إدلائهم بأصواتهم ونُشر في أعقاب إغلاق مراكز الاقتراع خلال الانتخابات العامة السبت الماضي.

وكان حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي يتزعمه مودي يتقدم حتى مساء الثلاثاء الماضي بـ 245 مقعداً، أي أقل بكثير من 272 مقعداً اللازمة للحصول على الغالبية، وكان ائتلافه “التحالف الديمقراطي الوطني” ككل متقدماً في 295 دائرة انتخابية، في حين كان لافتاً تقدم تحالف “الهند” المعارض بحصوله على 232 مقعداً، وتوقعت بعض استطلاعات آراء للناخبين التي حدثت بعد تصويتهم مباشرة أن “الهند” سيحصد ما لا يقل عن 120 مقعداً.

وتفاخر مودي خلال حملته الانتخابية بأن حزبه سيفوز بغالبية ساحقة ثالثة وما يصل إلى 400 مقعد في مجلس النواب المؤلف من 543 مقعداً، وخشي خصومه ومنتقدوه مما قد يحدث إذا حصل على مثل هذا التفويض، بما في ذلك احتمال تمكنه من تغيير دستور الهند العلماني وإعلان البلاد دولة هندوسية.

ونفى مودي أن تكون لديه أية خطط للقيام بذلك، بيد أن راهول غاندي، زعيم المعارضة، أعلن مساء الثلاثاء أن الناخبين “كافحوا من أجل إنقاذ الدستور الهندي”.

وسواء كان مثل هذا التغيير وارداً بالفعل أم لم يكن، فقد وعد مودي بتنفيذ بعض الإصلاحات الرئيسة في أول 100 يوم له [في الحكم] بعد انتصاره في الانتخابات، وقال مرة تلو أخرى خلال التجمعات الانتخابية والمقابلات التلفزيونية التي حُددت أسئلتها سلفاً، إن “خطتي للـ 100 يوم الأولى بعد [إعلان] النتيجة جاهزة، ولن أضيع يوماً واحداً”.

وشملت بعض خطط حزب “بهاراتيا جاناتا”، اللافتة للانتباه، أكثر من كل ما عداها على قانون مدني موحد، من شأنه أن يجبر أساساً المجتمعات الكثيرة في البلاد على مواءمة عاداتها مع الغالبية الهندوسية ومع سجل وطني للمواطنين، مما قد يؤدي، على حد تعبير المنتقدين، إلى وصف كثير من المسلمين الهنود ممن لا يحملون وثائق مناسبة، بالمهاجرين غير الشرعيين.

وخلال الحملة الانتخابية التزم بتعهد آخر حين وعد بتنظيم الانتخابات الهندية، بحيث تتم كل الانتخابات الفيدرالية وتلك التي تكون على مستوى الولاية في الوقت ذاته، كل خمسة أعوام، وكان من المعتقد على نطاق واسع أن هذه السياسة لن تساعد أحداً سوى حزب “بهاراتيا جاناتا”، لأنه سيستفيد من عدد مؤيدي شخصه المفترض أنه يحظى به.

وقال سايانتان غوش، وهو كاتب عمود صحافي وأستاذ في كلية “سانت كزافييه” في كولكاتا، إن مثل هذه التغييرات الشاملة ستواجه الآن تحدياً من قبل شركاء مودي في التحالف، موضحاً أنه “سيتعين على حكومة مودي أن تتراجع عن أيديولوجيتها”.

وأضاف، “مودي يواجه ضغوطاً للمرة الأولى، وستكون هذه الأكثر على الإطلاق بين حكومات التحالف الديمقراطي الوطني من حيث تقديم التنازلات”.

وأضاف غوش أنه “سيتوجب على مودي وأميت شاه وزير الداخلية أن يتحملا المسؤولية، لأنهما كانا يتربعان على القمة وهناك استياء في أوساط الحزب”.

وإذا لم يفز حزب “بهاراتيا جاناتا” بالغالبية بمفرده، كما هو متوقع، فسوف “يعتمد بشكل كبير على حسن نية حلفائه، مما يجعلهم لاعبين حاسمين يمكننا أن نتوقع منهم انتزاع رطل من لحمهم، من حيث صنع السياسات وكذلك لجهة تشكيل الحكومة”، على حد قول ميلان فايشناف، وهو مدير برنامج جنوب آسيا في “مؤسسة كارنيغي” للسلام الدولي.

وذكر غوش للصحافيين، “ستكون هذه منطقة مجهولة حقاً، سواء بالنسبة إلى الهنود أو رئيس الوزراء”.

ويعزو زعماء المعارضة أداء مودي الضعيف خلال الانتخابات إلى فشله في معالجة التفاوت الاقتصادي المتزايد في البلاد، مع ارتفاع معدلات البطالة بشكل مطرد حتى في الوقت الذي يشهد فيه المليارديرات والشركات الكبرى ازدهاراً ملحوظاً.

ومنذ ارتقائه إلى مكانة بارزة على المستوى الوطني من خلال “نموذج غوجارات” الاقتصادي في ولايته الأم، كان يُنظر حتى الآن إلى موقف مودي المؤيد للسوق على أنه صفة رئيسة تساعده في استقطاب التأييد.

