حين توظف العنصرية لأغراض استعمارية

مبارك علي

البريطانيون آمنوا بأحقيتهم في حكم الدول المغلوبة لأن سكانها لا يصلحون لإدارة بلدانهم. شهدت الأعوام التي سبقت الحرب العالمية الأولى حركة توسعية انطلقت من القارة الأوروبية وشملت معظم بقاع العالم، وقامت سياسة هذه الحركة التي تعرف اليوم بالحركة الاستعمارية الغربية على ركيزتين أساسيتين، التفوق العرقي ونشر الحضارة الأوروبية.

واستغل العلم والفلسفة لتعزيز فكرة التفوق العنصري، إذ تم تقسيم الناس عرقياً بناء على حجم الجماجم وشكل الأنف، فنظرية التطور التي قدمها العالمان تشارلس داروين المتوفى عام 1882، وهربرت سبنسر المتوفى عام 1903، حوت مبدأ بقاء الأصلح، وطبقتها الدول الأوروبية والمفكرون الغربيون على المجتمعات البشرية مما أدى إلى تأجيج العنصرية، وعلى هذا الأساس شيدت دول القارة العجوز مستعمراتها في آسيا وأفريقيا بحجة أن عرق السكان الأصليين متدن وبالتالي لا يصلحون للحكم.

ولم تقتصر العنصرية في السياسة فقط، بل إن الأوروبيين كانوا لا يرغبون بتلويث نسلهم من خلال التزاوج مع السكان الأصليين، وفي حال ولادة طفل مزدوج العرق لم يرحب به ولم يعد من العرق الأبيض.

العنصرية البريطانية في الهند

أخذت العنصرية البريطانية أشكالاً مختلفة في الهند، إذ تزوج البريطانيون بالنساء الهنديات بداية حكمهم، لكنهم لم يعطوا الهنود الإنجليز (الأشخاص ذوو العرق المختلط) مكانة مساوية للبريطانيين، ولم يعينوا في المناصب الحكومية العليا، بل تم تسليمهم قطاع السكك الحديد عندما بدأ الإنجليز العمل عليها، وبهذا انتهت البطالة في الهنود الإنجليز.

صورة أخرى للعنصرية ظهرت في تجنب الإنجليز مخالطة السكان المحليين والنفور منهم، إذ كانت للإنجليز نواد خاصة يمنع الهنود من الدخول إليها، ولم يسمح لهم أيضاً بحضور المناسبات البريطانية.

وكانت المحاكم الإنجليزية في الهند منفصلة، إذ ارتبط هذا الأمر أيضاً عند الإنجليز بالعنصرية، وكان المتهم البريطاني يمثل أمام قاض بريطاني فقط، وعندما ازداد عدد المدانين البريطانيين تم بناء سجون خاصة لهم في أماكن مفتوحة لحمايتهم من الحر بدلاً من الزج بهم مع المسجونين المحليين.

جنوب أفريقيا مركز الحكم العنصري

ووصلت العنصرية إلى أوجها في جنوب أفريقيا حين قامت الدولة على أساس نظام الفصل العنصري الداعم لتفوق البيض، وسنّت قوانين مذلة للسكان الأفريقيين المحليين، ولم يسمح لهم بالعيش في المدن وتم فصل أحيائهم عن أحياء السكان البيض، وكان السكان المحليون يأتون إلى المدن للعمل بوظائف متدينة في الصباح ويعودون لأحيائهم في الليل.

وكان النظام العنصري متجذراً إلى درجة أن النوافذ في مكتب البريد كانت منفصلة للسكان البيض وللمحليين، وكذلك المقاعد في الحدائق العامة كانت مخصصة بحسب لون البشرة.

وقد قُسم المجتمع في جنوب أفريقيا إلى ثلاث طبقات، السكان البيض في أعلى الهرم، ثم المستوطنين الهنود في الدرجة الثانية وأخيراً الأفارقة المحليين، وظهرت هذه الطبقية في التعامل مع السجناء، إذ كان يسمح للسجناء الأفارقة بارتداء الملابس الداخلية فوق الركبتين فقط، وللسجناء الهنود بارتداء سراويل تحت الركبتين، بينما كان السجناء البيض يرتدون سراويل كاملة، والوجبات أيضاً كانت مختلفة لكل طبقة من السجناء، إضافة إلى غرامات مالية باهظة لمن يخالف قوانين الفصل العنصري.

“تبييض” المحليين

الاستعمار والعنصرية ظهرتا جنباً إلى جنب في أستراليا التي كانت مستعمرة بريطانية، وفي بادئ الأمر كان البريطانيون يرسلون المدانين إلى أستراليا للقيام بالأعمال الشاقة هناك، وعندما زاد عدد السكان تجنب البيض مخالطة السكان الأصليين، لكن سياسة أخرى اُتبعت مع المحليين بعد ذلك، وركزت على محاولة “تبييض” السكان المحليين من خلال جلب أطفال السكان الأصليين ووضعهم في بيوت ومدارس البيض حتى يتركوا ثقافتهم المحلية ويتبنوا الثقافة البيضاء، لكن هذه السياسة لم تنجح، إذ هرب بعض الأطفال وعادوا لبيوتهم وبعضهم الآخر عانى مشكلات صحية وذهنية بسبب هذه التجربة.

وأخيراً اكتشفت جثث مئات الأطفال في مقبرة في إحدى مدارس كندا والتي أظهرت أن هذا البلد الشمال أميركي يتبع أيضاً السياسة نفسها.

والأمثلة السابقة جميعها للسلوك العنصري وتوظيفه للأهداف الاستعمارية من قبل بريطانيا، لكن ربط العنصرية بالاستعمار لم يقتصر على الدول الأوروبية فقط، إذ اتبعت اليابان في أوج قوتها خلال القرن الـ 20 الميلادي السياسة التوسعية نفسها، كانت يابان آنذاك دولة مستقرة تزدهر صناعياً وهزمت روسيا عسكرياً مما جعلها تنظر للدول والأعراق الأخرى بدونية، وترى الحق لنفسها في استعمار هذه الدول.

أما الصين ودول جنوب شرقي آسيا فكانت أول هدف لليابان التي اتهمت هذه الدول بالرجعية، ففي عام 1930 هاجمت اليابان الصين بالحجة نفسها وأراقت كثيراً من الدماء، ثم استولت على جزيرة تايوان وكوريا أيضاً.

ونفى اليابانيون بمعاملتهم القاسية والوحشية مع الدول المهزومة دعواهم بالرقي والتفوق الثقافي، وعلى سبيل المثال استخدموا في كوريا النساء المحليات لإشباع رغبات الجنود اليابانيين وأطلقوا عليهم اسم “نساء المتعة”.

وعلى رغم انتشار العولمة وانتهاء عصر الاستعمار إلا أن التحيز الطبقي وآثار التفوق العرقي لا تزال حاضرة ويعانيها السكان من أصول أفريقية في الولايات المتحدة والأتراك في ألمانيا والمغتربون في بريطانيا وفرنسا، ويبدو أن التفوق العرقي لم يكن مجرد نظرية، بل شعوراً عند الدول الغربية، وعلى إثره شرعنت هذه الدول سياساتها الاستعمارية في السابق ومعاملتها الدونية للمغتربين اليوم.

نقلاً عن “اندبندنت أوردو”

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى