قراءه في رواية: مفتاح الباب المخلوع

أحمد العربي

مفتاح الباب المخلوع.. رواية متميزة بأسلوبها الأقرب للسرد النفسي. الممتلئ بالتفلسف وبالوجدانيه وبالتوحد مع الوجود. هي محاولة للتفرد باعادة طرح الحياة الانسانية العاديه والمتشابهه عند كل البشر. لكنها تكون فريدة بانسانها الخاص. وبما يفكر وما يعيش ومايعايش وما يتفهم ويتقبل هذه الحياة… اويصارعها ويحاول الانتصار بها . لكنه لا ينتصر عليها لانه انسان زائل في سلسلة الوجود المستمر..

.الرواية ترصد بلفة المتكلم بطلها الطفل الصغير الذي يعي نفسه ابن وحيد لاب وام.. في مخيم بعد اللجوء الاول للفلسطينيين في 1948. يعيشون حياة الفقر المدقع… كلهم كلاجئين. يحاربون الجوع والحرمان. ويفكرون دوما بكيفية تأمين لقمة العيش.. اباه رجل حر متحدي لا يهاب احد. قاس على نفسه وزوجته وابنه. يعيش حياته بفرادة متميزة. فهو يعشق زوجته ويقسى عليها. ويحب ابنه ويعامله بغلظه ويطلب منه دوما ما هو اكبر منه. والكمال بالاعمال.. فقير ويحب الفقراء مثله. يصطاد لقمته من فم الحياة او جيب غني. ويوزعها بالتساوي على اللاجئين الفقراء بجوارة. الزوجة تحتضن زوجها وغضبه الدائم وتحبه. وتخاف عليه ان تخطفه منها امرأة اخرى. والاب يؤمن ان المرأة هي فاكهة الوجود. لكنه يكرة الزواج والاولاد ويعتبرهم قيد العبودية والذل والاستسلام لشروط الحياة بكل سوئها. الطفل بطل الرواية عالمه الحقيقي ذاتي. فلا اخوة له ولا اصدقاء وامه تبعده عنها دوما. ووالده يتعامل معه كرجل رغما عن انفه. يعيش عالمه داخل نفسه. يصادق الشجرة والعصفور والسماء والبئر والمطر وكل شيئ. يتحدث مع الكل ويصنع لغة ما… يتفاهم من خلالها معهم.. ويتعايش مع اهله.. ويدخل مدرسة المخيم ويكون متفوقا.. تطول حياة اللجوء عليهم. ووالده يعتاش مرة على صيد سمك نهر الاردن عندما يفيض. وتارة اخرى شيخا مشعوذا يبيع الاوهام.. لا يتذكر بلاده التي طرد منها الا نادرا.. وينقل من مخيم لاخر. بجوار مدينة نابلس. ويعطى غرفة ويتعلم العمار ويصبح معلما بالمهنة ويعتاش من خلالها.. الطفل متفوق لكنه فقير مدقع الفقر. يحتال على فقره بالعمل. تارة في بيع الحلوى. وتارة في بيع اكياس الاوراق التي يصنعها من اكياس الشمنتو.. في المدرسة يظهر تفوقه وطموحه.. يكبر وتكبر معه احلامه. ويدخل المراهقة طالب متفوق محاط بطالبات يرونه قدوة. يعيش احساس الحب ويصارح الحبيبه ويهديها الورود وخاتم من ذهب عمل كثيرا حتى أمن ثمنه.. لكنها ترحل مع اهلها لنزوح الثاني بعد هزيمة 1967. وتتركة لمعاناته.. ابوة ينهار نفسيا بعد الحرب التي كان ينتظر من بعدها تحريرا وعودة للبلادفلسطين. كان يحب عبد الناصر ويثق به. لكن الهزيمة تأتي واليأس يزداد. وينهار الاب نفسيا ويتحول لانسان فائض عن الحياة.. اما الطفل الذي كبر فإنه يستحضر مرحلة من عمرة. اصبح بها مدرسا في منطقة صحراويه.. كانت معايشته للصحراء ولسكانها مبهرة له. حياة بدائية جدا ومدرسة بلا مدرسه. ولا مقاعد ولا ادوات. والطلاب هم اطفال من كل الاعمار لكل  الصفوف. دون اي التزام. سينبهر بالفتاحه التي تمثل طبيب الناس ورسول حبهم ومعالجة لمشاكلهم. الصحراء تعكس نفسها على الناس بتقبلهم بالمقدر. عدم الاستقرار في ارض. ملاحقة الرزق من مرعى ومطر في اي مكان. لا وطن للصحراوي. وهو دائما ينتظر ما يحصل معه وعليه. كاستسلام مطلق.. يكبر صاحبنا ويستوعب ازمة ابيه كإنسان فقد الوطن والامان. وام تخاف من الزمن. وعلى عائلتها وتحارب الدنيا لتستطيع العيش. ويستوعب انه تصالح مع الوجود كله وصنع من نفسه استاذا جامعيا وشاهد الدنيا الواسعه. لكنه ما زال مسكونا بنفسه الطفلية وعبثية علاقتها مع الوجود. وانه انسان عابر باحتمالات كثيره. لكنها محكومه بالعدم..

.الرواية فلسفيه ووجوديه ووجدانيه. وتقرأ النفس بكل اطوارها واحتمالاتها.. لا تقرأ بالمباشر واقع اللجوء او الفقر او الهزيمه او قساوة الحياة او نموذ حالة الاهل الغير متوازنه. بصفتها بنت ظروف الاحتلال والمظلوميه التاريخيه. وضياع الارض والوطن والانتماء. والغرق في اللجوء. والبحث عن لقمة العيش. وانتظار امل بوطن او بحياة امان وكرامة انسانية وعدل مستدام.. كل ذلك مفتقد ضمنا وكأنه حقيقة الحياة.. وليس واقعا طارئا يجب تغييره… لم تتحدث الرواية عن الرفض لهذا الواقع. ولا عن الثورة الفلسطينيه. ولا عن تبعيات اللجوء والهزيمة… الثورة المستمرة لتحرير فلسطين..

.كل ذلك غائب بالمباشر في الرواية حاضر بكون هذه الظروف ستنتج الثورة التي ستنتصر ولو بعد حين..

26.5.2016…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “مفتاح الباب المخلوع” للروائي “راشد عيسى” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية فلسفية وجودية وجدانية تتحدث عن واقع اللجوء لشعبنا الفلسطيني 1948 و الفقر و الهزيمه و قساوة لحياة اللاجئ وإنعكاسها لحالة الاهل الغير متوازنه،

زر الذهاب إلى الأعلى