ونقلت “رويترز” عن اثنين من المسؤولين الحكوميين قولهما إن مودي كان يخطط لإدخال مجموعة من الإجراءات الصديقة للأعمال، بما في ذلك تمرير اللوائح التي من شأنها أن تسهل على الشركات الكبيرة توظيف العمال وفصلهم.

وقد استجابت تلك الأسواق نفسها بشكل سلبي للغاية لنتائج يوم الثلاثاء، وذلك بانخفاض مؤشري “سينسيكس” و”نيفتي” بنحو ثمانية في المئة قبل أن ينتعشا قليلاً.

ورأى الدكتور شيتيج باجباي، وهو زميل بحوث أول في برنامج جنوب آسيا التابع لـ ’تشاتهام هاوس‘أن نتيجة الانتخابات “قد تقيد بعض سياسات حزب ’بهاراتيا جاناتا‘ الأكثر إثارة للجدل والمدفوعة بـ[سياسات] الهوية، غير أنها ستجعل من الصعب أيضاً إحراز تقدم في بعض الإصلاحات الأكثر حساسية من الناحية السياسية، مثل إصلاحات العمل وحيازة الأراضي على سبيل المثال، وهذا ما يفسر التراجع الذي شهدته سوق الأسهم الهندية مع إعلان النتائج”.

وعلى رغم أن أحداً في الوقت الحالي ليس في وضع يسمح له بتحدي سلطة مودي داخل حزب “بهاراتيا جاناتا”، فإن نتائج يوم الثلاثاء تحدث تشويهاً كبيراً في هالة مودي الذي لا يقهر، وستشجع فصائل داخل الحركة القومية الهندوسية [على معارضته]، إذ إنها تعتقد أنه انتزع قدراً أكبر مما ينبغي من السلطة التي يمسكها بيديه.

وقال أحد كبار أعضاء حزب “راشتريا سوايامسيفاك سانغ”، وهو الأب الأيديولوجي المتشدد لحزب “بهاراتيا جاناتا”، إن قادته يدرسون الطرق التي يمكنهم من خلالها “إزاحة” مودي أو توبيخه بسبب النتيجة، واقترحوا أن يسعى حزبهم إلى إجراء انتخابات داخلية لن تؤثر بشكل مباشر في موقع مودي كزعيم لحزب “بهاراتيا جاناتا”، إلا أنها قد تؤدي إلى حمل حزب راشتريا سوايامسيفاك سانغ على النأي بنفسه عن رئيس الوزراء [والمضي] صوب خليفة مفضل له.

وعلى رغم أن هذه النتائج قد تبدو وكأنها أخبار سيئة بالنسبة إلى حزب “بهاراتيا جاناتا”، فقد فاز مودي في نهاية المطاف بالانتخابات من خلال حملة تناولت أول الأمر النمو الاقتصادي، وانتهت بتوجيه إشارات صاخبة مليئة بالإيحاءات إلى المسلمين الذين يأخذون ثروات الهندوس.

وقد بدأ مودي حملته الانتخابية بافتتاح معبد للإله الهندوسي “رام الملك” بني على موقع مسجد جرى هدمه بشكل غير قانوني، ويعود تاريخه للقرن الـ 16، وتنظر المحاكم حالياً في قضايا ضد مسجدين آخرين في ولاية أوتار براديش التي يديرها حزب “بهاراتيا جاناتا.”

ولكن إذا كان أي واحد من أحداث يوم الثلاثاء الماضي قد أوحى بأن التكتيكات التي يستعملها مودي من أجل استمالة قاعدته الهندوسية اليمينية كانت متعثرة، فهذا الحدث كان النتيجة التي أعلنت في أيوديا.

إن مرشح تحالف “الهند” فاز فعلاً بمقعد هذه الدائرة الانتخابية التي دشن فيها مودي “معبد رام.”

ويلفت باجباي إلى أن “أحد الأمور المهمة التي أظهرتها الانتخابات هو أن الديمقراطية في الهند لا تزال أكثر قوة مما يجري تصوره في كثير من الأحيان”، وتابع “على رغم عيوبها فإن درجة من الضوابط والتوازنات لا تزال قائمة في الديمقراطية الهندية، إذ تبقى المؤسسات أقوى من الفرد، وفي بلاد لها حجم الهند وتنوعها، وتتمتع بتقاليد عريقة في الحوار والخلاف، لا يمكن قلب الديمقراطية بسهولة”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حزب “بهاراتيا جاناتا” بزعامة مودي خلال قيادته الحكم تصاعدت الأزمات الداخلية والمواقف المعادية للإسلام وتآكلت الديمقراطية، إليجعله يتراجع بالإنتخابات ليحتاج الى تآلف [مع أحزاب أخرى] سيحد بشدة مما فعله ومما يمكن أن يفعله خلال الأعوام الخمسة المقبلة، فهل الديمقراطية الهندية تعيد توجه البلاد الى البوصلة الأصح؟.

زر الذهاب إلى الأعلى